السبت 22 مارس 2025
أبو يعرب المرزوقي
أبو يعرب المرزوقي

الغرب وعجزه الأكيد عن تحدي الإسلام (5/2)

أبو يعرب المرزوقي

تكلمنا على موانع تحدي الغرب في وضعيته الراهنة للمسلمين إذا عملت هذه الموانع التي تعوقه وتحول دون استفادته من وضعيتهم الحالية من حيث هم مجموعة مخيفة له بالقوة وإذا استفاد من عدم صيرورتها بالفعل الذي هو ما يخشاه.

وما يخشاه يدفعه للمسارعة للاستفادة من الوضعية المفتتة جغرافيا والمشتتة تاريخيا حتى بعد أن فشل طيلة ما يقرب من نصف قرن فاكتشف أن ما ظنه ممكنا مع السوفيات لم يكن ممكنا معهم بوصفهم العدو البديل من السوفيات.
فهل الصهيونية الإسرائيلية والمسيحية الصهيونية البروتستنتية تريد الاستفادة من الفوضى السائدة حاليا في دار الإسلام عامة ومركزها العربي محاولة إعادة الكرّة والضرب قبل النقلة من القوة إلى الفعل في الاستئناف الإسلامي؟
فقد يتوهمون أنه يمكن بفصل الروس ومعهم إيران للابقاء على أداتي ازدواجية التخويف مواصلة تقسيم قلب الإسلام بين السنة والشيعة حائلين دون تخلص العرب من حربهم الأهلية ومانعين التحالف بينهم وبين الأتراك وباكستان خاصة.
وبذلك تكون الصهيونيتين قد حافظتا على شروط تعطيل الاستئناف الإسلامي في الأقليم.
حينها تكون الفرصة سانحة لهما للابقاء على سيطرة الغرب العالمية مع تداخلهما في الغرب وفي محاولتهما اخضاع الشرق لنفس المنطق المتمثل في انتخاب الحكام والنخب للسيطرة على القرار المتعلق بسياسة المعمورة وتقاسم منافعها.
ولما كانت وضعية المعمورة هي ما وصفت في الفصل الأول من هذه المحاولة التي أظهرت تآكل هذا السلطان في ما يسمى بالجنوب الشامل وكان الصراع مع الاسلام ما مكن القطب السوفياتي (روسيا) من ان يسترجع بعض قوته والقطب الصيني من أن يقترب من الندية مع أمريكا فإن هذا تركيزهم على الصراع مع الإسلام هو ما ضيع عليهم نصف قرن من الالتفات لمنافسيهم.
لذلك صارت وضعية الإسلام في سياسة المعمورة الحالية بؤرة مشكل التنافس بين الأقطاب ومنطلق البحث في توجهات طلب الحل في رؤيتهم للجنوب عامة ولمركزه الإسلامي خاصة.
فلكأن المشكل صار كيف نحافظ على تبعية الجنوب بمنع الاستئناف الإسلامي الذي قد يكون منطلق تحرره أو على الأقل عونا للمنافس في صراع الأقطاب.
فالصراعات التي تتحكم في سياسة المعمورة ذات صلة مباشرة بوظيفتي أي جماعة ذات دولة وسيادة مردها إلى التمكن من شروط:

1. الرعاية الخمسة
التكوينية (التربية والعمل) والتموينية (الثقافة والاقتصاد) وأصلها كلها البحث العلمي وتطبيقاته في تصور غاياتها وإبداع أدواتها.
2. الحماية الخمسة
الداخلية (القضاء والأمن) والخارجية (الدبلوماسية والدفاع) واصلها كلها البحث الاستعلامي وتطبيقاته وإبداع ما يحول دون السلم الأهلية في الداخل والسلم العالمية في العالم.
وذلك هو سر قوة أي جماعة تقدم على رهان التنافس بين الجماعات البشرية في سياسة المعمورة لحيازة اكبر سهم ممكن من المعمورة: مكانها الجغرافي وزمانها التاريخي.

ومن هنا تصبح دار الإسلام بسبب:
اتساعها وثرواتها المتنوعة وموقعها من المعمورة وتاريخها وتمثيلها لأغلبية الجنوب الشامل وخاصة مستضعفيه بالأهمية التي نذكر.
ومن ثم فهي أهم غنيمة يتنافسون عليها وعلى مكانها وزمانها وما تتضمنها أرضها من كل الثروات الطاقية والمعادن النادرة الضرورية لشروط القوة الحديثة كلها مع الممرات والتكاثر الديموغرافي وعودة الوعي بالآسرة المشتركة بين شعوبها.

فهذه العودة عودة تسارعت في عصر صار التواصل والاتصال فيه يكاد يلغي كل الحدود. ومن ثم فطبيعي أن يحرص الغرب على منع إحياء هذه الأواصر فيضع خططا استراتيجية لمنع ذلك أو على الأقل لتعطيله ما أمكن التعطيل قبل أن تنتقل شروط الاستئناف من القوة إلى الفعل إذا ما استحال منعه.

فالاستئناف يعني انفجار ثورة الجنوب الشامل التي يقودها الإسلام كما حدث في بدايته لما انهى إمبراطوريتي فارس وبيزنطة وصمد قرونا أمام غزوات مغول الغرب ومغول الشرق إلى اليوم.

فتصبح الحرب على الإسلام ضرورية لكأنه أحد أقطاب التنافس وإن كانت فاعلية قطبيته التي بالقوة ما تزال صمودا لا توحده استراتيجية تجعل التوحيد الناقل من القوة إلى الفعل شبه مبادرات مفتتة من حركات وأفراد هي التي يسمها الغرب وتسميها الأنظمة والنخب التابعة له إرهابا وتخترقها لتقوي فيها فوضى عدم الاستناد إلى استراتيجية تحقق شروط الاستئناف التحريري والتحرر في الجنوب المستضعف.

هذا هو السؤال الذي أريد الجواب عنه بمحاولة فهم الاستراتيجية المناسبة أخذا بعين الاعتبار لفرضيات هذه الرؤية الجامعة بين أحداث التاريخ وأحاديثه التي حددت ما وصفنا منه في حال سياسة المعمورة إلى حد الآن.
وذلك هو دور التذكر لفهم سياسة المعمورة في حاضرها المؤسس للتوقع للاستعداد لسياستها في المستقبل بإبداع أحاديثه وأحداثة.
وبذلك يحصل الاستئناف الإسلامي ثورة عالمية تقود الجنوب المستضعف كله.

لكني أعتقد أن أمريكا لن تتبع سياسة إسرائيل لعلمها أن الحرب الخاطفة التي تتصورها هذه ممكنة للحسم مع ما هو بالقوة قبل أن يصبح بالفعل بعكس ما تراه إسرائيل التي ستسرعه بسبب نظرية المطاولة التي عرف بها المسلمون في كل حروبهم.
بحيث إن كل الأعداء فشلوا في القضاء عليهم وآخر التجارب هي ما حصل لأمريكا التي أضاعت نصف قرن دون جدوى محاولة القضاء على سر هذا الصمود الإسلامي وتجدده الدائم بخلاف ما توهم هيجل في فلسفة التاريخ (الجزء الرابع في كلامه على خروج الإسلام من التاريخ ونهاية دوره).

لذلك فأمريكا صارت بعد ما أضاعته في هذه المدة تفكر في تقديم الاهتمام بالمهادنة مع المسلمين بخدعة الأحلام الوردية التي من جنس فكرة جعل غزة منتجعا عالميا وخرافة بعض حكام الخليج بجعله أوروبا الثانية حتى تؤسس لشروط الصمود أمام الصين بفصل روسيا عنها واعتماد خطة إقحام الهند في الوهم الذي يؤسس لربط الخليج بأوروبا ضربا لعصفورين بحجر واحد.

فالهند أعدى أعداء أمة الإسلام مثله مثل الصين وتنويم المسلمين من ايسر الأمور بحماية الأنظمة والنخب التي تحاربه من الداخل بمنع الشعوب من استرداد سلطانها على شروط سياسة المعمورة ودور الأمة فيه أي دورها في قيادة الجنوب المستضعف لأنها هي مركزه.

ومن علامات ما افترضه من حاجة أمريكا لمهادنة المسلمين واستعمال الإيهام الذي ينوم الحكام والنخب هو الإيهام بأوربة الخليج ووصله بالهند مع التركيز على الإيهام بتعظيم دور الإمارات والسعودية كما في هذه الخطة وكأنهم من صانعي السياسة العالمية حتى جعل أمريكا وروسيا يجتمعان في محاولة حل مشكل أكرانيا في الرياض وترضية روسيا على حساب أوروبا حتى يفصلها عن الصين.

وبذلك فهو سيرضي ايران لأن هذه اكثر تبعية لروسيا منها للصين ولأن وصولها إلى السلاح النووي مفيد لأمريكا ضد تركيا وباكستان ولا يخيفها على إسرائيل لأنها تملك المئات منه مع تضامن الغرب كله مع القاعدة الصهيونية.

ذلك ما سأخصص له الفصول الموالية من هذه المحاولة إذ تبين أن فصلين لا يكفيان وهي إذن ستكون خمسة فصول لفهم سياسة المعمورة الحالية ودور الإسلام فيها أي استراتيجية الغرب لتحييد الإسلام عملا بما يضمن بقاء مفعول سايكس بيكو الذي أنهاه الطوفان والربيع.

والسياسة بتنويم الحكام والنخب التابعة لهم أي ما يحول دون الدور أولا وعلامات تحويل التفتت الجغرافي إلى حروب أهلية بين المحميات العربية والإسلامية في الجنوب المستضعف كله والرمز هو إعادة العرب إلى ما كانوا عليه قبل توحيد الإسلام لهم توحيدا جعلهم قوة عالمية وقائدة لكل المستضعفين حينها.

فيكون المطلوب استخراج هذه الاستراتيجية التي ستسترد بها الأمة فاعليتها وتنقلها من القوة إلى الفعل بالانتصار على الفتنة الكبرى (السبئية الباطنية) لوضع استراتيجية الخروج من الفتنة الصغرى في التجربة الثانية (العلمانية والباطنية).

ذلك أن ما انهى دور الأمة بعد سقوط الخلافة الأخيرة علته الفتنة الصغرى أو العلمنة القسرية والمحميات التي أوهمت الحكام والنخب التابعة لها أنها دول وطنية وهي ليست دولا لعدم سيادتها فضلا عن أن تكون وطنية لعدم قدرتها على رعاية المواطن وحمايته.

يتبع


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

أبو يعرب المرزوقي

هزيمة الصهيونية؟ شرطها تحقيق ما تخيف به الغرب منا

أبو يعرب المرزوقي لو كانت أكاذيب إسرائيل التي تستعملها لإقناع الغرب بأنها في خطر وأنها …

أبو يعرب المرزوقي

الغرب وعجزه الأكيد عن تحدي الإسلام (5/3)

أبو يعرب المرزوقي الاستراتيجيا عامة معادلة سياسة المعمورة في السلم وفي الحرب ألصقت يوم 25 …

اترك تعليق