بين عبد الرحمان يوسف ومحمود درويش
نور الدين الغيلوفي
لم أكن أعرف أنّ عبد الرحمان يوسف هو ابن الشيخ يوسف القرضاوي، رحمه الله. عرفت به شاعرًا لفت انتباهي في بدايات الزمن المشتبك قبل معرفتي الفيسبوك.. كان ذلك في السنة التي أخرجت فيها حركة حماس محمد دحلان وعصابته من غزّة سنة 2007.
كتب الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش وقتها مقالا عنوانه “أنت منذ الآن غيرك” هاجم فيه حماس ومن ورائها الإسلاميين وانحاز إلى حركة فتح والسلطة الفلسطينية ومحمّد دحلان ، فردّ عليه عبد الرحمان يوسف بقصيدة عنوانها “اعتذر عمّا فعلتَ” وعنوان قصيدته إحالة على “لا تعذر عما فعلت” وهو عنوان لقصيدة أبدعها درويش قبل أن يسند عنوانها إلى ديوان من دواوينه تضمّن القصيدةَ من باب تسمية الكلّ باسم الجزء.
قال درويش وقتها في مهاجمة حماس دفاعا من سلطة رام الله :
(أن نكون ودودين مع مَنْ يكرهوننا، وقساةً
مع مَنْ يحبّونَنا تلك هي دُونيّة المُتعالي،
وغطرسة الوضيع!)
ومن بديع ما قال في نصّه ذاك :
(الهوية هي: ما نُورث لا ما نَرِث. ما نخترع
لا ما نتذكر. الهوية هي فَسادُ المرآة
التي يجب أن نكسرها كُلَّما أعجبتنا الصورة!)
وقال فيه :
(لولا أن محمداً هو خاتم الأنبياء، لصار
لكل عصابةٍ نبيّ، ولكل صحابيّ ميليشيا)
ومنه قوله :
(هل يعرفُ مَنْ يهتفُ على جثة ضحيّته –
أخيه: “الله أكبر” أنه كافر إذ يرى
الله على صورته هو: أصغرَ من كائنٍ
بشريٍّ سويِّ التكوين؟)
ومنه :
(أنا والغريب على ابن عمِّي. وأنا وابن
عمِّي على أَخي. وأَنا وشيخي عليَّ”. هذا
هو الدرس الأول في التربية الوطنية الجديدة،
في أقبية الظلام.)
وختم درويش نصّه بقوله :
(لا أَخجل من هويتي، فهي ما زالت قيد
التأليف. ولكنّي أخجل من بعض ما ورد
في مقدمة ابن خلدون!
أنت، منذ الآن، غيرك!)
•••
وكان من ردّ عبد الرحمان يوسف على درويش :
(أُريـــدُ الـدِّفـَــاعَ بـسَـطـْــر ٍ مِــنَ الـشـِّعـْـــرِ حـُـــرٍ
لأقـْهـَـــرَ عـَصْـــرَ الـرَّقـيــــقْ …!)
ومنه :
(أنـَــا الآنَ أصْـبـَحـْــتُ غـَيـْــري ” تـَقـُــولُ …
تـُجَـمـِّـــلُ نـَثـْـــرَكْ …
و إنـَّــكَ مـُنـْــذُ عُـقـُـــودٍ تـَحَـوَّلـْـــتَ غـَيـْـــرَكْ !!!
فـَخـُــذْ مِـــنْ قـَصِـيـــدِكَ حـِـــذرَكْ …
لأنـَّــكَ عـَبـْــرَ الـسِّنـيـــنِ كـَتـَبـْــتَ مِــنَ الـشـِّعـْــرِ
مـَــا سـَــوْفَ يـُسْـقِـــطُ عُـذرَكْ !!!)
ومن خطابه الانفجاري قال له :
(أجـِبْـنِــي بـِرَبـِّــكَ …
هـَــلْ نـَحـْــنُ نـَسـْـــلُ الـتــُّـــرَابِ وأنـْـــتَ سَـلـيـــلُ الـسَّـمـَـــاءْ ؟
أنـَحـْــنُ الـشـَّيـَاطـيـــنُ إنْ مـَـا غـَضِـبْـنـَــا وأنـْــتَ هُـنـَــا آخـِــرُ الأنـْبـِيـَــاءْ ؟
إذا كـُنـْــتَ يـَوْمـَــاً عـَــذرْتَ الـــذي قـَـــدْ تـَهـَـــوَّرَ
وهـــو يـَسِـيـــرُ بـِـــدَرْبِ الـخِـيـانـَـــةِ
فـَاعـْــذرْ بـرَبـِّــكَ مـَــنْ قـَــدْ تـَهـَــوَّرَ و هــو يـَسِـيـــرُ بـِـــدَرْبِ الـوَفـَـــاءْ !!!
إذا كـُنـْــتَ تـَعـْــذرُ كـُــلَّ الـجَـرَاثـيـــمِ (فـهــي تـُنـَفـِّـــذُ أمـْــرَ الإلـــهِ)
فهـَـلا عـَـذرْتَ جـِهـَــازَ الـمَـنـَاعـَــةِ حِـيــنَ يـُقـَـاوِمُ هـَــذا الـبـَــلاءْ !!!
إذا كـُنـْــتَ يـَوْمـَــاً تـَقـَمـَّصْــتَ (يـُوسـُــفَ)
حَـتـَّـى مـَــلأتَ الحَـيَــاةَ صُـرَاخـَــاً و دَمْـعـَــاً و شـَكـْــوى
مـِــنَ الإخـْــوةِ الأقـْرَبـيـــنَ لـِمـَــا أضْـمـَــروا مـِــنْ عَـــدَاءْ …
فـَأولــى بـِــكَ اليـَوْمَ تـَعـْــذرُ غـَيْـــرَكَ
و هــوَ يـَمـُــرُّ بـِنـَفـْــسِ مَـضِـيــقِ الـشـَّقـَــاءْ !!!
أرَاكَ تـُنـَاصِـــرُ إخـْــوَةَ يـُوسـُــفَ …
تـُلـْقـِـــي أخـَــاكَ بـِجـُــبِّ الـبـَلاغـَـــةِ يـَــا أشـْهـَـــرَ الـشـُّعـَـــرَاءْ !!!
وَقـَفـْــتَ عَـلــى نـُقـْطـَـــةٍ لـلحِـيـَــادِ و لـَكـِـــنْ …
وَقـَفـْــتَ عَـلـيْـهـَــا بـِسِـــنِّ الـحـِــذاءْ !!!
•••
أُريـــدُ رَصـيـــداً مِـــنَ ” الـبـِنـْــجِ”
كـَـيْ أتـَمَـكـَّــنَ مـِــنْ فـَهـْــمِ مـَنـْطِــقِ شِـعـْــرِ الـعَـجـَائـِــزْ …!
أُريـــدُ ابـْتِـــذَالَ القـَصِـيـــدَةِ ))
ومنه :
(أُريـــدُ عُـيـُونـَــاً كـَعَـيْـنـَيـْـــكَ …
تـَرْهـَــبُ حَـتـَّــى مُـجَــــرَّدَ ذِكـْـــرِ الـمَـخـَـــارِزْ …!))
واحتجّ عليه مباشرة عندما قال له :
((قـَتـَلـْــتُ أُخـَــيَّ ؟
نـَعـَـــمْ …
بـَعـْــدَ أنْ كـَـادَ يـَقـْطـَــعُ كـُــلَّ جـُـذوعِ الـنـَّخِـيـــلْ ؟
أخــي ذَاكَ بـَــدَّدَ أثـْـــدَاءَ أمـِّــي – الـتـــي أرْضَـعَـتـْـــكَ و كـُنـْــتَ تـَحِـــنُّ لـقـَهْـوَتـِهـَــا – فـي نـَـوادي الـقِـمـَــارِ …
فـَكـَيـْــفَ أُلامُ بـِحَـجْـــري عـَلـيـــهِ و فـيـــهِ جـَمـيـــعُ العـَتـَـــهْ !؟
أخــي ذَاكَ يـَقـْطـَــعُ زَيـْتـُــونَ بـَيـْـــدَرِ أهـلــي
لإنـْشـَـــاءِ مَـلـْعـَـــبِ (جُـولـْـــفٍ) لـَيُـلـهـِــي بـِـــهِ صُـحْـبـَتـَــهْ …!
أخــي ذَاكَ عـَــادَ إلــى الـبَـيـْــتِ بـَعـْــدَ سِـنـيـــن ِ اغـْتـِــرَابٍ
بـِحـَالـَــةِ سُـكـْـــرٍ مـُبـيـــنٍ
ثـَريـَّــاً جَـديـــداً رَمَـــى لأمَـتـَــهْ !
فـَمـَــدَّ يـَدَيـْــهِ إلـــى ثـَــدْيِ أُمـِّــي – وأُمـِّـــكَ –
فـي شـَهـْـــوَةٍ ثـُــمَّ حِـيـــنَ اسْـتـَغـَاثـَــتْ
تـَجَـــرَّأ صَـفـْعـَــاً و رَكـْـــلاً عَـلـَيـْهـَــا …
و حِـيـــنَ اسْـتـَفـَــاقَ رَأيـْنـَــاهُ يـَلـْعـَــنُ أمـِّـــي – وأمـَّـــكَ –
إذْ أفـْسَـــدَتْ لـَيْـلـَتـَـهْ …!
و أنـْــتَ …
تـَلـُــومُ عـَلــيَّ لأنـِّــيَ لــَــمْ أحْـتـَـــرمْ شـَهـْوَتــَـــهْ …!!!))
ومن قصيدته :
(أُريـــدُ تـَعَـلـُّــمَ كـَيـْــفَ يـَصِـيـــرُ الـخـُنـُـــوعُ سَـلـيـقـَــةْ…
أُريـــدُ مَـجَــــازاً يـُؤَشـِّـــرُ عَـكـْــسَ اتـِّجـَـــاهِ الحَـقِـيـقـَــــةْ …!
أُريـــدُ قـَضِـيـبـَــاً مِـــنَ الـشـِّعـْـــر ِأمْـشِـــي عـَلـَيـْـــهِ لِحَـتـْفـِـــي
كـَمَـعـْنــى بـِـــدُونِ الـقـَضِـيـــبِ يـَضِـــلُّ طـَريـقـَـــهْ !))
ومنها :
(تـَوَجَّـعـْــتُ عُـمـْــرَاً بـِضِــرْسٍ تـَسـَــوَّسَ
نـَغـَّــصَ لـَيْـلِـــي و صُـبْـحِــي
و حـيـــنَ تـَخـَلـَّصـْــتُ مـِنـْــهُ
رَأيـْتـُــكَ تـَصْـــرُخُ أنـِّـي مِـثـَـالٌ عَـلــى الـهَـمَـجـِيـَّـــةْ !!!
بـِرَبـِّــكَ – يـَــا مـَــنْ يـُمَـنـْطِــقُ حَـتـَّــى الـجُـنـُـــونَ –
أنـَــا …
أمْ أخـِــي …
بـَــاعَ هـَــذي الـقـَضِـيـَّـــةْ ؟
بـِرَبـِّــكَ – يـَــا مـَــنْ تـَفـَحـَّــمَ مـِــنْ شِـــدَّةِ الـضـَّـــوْءِ – قـُـلْ لــي :
أنـَــا …
أمْ أخِــي …
سَـلـَّـــمَ الـبُـنـْدُقـِيـَّـــةْ ؟))
ثمّ :
(أقـُــولُ بـأنـِّــي رَفـَضـْــتُ (الـسِّـيـنـَاريـُـــو) …
و أنـْــتَ تـَقـُــولُ بـأنـِّـــيَ جـُـــزْءٌ مِـــنَ الـمَـسْـرَحِـيـَّــــةْ !!!)
وختم عبد الرحمان قصيدته بقوله :
(أُريـــدُ أرَاكَ بـِمَـقـْهـَـى صَـغِـيـــرٍ بـِيـَــوْمٍ لـكـَــيْ أتـَجـَاهـَـــلَ أنـَّــكَ فـيـــهِ …
لأنَّ عِـقـَابـَـــكَ عِـنـْـــدِيَ …
تـَــرْكُ الـسَّــــلامْ …!).
مات الشاعر محمود درويش وأبقى على الانقسام الفلسطيني الذي عبّر عن موقفه منه بإدانة حماس والانحياز إلى سلطة أوسلو. وبقي الشاعر عبد الرحمن يوسف نصيرا لفلسطين وللربيع العربيّ ولطوفان الأقصى، يسخّر شعره للمقاومة في وجهيها : مقاومة الطغيان المحلّي ومقاومة الاحتلال الأجنبيّ.
وعند انتصار الثورة السورية سافر عبد الرحمان إلى دمشق وتكلّم من داخل الجامع الأمويّ بما أزعج الطغاة المطبّعين مع المحتلّ. وفي عودته إلى تركيا عبر لبنان اعتقلته السلطات هناك ليحكم القضاءُ اللبنانيُّ عليه بتسليمه لدولة الإمارات العربية المتحدة التي عُرفت قيادتها بدعمها اللا مشروط لدولة الاحتلال ضدّ العرب والفلسطينيين نكاية في حماس ومن ورائها الإخوان المسلمين والإسلام السياسيّ.
لأنّ الشاعر قال كلاما دفعت دولة الأعراب في بعض الجزيرة العربية مالا فشرته الدولة اللبنانية التي يعدّ حزب الله عنصرا رئيسا في حكومتها.. شرته بثمن بخس، رغم احتلال الدولة العبرية لجنوب لبنان. ورغم تصنيف حزب الله إياها عدوّا لم يبد الحزب اعتراضا على بيع الشاعر لدولة أعرابية تقودها عصابة موالية للاحتلال كلّ خصالها أنّ قادتها يقعدون على آبار نفط، ذهب أسود، يدرّ عليهم مالا يعيثون به في أرض العرب فسادا يعبثون في خلق الله الأحرار يبيعون ويشترون.
مات درويش وصارت سلطة رام الله موالية، موالاة عارية، لدولة الاحتلال تطارد المقاومة دفاعا عنها.. تقتل المقاومين أو تسلمهم لجيش العدوّ.. مازالت سلطة رام الله حيث رآها الشاعر الرئيُّ عبد الرحمن يوسف عند صورة :
أخــي ذَاكَ عـَــادَ إلــى الـبَـيـْــتِ بـَعـْــدَ سِـنـيـــن ِ اغـْتـِــرَابٍ
بـِحـَالـَــةِ سُـكـْـــرٍ مـُبـيـــنٍ
ثـَريـَّــاً جَـديـــداً رَمَـــى لأمَـتـَــهْ !
فـَمـَــدَّ يـَدَيـْــهِ إلـــى ثـَــدْيِ أُمـِّــي – وأُمـِّـــكَ –
فـي شـَهـْـــوَةٍ ثـُــمَّ حِـيـــنَ اسْـتـَغـَاثـَــتْ
تـَجَـــرَّأ صَـفـْعـَــاً و رَكـْـــلاً عَـلـَيـْهـَــا …
و حِـيـــنَ اسْـتـَفـَــاقَ رَأيـْنـَــاهُ يـَلـْعـَــنُ أمـِّـــي – وأمـَّـــكَ –
إذْ أفـْسَـــدَتْ لـَيْـلـَتـَـهْ …!
سلطات الاحتلال تقتل المقاومين..
وسلطة رام الله تسلم من بقي منهم حيّا إليها..
وسلطة عيال زايد تشتري أصواتهم ببترولها لتكتمهم.
ولا تزال صرخة عبد الرحمان في وجه نصّ درويش تتردّد :
(لـَـــكَ اللهُ …
خـَفـِّــفْ طـُلـُوعـَـــكَ فـَوْقــي كـَــرَبٍّ يـُحـَــدِّدُ كـُــلَّ اتـِّجـَاهـَــاتِ شِـعـْـــري
إذا مـَــا انـْفـَعَـلـْـــتْ …
لـَـــكَ اللهُ …
جـَفـِّـــفْ دُمـُوعـَـــكَ …
و ابـْـــكِ عَـلــى مـَــنْ بـِيـَــوْم ٍ قـَتـَلـْـــتْ …!
لـَـــكَ اللهُ …
كـَيـْـــفَ تـُطـَالـِـــبُ بالعـَــدْل ِ مِـنـِّـــي …
و أنـْـــتَ بـيـَــوْم ٍ حَـكـَمـْــتَ
و لـَسْـــتُ أرى مـَــنْ يـَقـُــولُ : “عـَـدَلــْــتْ!!!)
كان لا بدّ لحماس من أن تطرد دحلان وعصابته لتنجز طوفان الأقصى في موعده. ولو أنّ غزّة بقيت تحت سلطة أوسلو لما رأيت بها غير حانة كبرى يسوسها جيش الاختلال. ولما كان بها الطوفان.. الذي يأتي معه الربيع حتما.
ملاحظة: لمن قد يغريه التحذلق بالنقد : لست في وارد المقارنة بين الشاعرين. درويش عندي هو بمنزلة متنبّي العصر ولا يكاد يقارَن به شاعرٌ غيرُه.