عبد الرحمان يوسف شاعر الثورة
فتحي الشوك
قد يكون الفرزدق وجرير من أعظم وأشعر الشّعراء، ومن أبرع من طوّعا اللّغة وسبكا الكلمات ونسجا القصائد، وصفا، مدحا وهجاء، غير أنّ علوّ كعبهما، تألّقهما وتفرّدهما لم يمنعهما من السّقوط في خطيئة أغلب الشٌعراء، إذ انخرطوا كغيرهم في مدح وتلميع الطّغاة، ولّاة وأمراء.
قال الفرزدق في الطّاغية السفّاح الحجّاج بن يوسف الثقفي: “وما يأمن الحجّاج والطّير تتّقّي****عقوبته إلا ضعيف العزائم.
فأجابه الحجّاج بأنّ جرير قد قال فيه ما هو أبلغ من ذلك:
“فما يأمن الحجّاج أما عقابه***فمرّ وأمّا عقدة فوثيق.
يسرّ لك الشحناء كلّ منافق***كما كلّ دين عليك شفيق.
كان الفرزدق وجرير يتنافسان في مدح الطّاغية الظّالم وكانا بوقين لتلك السّلطة الغاشمة، يتملّقان ويزيّنان ظلمها وقبحها بصورهم الشعرية الجميلة، وكغالبيّة الشّعراء في عصرهما وعصر ما قبلهما وما بعدهما، امتهنا بيع كلماتهم لمن يدفع لهما، اختارا الطّريق السّهلة الممهّدة، المعبّدة، المقامة على جماجم الضّحايا والمرويّة بدموع ودماء الأبرياء والمستضعفين، وتحاشوا الطّريق الّتي لا يسلكها إلا قلّة، طريق الصّعاب والأشواك والمواجهة والاشتباك، طريق الأحرار الّتي سلكها فيما قبل الشّعراء الصّعاليك، من تمرّدوا على سلطة القبيلة الغاشمة ورفضوا قوانينها الباليّة الظّالمة واصطفّوا الى جانب الفقراء المستضعفين والمظلومين.
طريق تأبّط شرّا وعروة ابن الورد و السّليك ابن السّلكة والشّنفرى صاحب لاميّة العرب الخالدة الّتي تبقى مرجعا للغة العرب ولأخلاقهم في عصر جاهليتهم الأولى والتي افتقدناها في جاهليّتنا المعاصرة.
وهو نفس طريق روبين هود من جعلوه في الغرب أيقونة الشّجاعة والإيثار والبطولة والقيم النّبيلة.
طريق التحرّر ومقاومة الظّلم والاضطهاد. هما طريقان لا ثالث لهما إمّا أن تعيش حرّا صعلوكا أو أن تحيا عبدا مملوكا!
وقد اختار الشّاعر عبد الرحمان يوسف القرضاوي أن يكون حرّا صعلوكا، ألم يقل في قصيدته الّتي زلزلت عروش الطّغاة:
ولست الفرزدق لست جريرالكي يطمع البعض أن اشترى.
أنا شاعر الثّورة…اخترت دربي“يناير”يا مجدنا المشهرا.
وإن كان لي من شبه فإنّي***تأبّط شرّا…أو الشّنفرى.
اختار الشّاعر الثّائر المقاوم طريقه الّتي ارتضى، شعرا، نثرا وسلوكا.
قال في حسني مبارك ما لم يقله أحد وكان في الصّفوف الأولى في ثورة يناير ورغم كونه ابن الدّاعية العلّامة المجدّد يوسف القرضاوي رحمه اللّه فقد نشط مع فريق محمّد البرادعي ثمّ كمستقلّ ولم يركن إلى أيّ سلطة كانت حتّى في فترة الرّئيس الشهيد محمّد مرسي ليغادر مصر بعد الانقلاب ويستقرّ في تركيا ويحصل على الجنسية التّركية.
لاحقته سلطات الانقلاب وطاردته وأصدرت في حقّه حكما بالسّجن لمدّة خمس سنوات وأدرجته في قوائم الإرهاب كما سجنت أخته وزوجها.
الشّاعر، المثقّف العضوي الّذي لا يملك سوى كلماته وقلمه، أزعج الكثيرين وأقرّ مضاجع الكثيرين، فرح لفرحة الشّعب السّوري مثل الكثيرين فزار دمشق مهنّئا ومحذّرا من ألاعيب ومؤامرات الثّورة المضادّة فلم يعجب ما قاله حتّى بعض المنتسبين للثّورة من يرغبون في تصفير المشاكل، لم يخطر بباله أو ببال أحد أن يقع اختطافه في بيروت عاصمة الثّقافة العربيّة سابقا وملجأ المعارضين، ولم يجر بخلد أحد أن تنجح حكومة تصريف أعمال، عاجزة على اتّخاذ قرار يخصّ حاجات شعبها الملحّة، في استصدار قرار مستعجل لتسليم شخص مسالم أعزل لجهة مشبوهة ومتّهمة بارتكاب جرائم التّعذيب لا علاقة لها بذاك الشّخص سوى ما صدر منه من آراء وأشعار فيه مسّ من شعورها.
عار على حكومة المقاولات أن تتصرّف كعصابة وتجري صفقة مع عصابة مهما كان ثمن الصفقة، وعار على حكومات ومخابرات دول ثلاثة أن تتصرّف كعصابة وتستنفر لاصطياد فرد واحد أعزل وجد نفسه يتيما وحيدا بالرّغم من جنسيته التّركية الّتي يحملها إلى جانب تلك المصرية.
عار يضاف إلى أصحاب العار ويلطّخ كذلك هواة التّصفير والأصفار، عار سيذكركم وبذكركم سيفسّر العار والشنّار، وكما قال فيكم شبيه الشّنفرى :”فياكلّ طاغية في علاه***مقامك عندي أن تزدرى.
ما يحصل لعبد الرحمان يوسف القرضاوي، شاعر الثّورة والأحرار عاديّ وطبيعيّ وهي ضريبة من يسلك ذاك المسار، هي نياشين فخر وأوسمة عزّ وهو من اختار طريقه ونعم الاختيار:
أيا سائلي أيّ سيجرىسأمضي لحتفي مستهترا.
أباحوا دمي من قديم الزّمانوما أطفؤوا داخلي مجمرا
د. محمّد فتحي الشوّك