هزيمة إسرائيل ليست مهمة مستحيلة
أبو يعرب المرزوقي
ولأبدأ بالكلام في قد يجعل هزيمة إسرائيل مهمة مستحيلة. فأي دولة تخسر الحرب لعلتين كلتاهما مضاعفة:
مادية هي عجز القدرة الاقتصادية وفقدان الكثافة الديموغرافية.
وروحية هي العجز عن تحمل الموت والعجز عن صبر المطاولة.
وهذه العناصر الأربعة لا تعد من المشاكل التي يمكن أن تعترض النظام الصهيوني:
ففي الأولين لا يوجد عجز ممكن. لأن الحرب لا تكلفها اقتصاديا ولا ديموغرافيا. حماتها من الغرب يمولونها اقتصاديا ويعوضون عديدها بالمتطوعين عقديا وبالمرتزقة فيرد الأمر إلى دور الغرب في مساندتها المطلقة.
وفي الثانيين لا يوجد عجز ممكن لأن الخوف من الموت تعوضه التكنولوجيا ليس في التسليح فحسب بل في حماية المقاتلين والاستغناء عن المطاولة يعوده التقدم التقني الذي ييسر المناجزة.
والجامع بين هذه العناصر الأربعة هو المشكل الذي حلته الصهيونية وعجزت دونه الأمة فلا تستطيع علاج أي من هذه الشروط التي تتوفر لإسرائيل:
وهو تفتت صف المقاومين وخاصة الحرب الأهلية الحاصلة بالفعل أو بالقوة لديه: وتلك هي حال المسلمين عامة والعرب خاصة.
والأدهى بالإضافة إلى الحرب الأهلية الحاصلة في كل محمية عربية أو إسلامية بسبب الفصام بين النخب الحاكمة الشعوب المحكومة هو أنهم منقسمون بين توابع لعدوين بينين في كل تاريخ الأمة منذ نزول القرآن إلى اليوم وهما أهل الإمبراطوريتين اللتين حرر الإسلام منهما البشرية:
الإمبراطورية الفارسية التي تمكنت الأمة من إنهائها بسرعة منذ القعد الأول من نشأة إمبراطورية الإسلام ولذلك فنزعة الانتقام من العرب خاصة ومن المسلمين عامة لم تتوقف عند الفرس قادتهم لا شعوبهم في كل تاريخهم رغم التظاهر بالإسلام.
الإمبراطورية الرومانية التي لم تستطع إنهائها إلا في منتصف القرن الخامس عشر في الخلافة الثالثة (العثمانية بعد إعداد الأموية لشروط إنهائها وعدم مساهمة الخلافة العباسية بدور يذكر).
ولما كانت هذه الإمبراطورية الرومانية قد صارت مسيحية فإن موقف الصليبيين قبل الإصلاح الديني ثم موقف الإصلاحيين بعد عودتهم للتوراة ثم نزعة الاسترداد والاستعمار كل ذلك مكن للصهيونية المسيحية أن تجعل الصهيونية شكلا جديدا من اليهودية تلتقي مع الصفوية شكلا جديدا من التشيع الباطني للتحول إلى حلف ضمني للانتقام من الإمبراطورية الإسلامية.
فكان سايكس بيكو للقضاء على آخر خلافة إسلامية وتفتيت الجغرافيا الإسلامية الذي نصبت عليه عملاء في المحميات لكي تشتت التاريخ الإسلامي وتنكس إلى ما قبله أو تتبنى ما بعده عند المزعومين حداثيين.
وسايكس بيكو “فرشت” لوعد بلفور ومن ثم صار الإقليم بين فكي كماشة: الصفوية والصهيونية منذئذ. ولم يستطع من قبلوا بتفتيت الجغرافيا وتشتيت التاريخ أن يتصدوا لهذه الاستراتيجية التي هم من أجنحتها لأنهم قبلوا بالتفتيت والتشتيت بل والاحتماء بأحد ممثلي هذه الاستراتيجية الغربية التي ظنوا انه يمن التصدي لها:
بالتحالف مع الشرق الذي تغرب أي القطب السوفياتي.
ويحاولون الآن التحالف مع الشرق ثانية الذي تغرب أي القطب الصيني.
فانقسم العرب بين القطبين الأولين في التقاطب السابق بين السوفيات والولايات المتحدة الأمريكية ثم بين القطبين الثانيين الصين وأمريكا ولا معنى للحياد في الحالتين والمزعوم إيجابيا.
وترتب في الحالتين الانقسام العربي بالتبعية لمثليهما في الإقليم لهما فاتبعوهما: بعضهم مع إسرائيل وبعضهم مع ايران.
لكن الفرق بين إسرائيل وايران هو الفرق بين منزلتهما لدى القدبين فالأولى محمية غربية وشرقية مطلقة في حين أن الثانية مجرد أداة في منافسة الشرق للغرب والغرب للشرق. ومعنى ذلك أن الشرق لا يحمي إيران حماية الغرب لإسرائيل.
فلا احد من السوفيات والصينيين يمكن أن يساندها ضد إسرائيل التي يحتاجون إليها في معركتهم ضد لغرب لأنها تلعب على الحبلين وتمدهم بما يحتاجون إليه من ثمرات التقدم الغربي العلمي والتقني والمخابراتي الذي يسعون إليه.
مشكل إيران التي تلعب على الحبلين لم تصل إلى منزلة إسرائيل في السيطرة على القرار الغربي والشرقي في الإقليم.
ولذلك فهي الآن تغازل الغرب لتسترد ما فقدته بالقياس إلى ما كان لها من دور قبل الخمينية تماما كحال تركيا قبل نهاية الاتاتوركية.
وكلا المثالين الإيراني والتركي يعاني من حرب أهلية بين ممثلي النظام السابق على نظامه الحالي أي الشاهنشاهية في ايران والاتاتوركية في تركيا.
وفي الحقيقة فما وصفته بالحرب الأهلية في كل محمية عربية هي من هذا الجنس: بين من يدعون الحداثة والعلمانية ومن يدعون الأصالة والإسلامية.
بعد أن وصفت الوضعية بقدر الاستطاعة يمكن أن أجيب على السؤال: كيف نتغلب على ما يبدو مهمة مستحيلة في التصدي للغزو الغربي سواء كان مباشرا أو بتوسط إسرائيل وإيران؟
المشكل هو في الحقيقة: كيف نتغلب على الحرب الأهلية بين من يدعون الحداثة والعلمانية ومن يدعون الأصالة والإسلامية.
فلا يمكن لأي شعب أن ينتصر في الدفاع ضد الأعداء الآتين من الخارج والانتصار عليهم إذا لم يحسم الحرب الأهلية في الداخل.
فما من أمة صارت قادرة على رعاية ذاتها وحمايتها من دون الحسم في الحرب الأهلية الداخلية:
ولنبدأ بالإسلام: هل كان المسلمون يكونون إمبراطورية لو لم يحسم الصديق حرب الردة التي هي في الحقيقة حرب أهلية بين الإسلام ومسيلمة الكذاب؟
هل كانت أمريكا تصبح إمبراطورية لو لم تحسم الحرب الأهلية في الولايات التي تفتتت ولم تصبح أمة واحدة بفضل الحسم في الحرب الأهلية؟
هل كانت الصين وتركيا وألمانيا وإيطاليا أن تتحدد لتصبح قوة قادرة على رعاية ذاتها وحمايتها من دون حسم الحرب الأهلية لصالح وحدتها التي هي شرط قوتها المادية والروحية.
ذلك هو الحل وقد أبين كيف يكون ذلك رغم أن الأمثلة التي ضربتها كافية لكي يستمد منها كل قارئ الكيفية التي يتحقق بها هذا الهدف وهو ميسور.
لذلك فإني لا أفهم سخف من يريد التوافق مع القائلين بالدولة القطرية التي هي جوهر الحرب الأهلية التي ينتجها الأقليون بالاحتماء بالأعداء في الخارج وبالأنظمة العميلة في الداخل.
شرط جعل المهمة ليست ممكنة فحسب بل واجبة وهي بدأت تتحقق أعني بداية الاستئناف الفعلي بعد تحقق شروط الصمود المنافي كل ما توقعه استراتيجيو الغرب وخاصة هيجل: قال إن الإسلام خرج من التاريخ وعاد إلى الكسل والإخلاد إلى الملذات البهيمية الشرقية.
لكن قرنين كانا بعده كانا كافيين لتكذيبه: فلا الإسلام حدث له ما حدث للمسيحية ولا العربية حدث لها ما حدث للاتينية ولا خاصة الديموغرافيا تضاءلت كما حصل للشعوب التي خضعت للاستعمار والمقاومة توقف للحظة منذ التصدي لحروب الاسترداد.
والنتيجة اليوم لم يبق من العملاء وأدعياء التحديث المستبد والعلمانية والقطرية والعرقية في دار الإسلام إلا عند قلة من المستلبين الذين لا وزن لهم إلا ما يستمدونه من العمالة والنذالة.
وإذن فالأعداء بمواصلتهم الحرب على الإسلام صاروا مهمازا لجياده من الأبطال الذي يمكن اعتبار الطوفان باكورته بعد نهاية حكام المحميات العربية التي عجزت دون إيقاف الربيع الذي تحالف العالم كله معهم لإيقافه ففشلوا وفشلت إسرائيل وايران في إيقافه.
حيثما وجد من الجزائر وتونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن والسودان وحتى العراق وخاصة بعد أن صارت إيران فيه تترجى عطف الولايات المتحدة على لسان رئيس جمهوريتها وإمامها الأعلى.