الشخصية القاعدية التونسية ؟!
عبد الرزاق الحاج مسعود
“من الخصائص الكبرى للشخصية القاعدية التونسية، أنها طيّعة ومتقلبة منذ العهد الروماني والبيزنطي…”
هذه جملة مقتطفة من فقرة من كتاب أستاذ علم الاجتماع المنصف وناس “الشخصية التونسية: محاولة في فهم الشخصية العربية”. فقرة يجري تداولها بكثافة في الفايسبوك الذي يكاد يصبح منصة لنشر الشعوذة.
معناها أني أنا وأنت ووالديّا ووالديك طيّعون ومتقلبون من وقت الرومان والبيزنطيين حتى لتوّ…!
كلام لا معنى له ببساطة.
الأنثروبولوجيا الثقافية وعلم النفس الاجتماعي مبحثان متفاعلان من مباحث” علوم الإنسان”. الأول يرصد صيرورة المجتمعات من خلال سلوكها التاريخي البعيد والمتراكم. والثاني يرصد بنية “اللاوعي الجمعي” التي تتجاوز في قوتها المُثُل الأخلاقية والدينية والقيم العقلانية التي تتداولها هذه المجتمعات، وتتحكم في البنى الذهنية لأفراد تلك المجتمعات.
ولكنهما مبحثان محفوفان بمخاطر الانزلاق السهل إلى “التخريف السوسيولوجي”، أي إلى شعبنة العلم. وهو ما وقع فيه الهادي التيمومي مثلا، الذي ينطلق من أمثلة شعبية لرسم ملامح “الشخصية التونسية”. والحال أن الأمثلة الشعبية ليست أكثر من صيغ لغوية أدبية/شعرية مكثفة لتجارب حياتية، لفرد أو عائلة أو جماعة، لا يمكن تحميلها طاقات تفسيرية عابرة للأزمان لسلوك فردي أو جماعي، فما بالك بتحويلها إلى منهج علمي نحدد به “طبيعة المجتمع”.
لذلك من الهراء أن نفسّر سلوك التونسي اليوم بسلوك المواطن الروماني والبيزنطي اللذيْن مرّ على اندثارهما من تونس أكثر من 1500 عام. وإن كان ولا بدّ، تعالما، فمن حقنا أن نتساءل لماذا لم نصبح كالأوروبيين اليوم والحال أننا مثلهم أحفاد الرومان والبيزنطيين اللذيْن استمر حكمهم لتونس قرابة الألف عام؟!!
تدقيق تاريخي: الوندال حكمونا قرابة 100 عام بين فترتيْ الرومان والبيزنطيين، والأستاذ وناس قفز عليهم ولم يذكرهم للأسف! زعمة الوندال اللي هوما قبائل إسكندنافية ما خلّوش حتى تفتوفة تأثير صغرونة في شخصيتنا التونسية المحلولة على مصراعيها؟
كان هكاك رانا تو كيف إخوتنا الوندال متاع السويد والنرويج والدانمارك اللي يقلّك…
خسارة.. وتبا.
تعليق الدكتور أبو يعرب المرزوقي
أستاذ عبد الرزاق ملاحظاتك دقيقة وعميقة. وهي فعلا تنهي توظيف العلم من دون شروطه ما يعني أن حصوله دال على دواعيه التوظيفية اكثر من دلالته على متانته العلمية وصحته التاريخية.
وفي هذه الحالة فتونس الحالية لم يسبق لها أن كانت ما هي لا جغرافيا ولا تاريخيا ولا ديموغرافيا ولا ثقافيا ومن ثم فالكلام على شخصية خاصة بها -على اقتراض الشخصية قابلة للتطبيق على ما يتجاوز الفرد- لا يؤيدها أي علم من العلوم التي أشرت إليها.
لكن لا افهم تتبيبك خاتمة لتعليقك. فنفي ذلك لا يعني نفي ملاحظة مفعول التراكم الحضاري في شبه توحيد أنثروبولوجي يتجاوز الحدود السياسية المتغيرة فتتكون حضارات حتى وإن يتعسر بيان ما تتفرد به فإنه يمكن بيان ما تختلف به عن أجوارها من صفات تتعين في التراث وحوامله وخاصة المادي والرمزي منها واهمها اللغة والمعالم والأعلام الممثلة لقيم معينة مثل البطولة في التاريخ والإبداع في العلم والأدب لخ… وهي مشتركات تعرف بها الحضارة ويعرف بها الفرد والجمعة الكلية او الجزئية نفسها وهو تقريبا المعنى العام للهويات الحضارية. وفي الغالب يكون الكيف الممثل لهذا التفرد هو المرحلة الحضارية التي غلبت على الزيج المتوالي في التاريخ. لذلك فيمكن أن نجد مشتركات على الحدود التي يفرضها التغير السياسي ما يثبت تجاوز الهويات المؤثرة فبين جنوب تونس وليبيا وبين غرب تونس والجزائر جغرافيا وبين جنوب تونس والصعيد المصري قرابات “حضارية” وانثروبولوجية لا ينكرها أي باحث.
التونسي في الجنوب -وانا منه- اقرب إلى ليبيا منه إلى شمال تونس مثلا وذلك في العادات واللغة وحتى في المزاج والسلوك. والمعلوم أن وناس كان من طلبتي في الثانوي وحتى في الجامعة وهو ذكي ورسالته حول ليبيا وكان من المفروض ألا يسهو عن ذلك. لكن ربما لحسابات جنيسية للمؤرخ الذي ذكرته كتب ما كتب وليس بدافع علمي والله اعلم.