مقالات

في محاورة خالد الكريشي هل كتاب “محنة الإسلام السياسي…” للبحري العرفاوي مؤلف جماعي

عبد السلام الككلي

هذا النص هو اولا ذو طابع تقني لانه يتعرض الى التصنيف القانوني للاعمال غير الفردية من خلال الفصل 5 من القانون عدد 36 لسنة 1994 مؤرخ في 24 فيفري 1994 يتعلق بالملكية الأدبية والفنية.. ومن ثم الى تصنيف كتاب “محنة الاسلام السياسي” للبحري العرفاوي يخلاف تصنيف خالد الكريشي الذي لا علاقة له بطبيعة التصنيفات القانونية او الاكاديمية للاعمال غير الفردية وهو ثانيا سياسي ايضا و يرد على راي يسود هذه الايام وتحده عند خالد الكريشي فحواه انك اذا لم تقبل بالرواية السخيفة لل “عشرية السوداء” او اذا لم تنخرط في مباركة الانقلاب على الدستور فانت نهضاوي او تخدم اغراض النهضة بشكل مباشر او غير مباشر.

محنة الإسلام السياسي
محنة الإسلام السياسي

النص
في محاورة خالد الكريشي
هل كتاب “محنة الإسلام السياسي …” للبحري العرفاوي مؤلف جماعي

اعتبر الأستاذ خالد الكريشي في مقاله “محنة ام منحة ؟” المنشور بالشارع المغاربي يوم 11 جوان 2024 ان كتاب البحري العرفاوي تونس محنة الإسلام السياسي أو هل كانت عشرية حمراء ؟ مؤلف جماعي لاحتوائه في صفحاته الأخيرة على أربعة نصوص وهي للعجمي الوريمي ولزهر العكرمي وراشد الغنوشي ونص لي شخصيا بعنوان “كيف استطاع قيس سعيد ان ينفذ مشروعه السياسي دون أية مقاومة تذكر؟… ونشر اصليا بموقع “اسطرلاب” في 7 افريل 2024. وعلى هذا الأساس يرى الكريشي انه كان على العرفاوي “تنبيه القارئ لذلك والتنصيص على غلاف الكتاب بأنه مؤلف جماعي مع ذكر اسماء أصحاب النصوص الأربع (هكذا) الأخرى”.

كما اعتبر خالد الكريشي في ورقته ان كل هذه المقالات الاربعة “تصب كلها لصالح مقاربة نص الكاتب الرئيسي تؤيدها ولا تعارضها”.
ونريد هنا ان نوضح مسألتين تتعلقان الاولى بمفهوم “المؤلف الجماعي” والثانية بصلة نصنا بأغراض كتاب “محنة الإسلام السياسي”.

1. هل كناب “محنة الإسلام السياسي…” “مؤلف جماعي” ؟

لنتجنب التعريفات التي قد تثير نقاشا او جدلا سنعتمد التعريف الأكثر دقة وموضوعية في نظرنا وهو التعريف القانوني
فما هو المؤلف الجماعي ؟
يرجع القانون التونسي المتعلق بالملكية الأدبية والفنية الاعمال غير الفردية الى ثلاثة أنواع:

أ. المصنف المشترك

يعتبر المصنف عملاً مشتركاً “اذا اشترك في إبرازه شخصان أو عدة أشخاص وتعذر بيان نصيب كل منهم في المشروع. وتكون حقوق المؤلف فيه ملكاً مشتركاً لهؤلاء الأشخاص”.

ونذكر هنا على سبيل المثال كتاب “مدخل الى نظرية الرواية” لسمير المرزوقي وجميل شكر وهو كتاب ذو طابع تعليمي وكان موجها خصيصا لطلبة الاداب.

مع العلم انه يمكن ان يكون المؤلف المشترك من انتاج كتاب بأسمائهم الحقيقية او باسم مستعار يعود لشخصين او اكثر ومن هذه المؤلفات نذكر مثلا مؤلفات محمود حسين وهو اسم مستعار لكاتبين مصريين معارضين ماركسيين يعيشان في فرنسا وهما عادل رأفت وبهجت النادي وقد لقي انتاجهما الفكري رواجا منقطع النظير في فرنسا والعالم العربي في الأوساط اليسارية خاصة.

ب. المصنف المركب 

ويعتبر المصنف عملاً مركباً إذا اقحم فيه مصنف سبقه بدون مشاركة صاحب المصنف الأول، وتكون حقوق المؤلف فيه ملكاً لمن قام بالتأليف الثاني مع مراعاة حق صاحب المصنف الأول الذي أدرج في العمل المركب.

ويمكن ان نذكر كأحد أصناف الاعمال المركبة كل الاعمال ذات الطابع البيداغوجي والمدرسي والذي يعمد فيها صاحب المصنف الثاني سواء كان ذاتا طبيعية او معنوية الى اقحام نصوص في شكل ملحق ضمن العمل ويحتوي هذا الملحق على نصوص مختارة لها صلة بموضوع الكتاب ونذكر هنا على سبيل المثال المؤلف الشهير لعبد المجيد الشرفي “الإسلام والحداثة” فقد اقحم الشرفي في مؤلفه نصوصا مختارة لمحمد اركون وحسن حنفي وعبد العزيز جاويش ومحد عابد الجابري وعبد الرحمان الكواكبي وفرج بن رمضان.

ج. العمل الجماعي

يعتبر المصنف عملاً جماعياً اذا برز لحيز الوجود بسعي من شخص أو من ذات معنوية تتولى نشره تحت إدارتها وباسمها وكانت مشاركة مختلف المؤلفين الذين ساههوا فيه بنصوصهم مندمجة في جملة ما يهدف إليه بدون أن يمكن إسناد حق منفصل لكل منهم في جملة ما تم إنجازه وترجع حقوق المؤلف إلى الشخص أو الذات المعنوية التي أذنت بإنجازه وتولت نشره ما لم يقع التنصيص على خلاف ذلك ضمن عقد مكتوب.

ويدخل في هذا المجال على مستوى البحث العلمي خاصة اعمال الندوات العلمية التي تتمحور حول موضوع او قضية مشتركة ويساهم في هذا المؤلف الباحثون الذين قدموا مداخلاتهم ويعود حقوق التأليف للشخص او الجهة التي اذنت بإنجازه مثل ان يكون مركز بحث او كلية او معهد او استاذ مشرف اما المشاركون فقد تدفع لهم مكافاة على مشاركتهم كما يدخل في هذا المجال الاعمال التي تهدى لباحث او عالم سواء لتكريمه في حياته او بعد وفاته وتكون عادة حول مساهمة هذا الرجل في المجال العلمي وهو ما يعرف في الاوساط الاكاديمية باسم Mélanges.

وقد تظهر المصنفات الجماعية في صور كثيرة منها مثلا الدوريات والمعاجم ودوائر المعارف، ونلاحظ هنا أن كل واحد من المؤلفين في هذا المصنف الجماعي يهتم بموضوعه دون أن يكون بين مجموع المؤلفين المشتركين في عمل المصنف الجماعي أي تبادل في الأفكار.

وقد عالج المشرع المصري أيضا موضوع المصنفات الجماعية حيث نص على ان المصنف الجماعي هو المصنف الذي يشترك في وضعه جماعة بتوجيه من شخص طبيعي أو اعتباري بحيث لا يمكن فصل عمل كل من المشتركين فيه وتمييزه على حده. ويعتبر الشخص الاعتباري الذي وجه ابتكار هذا المصنف ونظمه مؤلفا ويكون له وحده الحق في مباشرة حقوق المؤلف.

ومن الواضح ان عمل الأستاذ البحري العرفاوي لا يدخل باي شكل من الاشكال ضمن الصنف الأول وهو العمل المشترك اذ يتعذر في هذا الصنف تحديد نصيب كل كاتب. وتكون حقوق المؤلف فيه ملكاً مشتركاً لهؤلاء الأشخاص.

كما انه لا يدخل في ما يسمى بالمؤلفات الجماعية كما يعتقد خالد الكريشي وفقا للتعريف القانوي اذ عادة ما يكون المصنف الجماعي باتفاق المشاركين وبتوجيه شخص طبيعي او معنوي ليس له منه غير اعداده ونشره وادارته من اشهار وتوزيع وتدرج أسماء المؤلفين في غلاف المصنف.

بقي النوع الثالث وهو العمل المركب فهل يمكن ان ندرج الكتاب ضمن النوع الثالث ؟

بالنظر الى التعريف القانوني للعمل المركب يمكن اعتبار كتاب العرفاوي عملا مركبا اذ انه يحتوي مجموعة نصوص بقطع النظر عن حجم هذه النصوص. غير ان اعتبار العمل مركبا لا يفرض على الكاتب أي إشارة في غلاف الكتاب الى النصوص المختارة اذا لم يطالبه كتاب النصوص بذلك وبالرجوع الى مثالنا فان عبد المجيد الشرفي لم يشر في غلاف كتابه الى المفكرين الذين ادرج نصوصهم في ملحق الكتاب ولم يطالبه أحد على حد علمي بذلك اذ ان اعتماد الملاحق المحتوية لمجموعة من النصوص هي ممارسة دارجة ولها صلة عموما بالمصنفات ذات الطابع التعليمي كما ذكرنا مع العلم ان كتاب الشرفي “الإسلام والحداثة” هو في الأصل دروس القاها الأستاذ في معهد التكوين المستمر.

2. صلة نصنا بكتاب “محنة الإسلام السياسي” ؟

يعتبر خالد الكريشي في مقاله ان كل النصوص المختارة ومنها نصنا “تصب كلها لصالح مقاربة نص الكاتب الرئيسي تؤيدها ولا تعارضها”.

فالعرفاوي يصل في نهاية نصه لتبني مقولة حركة النهضة / الضحية طبقا لعلم الضحية La victimologie وفق فقه الاجرام الحديث وهو القدرة على تحويل الفاعل / المجرم الى ضحية ظروف وعوامل داخلية وخارجية احدثتها الضحية نفسها (ليس من مقاصد هذا المقال مناقشة هذا الحكم الذي يحتاج الى كلام خاص).

واذا سلمنا جدلا ان هدف العرفاوي من كتابه هو تحويل حركة النهضة من مجرم الى ضحية فإن النص الذي كتبناه لا صلة له بهذا الغرض اذ انه يتعلق في مجمله بما حدث بعد 25 جويلية 2021 وليس قبلها هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فقد كان النص يهدف أساسا الى الدعوة الى النظر في كل احداث الثورة وما الت اليه باعتبارها فشلا جماعيا ولم استثن النهضة من ذلك بل اكدت مثلا ان من أسباب نجاح قيس سعيد في مشروعه غياب محكمة دستورية كان يمكن ان تصدر رأيها في دستورية أو عدم دستورية القرارات التي اتخذها قبل 25 جويلية وفي تلك الليلة وما بعدها وقد ذكرت ان هذا الامر تتحمل مسؤوليته كل الاحزاب السياسية الممثلة في البرلمان ومنها حركة النهضة والتي لم تنتبه الى خطورة الامر الا مع وفاة الباجي قائد السبسي وعدم وجود مؤسسة دستورية لمعاينة الشغور النهائي وحين أفاقت من غفوتها وحاولت الخروج من مازق انتخاب الاعضاء بالثلثين وجدت قيس سعيد يتربص لها في زاوية انتهاء الآجال فافشل محاولاتها حين رفض ختم تعديل قانون المحكمة الدستورية كما اكدت على الدور الذي لعبه البرلمان في خراب الثورة حين تحول المجلس النيابي الى حلبة صراع وشوه لدى عامة الناس صورة السلطة التشريعية ودفع كثيرا من التونسيين الى الوقوع في فخ المطالبة بحل المجلس.

كما ركزت على فشل كل الحكومات المتعاقبة التي كانت النهضة طرفا فيها وربما فاعلا أساسيا في توجيهها في تحويل الديمقراطية إلى مكاسب اجتماعية يستفيد منها عموم الشعب مما جعلها اقرب إلى الرفاه والديكور الأجوف الخالي من أية منفعة في كثير من الأحيان وفي اعتقاد كثير من التونسيين غير المعنيين عموما بمنافع الديمقراطية لعدم ارتباطها بحاجاتهم المعيشية.

في خلاصة كانت البلاد في تصورنا ضحية صراعات حزبية وسياسية جعلت من الحكومات تتساقط تحت معول الحسابات السياسية وعقلية الغنيمة مما عطل عمل اجهزة الدولة هذا هو راينا فأين وجد الكريشي تبرئة للنهضة في كل ما قلناه او حديثا يخدم غرض العرفاوي كما يراه الكريشي الا اذا كان الأستاذ يجعل من الانخراط في رواية “العشرية السوداء” او في مباركة الانقلاب على الدستور بدعوى الاستجابة لمطالب الشعب شرط تمايز مع خطاب حركة النهضة لابد منه والا صرت نهضاويا او تخدم أغراض النهضة او تأشيرة قبول ورضى في عالمه الحزبي والسياسي الذي ليس هذا مجال الحديث عنه !

على أننا نؤكد في الأخير على مسألة تناولناها في كثير من مقالاتنا وهو ميل جل الأحزاب والمنظمات الوطنية الى عدم تحمل نصيبها من المسؤولية عن العشرية الماضية والتي يسميها البعض سوداء ويسميها العرفوي حمراء فهي تلقي المسؤولية على النهضة وحدها. ان هذا الميل هو مجرد تحلل من المسؤولية السياسية والأخلاقية عما حدث وهو ما يجعل تقييم مرحلة ما بعد الثورة امرا عسيرا والذهاب الى حوار يجمع كل الطيف السياسي بلا اقصاء لاي طرف شبه مستحيل في الظرف الراهن كما ان اتفاقها جزئيا او كليا حول برنامج سياسي موحد ومن ثم الى مرشح توافقي عنها في الانتخابات الرئاسية القادمة يبدو امرا اشبه بالحلم الجميل وسط مناخ من الكوابيس المفزعة.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock