تدوينات تونسية

المقدّس العلماني

سامي براهم 

العلماني الذي يستنكر تقبيل الحجر الأسود أو غير ذلك من شعائر الحجّ ويعتبرها سلوكات وثنيّة متخلّفة هو نفسه من يرى بعين الإكبار تقبيل العلم الوطني وهو قطعة قماش ورتّب عن الإساءة إليه ولو بالقول أحكاما تصل حدّ الإعدام… وهو نفسه من ينتظر بشوق ونشوة وحماس في كلّ مباريات رياضيّة لحظة تقبيل كأس البطولة من طرف أعضاء منتخبه الوطني أو ناديه المفضّل… وغيرها من المراسم التي تنشئها الدّول الحديثة في مختلف المناسبات بقوانين صارمة…

العلماني
العلماني

العلماني الذي يأنف من شعائر الحجّ هو نفسه من صنع مواسم احتفالية لا تخلو من سلوكات استعاديّة استذكارية ترتقي إلى مستوى القداسة… فيضع أكاليل الزهور فوق النصب التّذكارية وقبور الشخصيات الاعتباريّة وعلى أعتاب المجسّمات والتّماثيل والجداريّات…

وهو نفسه الذي ويضع بروتوكولات صارمة مقنّنة بعضها متوارث لإحياء ذكريات وقائع تاريخيّة تعبر عن الضمير العامّ مصحوبة بحضور مشهدي تُسْتَدعي له الشخصيات العالمية وتُحنًى فيه الرؤوس والهامات بخشوع تكريما لرموزه وشعاراته وشعائره…

فكيف يجيز العلماني لنفسه ما ينكره على أهل الأديان ؟

رجم الشيطان

هو ليس رجما لذات الشيطان المتعيّن بل سلوك رمزي اعتباري “حصيّات صغيرة” وهو موجود في كل الثقافات حتى الحديثة منها…

من لديه طاقة ذهنية ونفسية على التجريد من ممارسي هذه الشعيرة سيستحضر هذا البعد الرمزي القيمي وسيرى في الرجم المادي تعبيرا عن الرجم الروحي الداخلي والسلوكي العملي للشيطان الكامن فينا والمتربص بنا سواء كان الشيطان بمعناه الديني الحرفي أو باعتباره رمزا لنزعة الشرّ والغرائزية التي تسكننا…

قد لا يصل هذا المعنى العميق لكلّ ممارسي الشعائر لتفاوتهم في القدرة على التجريد وقد يسقط بعضهم دون وعي وقصد في ضرب من السلوك الوثني، لكن المعنى الروحي للمناسك هو الأساس وهذه الشعيرة ومكان أدائها موجودان منذ بداية الإسلام إحياء لسنة إبراهيمية… يعني قبل الدولة الحديثة وإجراءاتها في تحسين المشعر وإعادة تهيئته لتسهيل أداء هذه الشعيرة…

خلاصة القول أنّ الإنسان مؤمنا كان أو ملحدا كائن رامز يعبّر عن ضميره من خلال سلوكات حسيّة غير مقصودة لذاتها بل لما تنطوي عليه من معان وقيم.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock