خدعة الدولة العربية
نور الدين الغيلوفي
1. تخيّلوا لو أنّ دولة عربية من بين هذه الدول المستقلّة التي لها جيوش وأجهزة أمنيّة تعرف عن مواطنيها سرّهم قبل جهرهم، تخيّلوا لو أنّ قوّة أجنبيّة غزتها واحتلّتها مثلما فعلت العصابات الصهيونية بفلسطين، فهل يحرّرها جيشها؟
2. الأرجح عندي أنّ التحرير لن يكون عن طريق الدولة ولا عن طريق مؤسّساتها الحاملة للسلاح، وستحتاج إلى مقاومة من خارج تلك المؤسسات لتقود حرب التحرير.. ولتنجز التحرير.
3. منظمة التحرير الفلسطينية كانت نشأت لأجل تحرير فلسطين، كلّ فلسطين، غير أنّ الدول العربيّة اخترقتها وأفسدتها وأفقدتها هدف التحرير وانتهت بها إلى سلطة ليست أكثر من جهاز أمنيّ توظّفه دولة الاحتلال. وتحوّل رئيس السلطة إلى عدوّ ظاهر لكلّ نفَس فلسطينيّ مقاوم، وإلّا من كان يظنّ، مجرّد ظنّ، أن تتحوّل حركة فتح إلى جهاز أمنيّ تأجُره دولة العدوّ لقاء وقايتها؟
4. لو أنّ في مصر قوّة مقاومة مفكوكة عن الدولة لحرّرت شبه جزيرة سيناء تحريرا كاملا ولما احتاجت الدولة المصريةّ إلى معاهدة سلام مذلّة لم تمكّن مصر من بسط كامل نفوذها على أرضها التي أُخذت منها بالحرب.
ولو أنّ في سوريا قوّة مقاومة منفصلة عن الدولة لحرّرت مرتفعات الجولان، ولما بقينا نسمع من الدولة السورية عبارة “نحن نعرف كيف نردّ ومتى نردّ” كلّما تحرّش بها جيش العدوّ للاطمئنان على أعطاب مناعتها.. حتّى مرّ كلّ هذا الوقت على الجولان محتلّة.
5. كانت نكبة 1948 وهزيمة 1967 كلتاهما بسبب الدول العربية التي منذ نشأت لم تحرّر أرضا، بل أضاعت الأرض. الدولة المصرية أضاعت سيناء وغزّة، والدولة السورية أضاعت الجولان، وأضاعتا إلى جانبهما جنوب لبنان. ولولا حزب الله لما عاد إلى لبنان شبر من جنوبه المحتلّ. ولولا المقاومة الفلسطينيّة لما انسحب جيش الاحتلال من غزّة التي افتكّها من الجيش المصريّ في حرب 1967.
6. الآن نفهم أنّ الدول العربية، على اختلافها، خادمة للمشروع الامبرياليّ، لذلك ضُربت جميع الثورات العربيّة بدون استثناء. ولو كانت ثورة من تلك الثورات تلقى دعما من بعض الدول العظمى لكانت نجت من سطوة الدولة العميقة العائدة بعنف للثأر من الشعب. في هذا الأفق نفهم إنكار الذي أنكر تسمية الوجود الفرنسيّ بتونس بعد سنة 1881 احتلالا واختياره لعبارة الحماية، ونفهم تمثّله، حين سئل عن مطالبة البعض فرنسا بالاعتذار لتونس على زمن الاحتلال، بالمثل الفرنسيّ القائل (من اعتذر فقد اتّهم نفسه).
7. الدول العربية كلّها مناطق معتمة تسود شعوبا فاقدة لكلّ حول وقوّة. وكلّما ضعفت الدولة نشأت بقعة ضوء. وبقاع الضوء في الأمّة محدودة معدودة، لذلك نرى بعضها يسند بعضا كما تفعل حركة حماس في غزّة وكما تفعل جماعة الحوثيّ في اليمن وكما يفعل حزب الله في لبنان وكما تفعل المقاومة في العراق. في الأثناء لا تصنع الدول “الممانعة” شيئا غير تفجير البراميل على الشعب الأعزل المطالب بحريته تفعل به، بالضبط، ما يفعله جيش العدوّ بسكّان غزّة.