حين تنهك إعلام بلادك
كمال الشارني
فيما كان الحجاج التونسيون يموتون في ظروف صعبة الواحد تلو الآخر ويتيهون بالعشرات، كانت وسائل الإعلام التونسية تنفق 80 بالمئة من وقتها في بيع الطناجر ومواد التجميل وبرامج السخافة، الباقي في “إغراق السمكة” والنقاش حول تأثير هشم أنف مبابي متاع الكرة في فرنسا مثلا على مستقبل العالم.
الإعلام حاجة ضرورية خصوصا في الأزمات حين الحاجة إلى طرح الأسئلة الحقيقية، الطبيعة تأبى الفراغ، لذلك عندما تنهك إعلام بلادك فسوف يتولى آخرون إعلامك بما لديهم من أهداف ونوايا، كنت أتخيل نيوز بار في مختلف وسائل الإعلام خصوصا العمومية حول تطورات الوضع، حتى اعتمادا على وكالات الأنباء حين تعذرت تصريحات رسمية.
فضاؤنا لم يعد يسمح بكبار الصحفيين القادرين على إعطاء معنى لما يحدث ولا حتى بمهنة الصحافة في حد ذاتها أو دعوة كبار المسؤولين للحديث وتحمل المسؤولية، الأسهل هو التهريج والفوضى السلوكية، من المسؤول عن هلاك الحجيج؟
قديما في زمن نظام بن علي، كان ثمة اتفاق غير رسمي على “استضافة” بضعة عشرات من الصحفيين الموالين بمعرفة وزارة الداخلية لمرافقة الحجيج، لكنه النموذج الأسوأ، بما أن إكرام الفم يجعل العين تستحي عن العيوب، لكن أن يصل الأمر إلى تيه العشرات وموت العشرات أيضا، فهي مأساة عمومية، تخلى عنها الإعلام التونسي وتولتها وسائل إعلام أجنبية، الكثير من صحفيينا يعيشون تحت مشاعر التوجس وتوقع السجن، لا أحد يعرف من أين قد تأتي الضربة، من موقف لم تقصد فيه سوى المصلحة العامة حيث العاقل من اتعظ بغيره، فاش قام أنا أطرح أسئلة عن المسؤولية في هلاك الحجيج؟
بخصوص مسألة الحجيج التونسيين: اتصاليا، نحن في حالة “فوات الأوان” بعد أن تولت وسائل التواصل الاجتماعي الأمر لغياب أية معلومة رسمية من مؤسسات الدولة فيما كان الناس يحترقون بنار الغموض والخوف على مصائر مواطنيهم، جاء الرد متأخرا جدا وخرج الأمر من يد الدولة وأصبحت الحقيقة الأكثر رسوخا هي ما يتداوله الناس هنا، سواء بدقة ووضوح أو بغموض وفوضى أو حتى بسوء نية.
عمليا، السؤال الأصلي هو: هل قامت مؤسسات الدولة بواجبها في حماية مواطنيها وتفادي هلاكهم؟ هل ثمة من يقدر الآن في هذه الظروف على تقديم الجواب على هذا السؤال؟