الصيف في سجن تونسي.. أفضل منه الموت
عبد الرزاق الحاج مسعود
حين تكون محشورا في غرفة سجن.. تتنفّس هواءً قليلا.. يمرّ من نافذتين أو ثلاث بعرض وارتفاع خمسين سنتيمترا معلقة في أعلى الغرفة، مع مئات المساجين المدخّنين جميعا تقريبا (في 9 أفريل كنت في غرفة تحوي بين 130 و180 سجينا، وبجوارنا غرفة تحوي قريبا من 300 سجينا)، في درجة حرارة لا تنزل تحت الأربعين درجة نهارا وليلا، ويكون عليك أن تقضي النهار تتلبّط في عرقك الذي من المستحيل أن يكفّ.. وتشمّ كامل اليوم روائح صنان ذكور في عز شبابهم،
ثم أن تقف في طابور الماء من العاشرة ليلا إلى الفجر لتملأ بيدون ماء بوخمسة أو عشرة ليترات على الأكثر وأحيانا قارورة فقط لأن الماء مقطوع عشرين ساعة في اليوم أغلب أيام الصيف، وأن تتحمل الانتظار والعراك والعنف أحيانا،
وأن لا تفكّر في الذهاب بعد منتصف الليل إلى المرحاض الوحيد الذي يستعمله مئات المساجين لأن الطريق الوحيد إليه يمرّ بين صفّي أسرّة المساجين النائمين مرصوصين (يتم لصق السريرين بطابقين وينام أربعة في كل طابق) وفوق كدس النائمين على الأرض، فإن أنت حاولت تجنّب دوس يد أو شعر أو قدم سجين كدس، وتعلّقت وأنت تتشعبط كقرد بسرير فخضضته وأيقظت صاحبه.. شامت الليلة، وإن أنت دست أحد بؤساء الكدس شامت الليلة أيضا، وإن أنت انتظرت الصباح سيكون عليك الاصطفاف في طابور المرحاض وقد لا يصل دورك إلا بعد فيضانه وخروجه عن الخدمة…
حينها.. تشعر أنك مهان في العظم.. وأنك مجرّد من كل كرامة.. وأن الموت جائزة لا ينالها إلا محظوظ.
أطلقوا سراح سجناء هذا العبث.. تبا.