تدوينات تونسية

“دولة الشعب أم شعب الدّولة”

سامي براهم 

ربطت عدد من الدّراسات ظهور “الإسلام السياسي” بسقوط الخلافة الإسلامية وحلم استعادتها، وربطه آخرون بسياسة التغريب وصراع الهوية بعد قيام الدّولة الوطنية الحديثة… وربطه خصوم هذا التيّار بسرديات تآمرية واهية…

بينما الحقيقة الموضوعية أنّ الإسلام سياسي منذ نشأته وأنّ كلّ المعارك التي خاضها حتى تلك المتلبسة بالروحي والعقدي إنّما تتنزل ضمن حسن تدبير الشّأن العامّ…

لذا فجميع حركات الإسلام السياسي متجذرة في تربتها الثقافية وأصولها التاريخية… لكن التمايز بينها في مدى استيعابها لتحديات عصرها وقدرتها المعرفية والعملية على جعل قيم الإسلام وأحكامه وتصوراته وتصرفاته مستجيبة لمستجدات الواقع غير معطلة لها من داخل طاقتها على التجدّد ضمن جدلية الثابت والتحول أو ما جاء به الإسلام وما جاء من أجله…

للمؤتمر العاشر لحركة النهضة سنة 2016
المؤتمر العاشر لحركة النهضة سنة 2016

تدوينة في علاقة بذكرى تأسيس أو حركة إسلامية في تونس لا تزال منذ تأسيسها العلني تكابد ملابسات التأسيس في ظل دولة وطنية قامت على إخراج الإسلام من معادلة السياسة إلّا على نحو وظيفيّ… بينما لا فرق بين إخراجه أو تملّكه فكلاهما تهميش لطاقته على إنتاج المعارف المتجدّدة…

بين التأسيس واللحظة الراهنة رحلة طويلة تخللتها نجاحات وانتكاسات… مواقف رشد وبصيرة ومواقف تعنت وعماء سياسي… ومراكمة لوعي سياسي استقرّ على فكرة الدّيمقراطية رغم ملابسات تنزيلها في الواقع…

تجربة خلفت قوافل من الشهداء وضحايا انتهاكات الدولة التي لا تزال تقاوم بقوّة كلّ محاولات تعديل سرديتها التي قامت عليها “دولنة الدين وتأميمه”… ولم تنفع كلّ التنازلات المسداة للتخفيف من غلواء تلك السردية وتماميّتها وانغلاقها…

كان يمكن أن تكون فكرة الإسلام الدّيمقراطي مخرجا للدولة وللتيار المحافظ العريض في البلد من حالة الإحتراب لكنها ولدت ذرائعية ضعيفة مفرغة من المضامين المعرفية… فضلا عن قطع الطريق عليها وتسفيهها من طرف النخب الوظيفية التي كانت دائما اليد التي تبطش بها الدولة خصومها في التحام موضوعيّ مع سرديتها…

اليوم في ذكرى تأسيسها نعيد بكلّ يقينيّة العين الفاحصة نفس ما رددناه سابقا وما يؤكده الواقع الراهن:

لا ديمقراطية دون إسلاميين ولا إسلاميين دون ديمقراطية

لا ديمقراطية دونهم لأنهم التيار العريض في البلد الذي يعبر عن روحه وثقافته حتى لو أساء التعبير عنها… ولا هم دون ديمقراطية لأنها الفيصل الوحيد بينهم وبين سرديات الجماعة والأحكام السلطانية…

كلّ الوقائع تبيّن أنّه كلّما انكفأ التيار الإسلامي على ذاته وانغلق على مقولاته انحسرت الديمقراطية وظهرت نزعات التطرف… وكلما ضرب وأقصي ونكّل به ضربت الديمقراطية وانهارت الحياة السياسية والمدنية… معادلة صعبة ترتّب مسؤوليات أخلاقية ومعرفية جسيمة على سردية الدولة الوطنية وسردية الإسلام السياسي إذا أريد لهذا البلد أن ينعتق من أغلال الماضي التاريخي والماضي الاستعماري وراهن الاستبداد… من أجل دولة وطنية منغرسة في تربتها الثقافية متصالحة مع شعبها:

دولة الشعب لا شعب الدّولة

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock