العورة مفهوم قيميّ
سامي براهم
العورة في القرآن مفهوم عام لا يتعلق بجسد المرأة والرّجل حصرا بل كذلك بالمكان والزّمان.
هناك أوقات عورة في اليوم حدّدها القرآن:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” النّور 58
واعتبار هذه الأزمنة عورة لأنّ النّاس يهجعون فيها يتخفّفون من لباسهم ومظهرهم الخارجي ويخلدون فيها للسّكينة ويسكنون لشركائهم في الإقامة… وهو نشاط يتمّ في كنف السّتر والحميميّة…
كما وردت عبارة العورة مسندة للمكان:
“وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ” الأحزاب 13
والمكان العورة هو بيوت النّاس ومهاجعهم وكلّ فضاء مغلق يُستتر فيه عن الغير وهو ما يطلق عليه في زماننا بالفضاء الخاصّ أو الحرم “الحرم الجامعي وحرم أي مؤسّسة” أي المحرّم دخوله دون إذن أهله، حتّى عدّت المرأة نفسها حرما للرّجل من باب المجاز…
وعورة الجسد تبعا لذلك هي ما يُسْتَر عن الغير استحياء أو تعفّفا أو منعا للإثارة “إثارة الفضول والألسنة والغرائز”…
ويتّسع مفهوم العورة ليشمل حياة النّاس وأعراضهم وأسرارهم وعيوبهم حيث اعتبر التعدّي عليها من باب كشف العورات وانتهاك الحرمات.
يعني كلّ ذلك أنّ مفهوم العورة يحيل على الجانب الحميمي الخاصّ في حياة النّاس الذي لا يجوز للغير اقتحامه والتكشّف عليه. ويتنزّل ضمن قيم السّتر والحياء والعفّة وهي قيم تشقّ كلّ الأديان والفلسفات الأخلاقيّة التي عملت الفلسفات الماديّة وثورات المنظور الحقوقي الفردانيّة على تجاوزها بالإعلاء من تحرير الجسد “جسدي ملكي” على عكس المنظور الدّيني القائم على “جسدي أمانة”.
ليست الغاية من هذه التّدوينة الدّفاع عن المنظور الدّيني بل فهمه من داخل نسقه عوض إدانته دون استيعاب منطقه الدّاخلي…
يمكّن جهد الفهم من تبيّن أنّ مفهوم العورة ليس خاصّا بجسد المرأة حصرا بل يتنزّل ضمن منظومة قيميّة وتصوّر عامّ يتعلّق بتقسيم الفضاء العامّ والخاصّ ونمط العلاقات والأنشطة والسّلوكات التي تليق بكلّ فضاء من منظور هذه المنظومة القيميّة.