مسلسل فلوجة بين الفلكلور وهتك المستور
سامي براهم
قضايا مسلسل فلوجة بجزئيه الأوّل والثّاني تكشف عن جيل لم يعد للعائلة بتناقضاتها ونمطها التقليدي قدرة على ممارسة الرّقابة عليه… وحتى عند محاولتها ملاحقة الأحداث وترميم صورتها مارست ذلك بأشكال كانت بالغة العنف والقسوة…
عرض المسلسل جيلا متروكا لنوازعه الذاتية يخوص صراعاته الدّاخليّة منفردا ويشقّ طريقه بنفسه ويعيش معاناته دون سند من العائلة… ربّما ينطبق على العائلة في الصّورة التي أراد المسلسل إبرازها المثل الدّارج “فاقد الشيء لا يعطيه” حيث انهارت صورة الأب القدوة والأم التي تحتضن أبناءها والعائلة القائمة على الحوار والمحبّة والثقة المتبادلة…
هناك الكثير من القضايا والرسائل المكرورة وقع حشرها وحشدها بالجملة لكنها طرحت بشكل فلكوريّ دعائي أحيانا أكثر منه فنيّ…
لعلّ أطرف ما في المسلسل تكسيره لصورتين نمطيّتين في الدّراما والسينما التونسية :
الأولى. صورة المتديّن الإرهابي الشرير العنيف المشوّه نفسيّا النّزق الشهواني رغم عداوته للمرأة… كانت صورته في المسلسل كاسرة لكلّ هذه الكليشيات الجاهزة رغم محافظته على سمته الدّيني والتزامه بمعايير الحلال والحرام في سلوكه على امتداد الحلقات… كانت صورة إبراهيم في المسلسل اختراقا فنيا ومضمونيّا للصورة الذهنية السّائدة التي أريد تكريسها في عموم الأعمال الدرامية والسنمائية عن “المتديّنين”…
الثانية. وهي الأطرف حيث وقع تكسير الصورة النمطية للفنانة القديرة نعيمة الجاني التي تلبّست بشخصيّة الخادمة الريفيّة أو الشخصيّة المنطوية والمختلّة المثيرة للسخرية والضحك… جعل منها المسلسل مديرة معهد ثانوي منشغلة بقضايا التلاميذ والمنظومة التعليميّة… ولم يكن تقمّصها للدّور متكلّفا بل كان لائقا بها رغم تلبسها بالصورة آنفة الذّكر
تبقى تجربة الدرامة التونسية في عرض قضايا الواقع بدائيّة وضعيفة مقارنة بالدرامة السورية والمصريّة لا لضعف الموارد أو قلّة المبدعين بل لضعف الالتزام الفني لدى المخرجين وكتاب السيناريو بقضايا الواقع إلّا من منظور الإثارة وجلب الإشهار في غالب الأحيان…
تحتاج الأعمال الدّراميّة من هذا القبيل فضلا عن الجوانب التقنية إلى خلفيّة نظريّة وانفتاح على الباحثين والمتخصصين في معالجة قضايا الواقع من مختلف مداخل العلوم الإنسانيّة… ليكون البناء الدّراميّ متينا ومنسجما ومقنعا بالإضافة إلى الجوانب الفنيّة والإبداعيّة…