مقالات

في الفرق بين المسؤولية الجزائية و المسؤولية السياسية ..

سيف الدين مخلوف

‎الخلط المتعمد بين المسؤولية السياسية والمسؤولية الجزائية تجاوز حقيقة مجرد النقاش النظري وبلغ حد التماهي بين المفهومين، وهذا أمر بلغ من الخطورة مرتبة الفتنة بين الفاعلين السياسيين والإعلاميين وبين أبناء الوطن الواحد ويتطلب حقيقة الحسم والتوضيح وضبط حدود ومدى كل مفهوم بما أمكن من الإيجاز.

‎• المسؤولية الجزائية أساسها دستوري وقانوني، أما المسؤولية السياسية فالأصل فيها أنها فرع عن المسؤولية عن فعل التابع.. ولا يمكن تحميلها في غياب علاقة قانونية بين التابع والمتبوع أو بين الرئيس والمرؤوس.

‎- في المسؤولية الجزائية العقوبة شخصية وترتبط فقط بمن ارتكب الفعل الإجرامي، أما في المسؤولية السياسية فالجزاء يتعدّى الفاعل أو المتهم إلى ما لا حدّ له من الأشخاص الذين لا تشملهم المؤاخذة الجزائية.

‎• المسؤولية الجزائية تقتضي نصا قانونيا سابق الوضع، أما المسؤولية السياسية فلا تتطلب أي تنصيص تشريعي عليها.

‎• في المسؤولية الجزائية المتهم بريء حتى تثبت إدانته، أما في المسؤولية السياسية فالمتهم مدان ولن تثبت براءته.

‎• المسؤولية الجزائية تتحقق بوجود أدلة إدانة ثابتة ويقينية، أما المسؤولية السياسية فيمكن أن تقوم حتى بمجرّد تصريح من كرونيكور مأجور.

‎• المسؤولية الجزائية لا تقوم إلا عبر محاكمة عادلة تضمن فيها كل ضمانات العلنية والمواجهة وحق الدفاع، أما المسؤولية السياسية فتقوم حتى في بلاتو تلفزي أو إذاعي أو حتى في بار الطاوس.

‎• المسؤولية الجزائية تهدف إلى تحقيق العدالة الحقيقية، أما المسؤولية السياسية فتسعى إلى إشباع شهوات وأهواء ورغبات بعض الجهات السياسية بغير الوسائل الديمقراطية.

‎• من يقرر قيام المسؤولية الجزائية قاضٍ له خبرة وتكوين قانوني، أما المسؤولية السياسية فيمكن أن يقررها حتى العامّة والرعاع والمرتزقة.

‎• المسؤولية الجزائية لا تقوم إلا بحكم بات وبعد استيفاء كل درجات التقاضي القانونية، أما المسؤولية السياسية فيمكن أن تقوم حتى بمجرّد رأي قد يعبّر أحيانا عن أهواء وأمراض وأحقاد صاحبه.

‎• ⁠بخلاف ما يروّجه بعض تجار الدم فإن من يخطط ومن يحرّض ومن يموّل ومن يتستّر ومن يسلّح ومن يدرّب ومن يخفي يتحمّلون مسؤولية جزائية مباشرة كفاعلين أصليين أو كمشاركين إذا ما كانت لهم فعلا علاقة بالجريمة ويحالون كمتهمين أصليين في القضية الأصلية ولا تفكك من أجلهم الملفات ولا يحالون في ملفات مستقلة.

‎• في المسؤولية الجزائية العقاب هو الإعدام أو السجن أو الخطيّة، أما في المسؤولية السياسية فالجزاء لا يمكن أن يتجاوز الإقالة أو الاستقالة من المنصب السياسي أو النقلة من المنصب الإداري.

‎• المسؤولية الجزائية تؤسس لدولة القانون الحقيقية، أما المسؤولية السياسية فيمكن أن تفرضها حتى بعض الأقليات الشعبوية.

‎وكمثال للتوضيح أقول.. عون الأمن الذي قتل الشاب المغدور عمر العبيدي رحمه الله يتحمّل مسؤولية جزائية شخصيّة عن جريمته وتتم إحالته ومحاكمته أمام القضاء، أما آمر وحدته ومن فوقه من مديرين وصولا إلى وزير الداخلية المباشر آنذاك فيتحملون مسؤولية سياسية عن سوء تأطير منظوريهم وعدم فرض واجب تفادي استعمال القوة المميتة، وتجب تبعا لذلك إقالتهم أو نقلتهم من مناصبهم تلك، وفي هذا رسالة تضامن مع أولياء وأحباب الضحية رحمه الله.

‎وللتفسير أكثر أختم وأقول.. المسؤولية السياسية مرتبطة وثوقًا بما يرتكبه المرؤوسون، بمعنى أنها لا يمكن أن تقوم كنتيجة لجريمة اقترفتها عصابة من الإرهابيّين والمجرمين حتى وإن كانت بالفظاعة التي تسعى إلى زعزعة الأمن العام أو حتى إلى محاولة قلب نظام الحكم بغير الوسائل الشرعية والديمقراطية.. لذلك لم يحصل أن سمعنا يوما بعاقل طالب بمحاكمة رئيس الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.. ولم نسمع أحدا طالب بمحاكمة رئيس فرنسا ولا رئيس وزراء بريطانيا ولا حتى روسيا رغم تعرضهم في عشرات المناسبات إلى عمليات إرهابية شديدة الفظاعة والدمويّة..

فقط في تونس نطالب بمحاكمة وسجن من يحكم.. فقط.. لأن في عهد حكمه حصلت جرائم قتل إرهابيّة.. ولله في خلقه شؤون.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock