الأمّة الصّائمة و الصّامتة
صالح التيزاوي
يقول الأمريكان وبعض حلفائهم، إنّهم يبحثون إنشاء ميناء بحري في غزّة لإغاثة أهلها من الجوع، هكذا يأتي “فعل الخير” و”صحوة الضّمير”، دونما مقدّمات، يريدون إغاثة أهل غزّة من الجوع “لوجه اللّه ولوجه الإنسانيّة”..
أمْا أمّة الملياري مسلم، فإنّها تلوذ بالصّمت، ولا تفعل شيئا لإطعام أشقّائها “في يوم ذي مسغبة”. تصوم رمضان وتفطر على ما لذّ وطاب وهناك في رقعة صغيرة من الأرض، مليونا مسلم، يستقبلون رمضان تحت القصف والجوع، لا يجدون ما يفطرون عليه، ولا يجدون شربة ماء نظيفة، بلا مأوى، بلا غطاء، تحت جحيم القنابل برّا وبحرا وجوّا… أمّة الملياري مسلم المأمورة بإغاثة الملهوف وبإطعام الطْعام حتّى لمن يخالفها الدّين والعقيدة، صامتة عن إغاثة أشقّاء لها، لا يتجاوز عددهم المليونين، إنّه العجز والوهن والمهانة، لا يرتجي منها حلّ ولا عشر حلّ.
عجيب أمر أمريكا
تعطي أهل فلسطين الموت بيد وتسقط عليهم الطّعام بيد أخرى. تستعمل “الفيتو اللّعين” في وجه كلّ قرار، يدعو لإيقاف المجازر من أجل إطالة أمد الحرب، لكأنّ بينها وبين أهل فلسطين ثأرا قديما، وفي ذات الوقت، تقول إنْها، تبحث إنشاء ميناء بحري لإغاثة أهل غزّة. من يجب أن نصدّق؟ اليد التي ترفع في مجلس الأمن ضدّ قرار وقف الحرب والتي تمدّ الإحتلال بالسّلاح أم اليد التي ترمي من الجوّ بالطّعام بطريقة مزرية ومهينة؟
ماذا وراء الميناء البحري؟
العقل لا يصدّق أنّ أمريكا عجزت عن فرض فتح المعابر، ولا يصدّق أنّها تريد بناء ميناء بحري لإغاثة أهل غزّة، ولا يصدّق أنّ الفكرة أتت على غير إرادة الكيان، أو أنّ تنسيقا، لم يحدث بين الطرفين. لا شكّ أنّ لهما مصلحة في بناء ميناء مكلف، أسهل منه، فتح المعابر، أمْا مسألة الإغاثة، فإنّها تبدو غريبة بعض الشّيء وغير منسجمة مع سلوك الإبادة وتبريره أمام محكمة العدل الدّوليْة. إنّ وراء فكرة الميناء ما وراءها، والحكاية، كما يقول محلّلون، لا تخرج عن أمور ثلاثة:
- حملة علاقات عامّة، داخليّا وخارجيّا، تقوم بها أمريكا لترميم صورتها المتضرّرة بسبب دعمها للإحتلال والعنصرية والإبادة الجماعية.
- البحث عن “كرزاي” جديد، يحلّ محلّ المقاومة في إدارة شؤون غزّة، وإيجاد منفذ لحضور طويل الأمد.
- فتح المجال أمام الغزاويين للهجرة وتشجيعهم على ذلك، وتلك رغبة المحتلّ، تخرجها أمريكا مغلّفة بـ “الإغاثة”.