مقالات

في الذكاء العضوي والذكاء الصناعي ضمائم موجزة

أبو يعرب المرزوقي

عدد الضمائم سيكون بعدد فصول المحاولة. والهدف هو بيان البناء المنطقي الذي يجعل هذه المحاولة مؤسسة على استدلال لا يقبل الدحض لأنه يكتفي بالاستناد المؤسس على تغيير وجهة قراءة القرآن من حيث هو سبابة وجودية إلى قراءة ما تشير إليه السبابة أي المعادلة الوجودية التي هي مضمون الرسالة الخاتمة التي حرفت ففهمت بالمقلوب حتى صار يصدق عليها المثل الصيني: بدلا من رؤية تشير إليه السبابة (فصلت 53) تعلقت علوم الملة بالنظر في السبابة (التأويل وسابعة آل عمران).

وذلك هو هدف التفسير الفلسفي للقرآن الذي يستمد كل أدلته في الرسالة من المشار إليه وليس من الإشارة. والتفسير الفلسفي يبين أنه استراتيجية توحيد الإنسانية في إطار توحيد ربهم في الأمر الواجب حتى وإن تعددت آلهتهم في الأمر الواقع.

الضميمة الأولى:

ماذا يعني أن تكون الحضارة ذكاء صناعيا؟ لو فرضنا لحظة بداية الحضارة هي اللحظة التي يكتشف الإنسان فيها أن الطبيعة لم تعد كافية لسد حاجات كيانه العضوي فهو يشرع في إنتاج ما يسدها بفعلين هما:

  • استعمال إرادته الحرة
  • واستعمال حكمته الراجحة

لحل هذا المشكل. وتلك هي لحظة عدم الاكتفاء بالذكاء الطبيعي للتعامل طبيعيا مع الطبيعة ووضع مؤسسات الذكاء الصناعي للتعامل معها بما يبدعه بعمله وبفكره: وكل ما يبدعه ليضيفه إلى الطبيعة هو الحضارة التي هي مجموعة الحلول المؤسسية أو الذكاء الصناعي.

والخطأ الأول الذي حدث في تاريخ الإنسانية هو الظن بأن الفكر هو الأصل والعمل هو الفرع فقدموا الأداة على الغاية. تقديم الإرادة المستعبدة -العمل للعبيد- على الفكر الحر -الفكر للسادة-. وهذه هي الرؤية التي سادت فجعلت الأداة الفكرية مقدمة على الغاية العملية.

ذلك أن النقلة من العمل الذي يتمثل في قطف ما تنتجه الطبيعة إلى السيطرة على عملها بمحاكاته كان ناتجا عن حصول الخبرة التي لا تحصل بالفكر أولا بل بالخبرة الحاصلة في العمل. ودور الفكر هو فعل الذاكرة التي هي ذكاء طبيعي وتراكمها ذكاء طبيعي يبدع الذكاء الصناعي الناتج عن تحويل الخبرة المتراكمة إلى تراث يعلم للإنسان خلال تجوين الأجيال السالفة للأجيال الخالفة لكي يعكس فيعتبر العمل اللاحق ناتجا عن الفكر السابق وليس عن العمل السابق الذي هو الخبرة التي تنتقل من جيل إلى جيل: وتلك هي بداية التمييز بين العمل والعلم جعلا للثاني علة للأول وليس ثمرة لتراكمه.

الضميمة الثانية: (ثورة نوح)

ماذا يعني التحرر من طغيان الطبيعة؟ فتراكم الخبرة التي تصبح تراثا يتعلم هي التي ستمكن من التحرر من سلطان الطبيعة بالحضارة التي تحول الخبرة التي نتجت عن محاكاة الطبيعة في إنتاج ما يسد الحاجات إلى “ستراتاجام” أي خطة “نظرية”.

هي الفكر العملي الذي ينتج ما تنتجه الطبيعة والسيطرة على تربية المواشي والزراعة وكل التقنيات -صنع السفينة- التي تمكن من السيطرة طغيان الطبيعة أي الطوفان بمحاكاة إنتاجها فتصير وكأنها هي التي تحاكي أفعال الإنسان الناتجة عن الفكر النظري.

وقلب هذه العلاقة هو نظرية “الهيلومورفية الأرسطية” التي تعتبر الطبيعة فاعلة بذكاء طبيعي يحاكي الذكاء الصناعي الإنساني. وطبعا فهذه الرؤية ناجحة نسبيا لأن القياس يبدو معقولا. لكن ذلك لا يحقق معرفة علمية وإن كان كافيا لتحقيق الفائدة العملية في تفسير الظاهرات الطبيعية العادية أي ما يدركه الإنسان بحواسه بافتراض عادات الأشياء التي يحاكيها ثابتة وجارية بقوانين هي ما يدركه منها بتوهم اطرادها وثباتها:

وتلك هي المرحلة الأولى الساذجة من المعرفة الإنسانية: ابستمولوجية المطابقة بين ما في الأذهان وما في الأعيان بشرط أن يكون ما في الأعيان هو مدارك العيان الطبيعي. وما أن يمكن التراكم من اكتشاف أن الأعيان ليست ثابتة حتى يفهم الإنسان أن عادات الأشياء تكتشف بما يحصل من ذكاء صناعي يمكن من رؤية ما لا يرى بمدارك الإنسان الطبيعية (مثل ثمرة البصريات والسمعيات) حتى يتم تأسيس كل ما نسميه حضارة أي كل المؤسسات التي تنتج التراث الذي هو تراكم الخبرة في المجالين العملي والنظري مع إبقاء الثاني دائما مستمدا معيار صدقه من شهادة الأول.

الضميمة الثالثة: (ثورة موسى)

ماذا يعني التحرر من طغيان الحضارة؟ إذا كانت الحضارة هي “استراتاجامات” ناتجة عن الخبرة المتراكمة في العمل الممتحن للنظر أي المواءمة بين عادات الأشياء الخارجية عن التقدير الذهني فإن عالمين يصبحان متنافسين في الخبرة:

  • خبرة هي ثمرة التعامل مع عادات الأشياء الخارجية.
  • وخيرة هي ثمرة التعامل مع رموزها المعبرة عما حصل منها

وذلك هو التراكم الذي يخزن في النظام الرمزي فيبدو التعامل مع الرموز بديلا من التعامل مع المرموزات فيكون الأول مكتفيا بالتقدير الذهني أي بافتراض أشياء يبدعها الذهن وكأنها موجودات تعريفية وجودها هو عين تعريفها برموز لا تعين طبيعة لها خارج تعريفها وتلك هي التقديرات الذهنية: وهي على نوعين:

  • أحدهما ينطبق على الطبائع وهو الرياضيات والمنطق.
  • والثاني ينطبق على الشرائع وهو الدين والأخلاقيات.

فيحصل تناظر بين المعاني الدينية في العمل والنظر والمعاني الفلسفية في النظر والعمل. بحيث يكون الديني مقدما للعمل على النظر والفلسفي مقدما للنظر على العمل لكنهما كلاهما يجمعان بين المقومين ولا يختلفان إلا المتعاكس بالتراتب بينهما.

فيكون المعنى الرياضي في النظر والعمل جنيس المعنى الديني في العمل والنظر والمعنى المنطقي في النظر والعمل جنيس المعنى الخلقي في العمل والنظر. ويكون العمل حكما في الحالتين لأنه في الفلسفي هو قوانين الطبيعة وهو في الديني سنن التاريخ.

ولما كان التاريخ هو الأصل حتى في قوانين الطبيعة لأنها غير معلومة في ذاتها بل في ما بلغت إليه الحضارة خلال تجربتها وخبرتها بها فإنها تاريخية بالجوهر بمعنى العلم الإنساني تاريخي وتاريخيته هي عين تراكمية الخبرة التي للإنسان حول الطبيعة.

فيكون المنظور الديني أصح من المنظور الفلسفي في علاقة العمل بالنظر أي في تقديم الإرادة الحرة على الحكمة الراجحة لان الأولى هي التي تحدد الغايات والثانية هي التي تحدد الأدوات.

الضميمة الرابعة: (ثورة هود)

ماذا يعني عائق طغيان المسيطرين على الثروة. فالعائق الأول لتحقيق العيش المشترك السلمي في الجماعة وبين الجماعات هو احتكار الثروة عند الأقوياء والفقر عند الضعفاء.

وذلك هو العائق الذي جعلت الآية 38 في نظرية الدولة الإسلامية هدفها علاجه أي “الإنفاق من الرزق” وأساسها الاستجابة للرب حتى لا يصبح العبد عبدا لغيره..

الضميمة الخامسة: (ثورة صالح)

العائق الثاني بعد الثورة. ماذا يعني طغيان المسيطرين على الماء وهي ثورة الرمز القاطع على معنى العلاقة الجوهرية بين معنى الحياة وسرها الأول (جلعنا من الماء كل شيء حي) فرمز للطبيعة بالناقة التي تحرم من الماء عندما يسيطر عليه الإنسان ويحرم منه الكائنات الحية نباتية كانت أو حيوانية أي ما من دونه تفسد الطبيعة وهو:

الضميمة السادسة: (ثورة لوط)

وهو العائق الثالث والثورة المتعلقة بتحريم اللواط تعني أن اللواطيين يزيلون المصدر الثاني للحياة أي الإنجاب والتكاثر لأن المسيطرين على المثلية ينهون وظيفة الجنس الطبيعية ويفضلون الإبقاء على المتعة وتلك هي علة المثلية.

الضميمة السابقة: (ثورة شعيب)

العائق الرابع : ماذا يعني السيطرة على العملة التي تتحكم في الثروة والمناعة المادية؟ فرسالته تتعلق بشروط التبادل خاصة. أي إنها موضوع سورة المطففين في القرآن. وقد عممت مفهوم الربا فجعلته يشمل كل التطفيف سواء في:

  • الكيل والاكتيال
  • أو في الربا المباشر بتجارة العملة
  • أو في الربا غير المباشر المتمثل في التضخم بوصفه في الحقيقة جوهر العملة المزيفة التي هي اقتصاد ورقي لا يقابله اقتصاد حقيقي وكله من ثم ثروة الأقوياء في الجماعة وفي العالم على حساب فقر الضعفاء.

الضميمة الثامنة: (ثورة القرآن)

وهي الأكثر تعقيدا وتلك هي علة ما وصفه الرسول بكونه مشيبا لرأسه في هود وأخواتها. فماذا يعني العائق الخامس أي السيطرة على الكلمة التي تتحكم في التراث والحصانة الروحية.

وكل ما يتلو من الضمائم متعلق الاستراتيجية المحمدية للاستكمال ثورة إبراهيم التي لم تقدم الحل لهذه المعيقات لتحقيق الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف.

ولما كان إبراهيم أبا للخلفتين واحدة مفسدة بدليل أن إبراهيم لما طلب أن يمن الله عليه بأن يجعل ذرية وريثة لثورته التوحيدية والتحرر من عبودية الأفلاك كان جواب الرب: لن ينال عهدي الظالمين. فميز في خلفته بين نوعين: وليكن النوعان ممثلين:

بخلفة اسحق الذين تبين انحرافهم بما حرفوا إليه ثورة موسى فجعلوها أصلا للعبودية التي يمثلها دين العجل وهم المفسدون في العالم.

وبخلفة إسماعيل الذين تمكنوا بمنهج التصديق والهيمنة من تحريم بعدي العجل أي سلطان ربا الأموال وسلطان ربا الأقوال أي معدن العجل وخواره. والتحريف المؤسس هو تحريف كلمات الله أي الرسالات المنزلة.

فالسيطرة بالكملة المضللة (ورمزها خوار العجل) هي التي تضفي الشرعية على السيطرة بالعملة لما تصبح خاضعة للعملة بمعنى تحول رجال الدين والفلسفة في خدمة رجال الشوكة السياسية والثروة الاقتصادية.

الضميمة التاسعة: (النكوص على ثورة القرآن على خوار العجل: قانون التواصل)

وذلك هو منطق دين العجل أي إن الخوار لإضفاء الشرعية على استعباد الأقوياء للضعفاء وكأن ذلك قضاء وقدر والذهب الذي هو رمز العملة هو المحرك لكل نكوص إلى الخسر الذي يفسد الطبيعة والحضارة فيصبح التعمير تدميرا والاستخلاف ليس عبادة للرب بل يتحول إلى عبادة الضعفاء للأقوياء. وذلك هو علة ردي كل ما تقدم إلى تقديم أبق الذكاء الصناعي على الذكاء الطبيعي: أي إفساد الطبيعة والحضارة في آن.

الضميمة العاشرة: (ثورة القرآن على معدن العجل: قانون التبادل)

ماذا يعني التوحد أو ما يسميه ابن خلدون حب التاله بسبب هذه السيطرات.

الضميمة الحادية عشرة: (استراتيجية القرآن الجامعة بين كل هذه الثورات بالجمع بين التوحيدين)

وذلك هو معنى الآيتين 105 و106 من الإسراء والآية الأولى من النساء والآية 13 من الحجرات وسورة الماعون والآية 48 من المائدة والآيتين 104 و110 من آل عمران والآية 38 من الشورى الجامعة بين شرط الحصانة الروحية والمناعة المادية في الجماعة البشرية.

لماذا لا علاج لكل ما تقدم من دون الدولة الكونية التي قدم الإسلام استراتيجية لتكوينها وقدم منها الرسول عينة تكون نموذجا لتجاوز الوحدانية الإبراهيمية إلى الوحدانية المحمدية شرط الانتقال من الوحدانية المقصورة على المعبود إلى إضافة وحدانية العابدين للتحرر من العبودية لغيره.

وتلك هي استراتيجية الحنيفية المحدثة أي الدين الخاتم أو الإسلام بنظرية المخمس المكاني شرط المناعة العضوية والمخمس الزماني شرط الحصانة الروحية.

ويمكن اعتبار هذه الضمائم مدخلا ليس لتاريخ المشترك بين الديني والفلسفي بل لبيان شروط فهم ما حصل من تحريف في علوم الملة كلها -الاثنين النظريين والاثنين العمليين واصلها أربعتها أي التفسير- لفهم:

  • نظرية السبابة الوجودية (نظام آيات القرآن)
  • ونظرية المعادلة الوجودية (نظام آيات الآفاق وآبات الأنفس)

التي يتبين من يراها أن القرآن حق وأنه لم يفرط في شيء وأنه بهذا المعنى “تعليم” ليس بمعنى التدريس بل بمعنى التذكير بشروط الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف أي الجمع بين استراتيجيتين واحدة لكل من العالمين
عالم الشهادة الحاضر في المشهود منه خارج الذات وعالم الغيب الحاضر منه في الذات دون أن يكون مشهودا إلا بوصفه حرية الإرادة ورجاحة الحكمة كما عرفتها سورة العصر أي:

  1. الوعي بالخسر والسعي للخروج منه لاسترداد التقويم الأحسن
  2. الإيمان
  3. العمل الصالح
  4. التواصي بالحق
  5. التواصي بالصبر.

وبهذا المعنى فقد صدق الشافعي عندما اعتبرها عين مضمون القرآن كله وهي من ثم إحالة مباشرة لآية الكرسي من البقرة التي تصل المعادلة الوجودية بأصلها من حيث هي عين العلاقة بين الإنسان وربه مع علاقة النظامين الطبيعي والحضاري.

ومن ثم الجمع بين فلسفة الطبيعة وفلسفة الدين بالجمع بين علم عالم الطبيعة المشهود عقد عالم الغيب المحجوب. وبذلك نصل إلى فهم مرور دولة الإسلام بالأطوار الخمسة التالية:

1. فهي بدأت أولا بالعينة المحمدية التي مرت بمرحلتين إحداهما هي تكرير تكوين الإنسان بالتربية التي تحافظ على حرية الإرادة ورجاحة الحكمة بالمعنى الذي فهمه ابن خلدون أي تقوية الوازع الذاتي والمحافظة على البأس المحرر من العبودية لغير الله.

2. ثم ثنت بالعينة الراشدية التي انتهت مع الخلافة الأموية ونهاية الفتح مع تحقيق شرطي قيام الحضارة الإسلامية أي تعريب العملة والكلمة بعد أن مرت بأزمة الحرب الأهلية التي نتجت عن الفتنة الكبرى والتي كادت تقضي عليها.

3. ثم ثلث بحقبة الملك العضوض الذي فتتت الأمة وأنهت الفتح في عصر الدولة العباسية لأن الخلافة صارت مثلثة أموية في الأندلس وفارسية في بعض ما بقي منها في المشرق وبينهما سيطرة الخلافة الباطنية.

4. ثم ربعت بالدولة الجبرية بعد الهجمتين الصليبية والمغولية فآلت الخلافة العثمانية التي انتهت إلى ما نعيشه الآن ونسعى للخروج منه لاستئناف دور الأمة الإسلامية بوصفها الشاهدة على العالمين وتخليص المعمورة من التلويثين بالجمع بين التحرر من التدمير من اجل التعمير بشروط قيم الاستخلاف.

5. وبذلك تعود البشرية إلى مشروع الإسلام الذي وضع استراتيجية تحقق شروط الكونية الإنسانية بمبدأي النساء 1 والحجرات 13 أي بالعودة إلى الخلافة بمنهاج النبوة وتلك هي الخلافة الكونية التي يمثلها الاستئناف الإسلامي:

فطوفان الأقصى بين علتي تلويث الطبيعة وتلويث الإسلام والحاجة إلى ما يحرر منهما ولا يحرر منهما إلا الإسلام.

ما أحاوله في كلامي على المدرستين النقديتين العربية والألمانية هو المرحلة الخامسة التي تعتبر صوغا لفهم نقدي للتحريفات التي أصابت جوهر الحضارة الإسلامية في مقتل لكنها كانت ضرورية للوصل إلى فهم الاستراتيجية القرآنية التي أحاول صوغها في تفسير القرآن بوصفه استراتيجية توحيد الإنسانة لتحريرها من الحرب الأهلية الكونية التي سرها عبادة العباد للعباد أي عكس شعار الفتح الذي يرمز لتحريرهم بعبادة رب العباد. والخمسة هم الرسول والغزالي وابن تيمية وابن خلدون ومحاولاتي لأمثل غاية المسار ليس بالمشاركة الفعلية فيه بل بالوصل بين المشاركات الثلاث الوسيطة بين الأصل أي الرسالة والغاية التي هي فهمها باعتبارها إستراتيجية تحقيق شروط الاستئناف.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock