تدوينات تونسية

القيامة في غزّة، والزلزال في إسرائيل

نور الدين الغيلوفي

مائة وعشرون يوما مرّت
وغزّة المقاومة تحت حربٍ يشنّها عليها العالَمُ بغربه وشرقه وعرَبه.
مائة وعشرون يوما،
وجيش العدوّ يلقى دعمًا من كلّ دول العالَم بلا حدّ،

وغزّة تُهدَم مبانيها فوق رؤوس أهلها كأنّهم لا شيء.. كأنّ البشريّة قرّرت في لحظة من تاريخها أن تُذهبَ عنها القلق بذبح أطفال غزّة ونسائها وشيوخها في عمليّة تجريب للخراب وسفك الدماء لا أظنّ أنّ التاريخ شهد لها مثيلا.

مائة وعشرون يوما من دعم القاتل بكلّ آلات القتل ومنع القتيل من كلّ أسباب الحياة، في جريمة كونيّة هي خلاصة ما بلغه الإنسان من تقدُّمٍ بعد أن قرّر أهلُ الأرض إدارتها منقطعة عن كلّ سماء.

مائة وعشرون يوما من الحرب على غزّة المحاصَرة من أشقّاء دمائها هي قيامة آلهة الأرض تعاقب فيها قرية لم تؤمن بها ولم تخضع لآيات الخنوع جاءت بها تشريعاتها وأكرهتها على التسليم بها.

طفلة فلسطينيّة من غزّة
طفلة فلسطينيّة من غزّة

مائة وعشرون يوما مرّت على طفلة فلسطينيّة من غزّة خرجت من تحت أنقاض بيتهم لتلقى نفسها في بحر يُتم من كافّة الجهات، تعبره وحدها من الشمال إلى الجنوب، تمشي حافية القدمين ولا لباس عليها إلّا من أطمار علقت بجسمها الصغير خرجت بها من تحت الركام تجرّ قدمًا ملويّة احتفظت الأنقاض ببعضها.. لقد فازت بحياة لم تخترها.. ولكنّ القدر أبقى عليها لترى هول القيامة وتحسد أهلها الذين غيّبهم الموت ولم تلق فرصة لتوديع أحد منهم أو المسح على وجهه وذرف الدمع عنده.

ماتت الأم ومات الأب ومات الأشقاء والشقيقات ومات الأخوال والخالات ومات الأعمام والعمّات ومات كلّ من تعرف، ولم يبق من أتراب مدرستها أحد.. فهي عارية من كلّ شيء منقطعة عن كلّ صلة إلّا من انتمائها إلى قرية اسمها غزّة تداعى العالم عليها كأنّ القيامة اختارتها حقلًا لاختبار قيامها وما يرافقه من أهوال لا يحتملها بشر ولا حيّ واحتلمتها الفتاة.

كأنّ الحرب جرّدتها من كلّ شيء ولم تترك لها شعورا بشيء، فهي ساهمة مثل لوحة، فقدت في الحرب روحها، تنتظر نهايتها لاستئناف نفخ الروح فيها.

مائة وعشرون يوما والعالم الحديث بسكّانه أغنيائهم وفقرائهم عالميهم ومتعلميهم وغير متعلميهم يرقبون الفتاة ينتظرون أن يشهدوا خروجَ نفَسها الأخير وشخوصَ بصرها ليتداعوا عليها ليغمضوا عينيها حتّى يتسنّى لهم فتح عيونهم لينعموا ببقية الأيّام،

كأنّ قيامة في الأرض لم تقم،
وكأنّ محرقة لم تجر على شعب أعزل جرّب فيه الكبار المحكَّمون أسلحتهم وما تعكّر من أحقاد توارثوها ليزرعوها في فلسطين،
لتكون مقدّمة لقيامة الله الذي أعلنوا حربهم عليه في عباد له خلقهم لتدبير أمرهم ضمن برنامج “إنّي أعلم ما لا تعلمون”.

أربعة أشهر وغزّة تعاني حربا لا أظنّ البشرية قادرة على صنع أشدّ هولًا منها،

المقاومة 

#ولكنّ هذه المقاومة الجبّارة واقفة في جفن الموت تصارع الغيلان المجتمعة مثل أبطال الأساطير، ولا أسطورة ترقى لوصف ما يسطرون من بطولة لم يتخيّلها في الملاحم عبقريّ.

مائة وعشرون يوما و المقاومة تدعو طائرات العدوّ في كلّ يوم لإجلاء قتلاه وجرحاه.

القيامة 

القيامة في غزّة،
والزلزال في إسرائيل، كلّ يوم تزيده في عمر الحرب تزداد فيه الأرض تعلّمًا..
تتعلّم الأرض، في كلّ يوم من أيّام الحرب كيف تلفظ إسرائيل وتهتزّ من تحتها.
في انتظار صيحة اللفظ الكبرى.
حين تصرخ الأرض بموت إسرائيل
وولادة فلسطين بعد حمل الدماء الثقيل.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock