مقالات

حكمة خير الماكرين في دلالة محاكمة إسرائيل

أبو يعرب المرزوقي

قرار محكمة العدل الدولية حول مطالب جنوب إفريقيا اعتبره كله لصالح القضية رغم أن الكثير يتصور ما غاب فيه خطرا عليها:

قرار محكمة العدل الدولية
قرار محكمة العدل الدولية

مطلبان لم يذكرا مباشرة بل ذكرا بما يجعلهما من المفروغ منه وهما:

1. مطلب أول: احمد الله أنه لم يذكر وذكر ما يقتضيه: وقف القتال وهو ما فهمته وزيرة خارجية جنوب إفريقيا وهو أن الحكم لا يمكن تنفيذ ما جاء فيه دون شرط: تطبيقه الفوري.

2. مطلب ثان: أحمد الله أنه لم يحصل وذكر ما يقتضيه وهو ما لم تعلق عليه وزيرة الخارجية ذكر ما يقتضيه: تأجيل التقرير المطلوب من إسرائيل لمدة شهر لا يتعلق بالتنفيذ الفوري بل بالإعلام بحصوله.

ثمرة الأول تتبين من جواب حماس وجواب إسرائيل:

3. حماس قبلت القرار لأنها فهمت ما سأبينه من علل عدم ذكر وقف القتال ومن اجل التقرير المطلوب من إسرائيل حول المطلوب الفوري.

4. إسرائيل رفضت القرار لأنها لم تفهم ما سأبينه من علل ذكر وقف القتال ومدة الشهر لتقديم التقرير حول المطلوب الفوري.

5. وأصل ذلك كله هو تحقيق الغاية من القرار: فغياب المنتظر الأول -وقف القتال- يحقق شرط ما سيليه لعلم القضاة الذين صوتوا بأغلبية 15 من 17 لم يعارضه إلا اثنان أحدهما ممثل إسرائيل والثاني قاض فاسد.

وحصور التأجيل الثاني -التقرير بعد شهر- يساعد في إثبات نية التصفية العرقية خلال مدة الشهر التي ستكون دليلا عليها بأكاذيب التقرير الذي ستقدمه إسرائيل.

فلأبدأ بالقول أولا إن حماس تبينت اذكى من إسرائيل أي إنها صارت تعمل بعقل استراتيجي حتى في الدبلوماسية لأنها فهمت 1 و2 وتعاملت معه بمدلوله الضمني وليس بنصه الصريح.

وإسرائيل لم تفهمهما وهو ما يثبت أنه يمكن أن يوجد بعض العرب الذين صاروا أذكى من اليهود في فلسطين وهو مع الشجاعة التي يمثلها شباب حماس الفكر الاستراتيجي الذي جعل الطوفان يكون ممكنا.

فحماس تفهم أن قرارات المحكمة ليس لها شرط القوة المنفذة. وهي لا تصبح قابلة للتنفيذ في حالة رفضها من قبل إسرائيل إلا باللجوء لمجلس الأمن.

فهمت حماس أن هذا اللجوء إذا حصل وفيه القرار كلمة وقف القتال ستؤدي لفيتو أمريكي. ومن ثم فهي تكون قد فرعت بأمر يفسد عليها تمرير القرار وجعله أمرا من مجلس الأمن بسبب عبارة متضمنة في المطالب التي تضمنت كلمة “فورا”.

وعدم فهم إسرائيل ذلك سيجعلها تتمادى في العنجهية وإيصال الأمر الى مجلس الأمن ولكن هذه المرة -وهو ما لم تفهمه- لن يحميها الفيتو الأمريكي لأن القرار يطبق ما تنافق به دبلوماسية وما يفرض عليها أن تجعله حقيقة.

وكذلك في اجل الشهر الذي اعطي لإسرائيل فهمته حماس ولم تفهمه إسرائيل: والدليل أن هذه قال بعض معلقيها بأن إسرائيل خرجت من المحاكمة بأقل الأضرار في الأول والثاني. بينت الضرر في الأول ولأبينه الآن في الثاني.

طبعا إسرائيل التي لن تطبق القرار بالاعتماد على الفيتو ستتمادى في عنجهيتها ويمر الشهر فتقدم تقريرا سيكون شاهدا عليها لأنه سيكون من جنس مرافعتها في الرد على مرافعة جنوب إفريقيا أي:

  • الدفاع بحجة الدفاع عن النفس.
  • الدفاع بحجة حماس تحتمي بالشعب.

فيصبح السؤال هي المحتل له حق الدفاع عن الاحتلال وضميره: هل من تحتل أرضه لما يقاوم المحتل يسمى معتديا وإرهابيا أم معتدى عليه ومقاوما فتكون إسرائيل بهذين الدفاعين قد أثبتت:

أولا كل ما تدعي نفيه بتبريره شهادة على حصوله وثانيا لأن تهمة الإرهاب تسقط لأن المحتل لا يحق له أن يتكلم على الدفاع عن النفس بل الخاضع للاحتلال هو الذي يمكنه الكلام عليه فتثبت أنها هي الإرهابية وليست حماس.

لأول مرة يوجد العربي المسلم الحقيقي الذي يتفوق على عبدة دين العجل الذي وإن كان ما يزال يسيطر على الحكام العرب وحكام الغرب فإنه لم يعد ينطلي على الشعوب عربية كانت أو غربية: وذلك هو السر في كوني اعتبر ما تحقق في المحاكمة نصر مطلق وأن إسرائيل قد “زنقت” خمس مرات:

1. هزمت من حيث المبادرة العسكرية إذ صارت ترد الفعل بعكس عادتها ببيان هشاشتها التي اضطرتها لطلب المدد من أمريكا من اليوم الثاني بعد الطوفان.

2. هزمت عسكريا بعد شروعها في الانتقام وطلب المستحيل بحيث إن كانت تتوهم هي وأمريكا قابلية تحقيقه في أسبوع مرت عليه أربعة اشهر ولم تنجز منه
3. إلا ما أدى سقوط كل سردياتها فصارت هي التي تحقق هولوكوست اشنع مما تدعيه في سردياتها وذلك بسبب هزيمتها في مواصلة السيطرة على الرأي العام الدولي الشعبي خاصة.

4. والمعلوم أن الهولوكوست الأول لم يشهده إلا الغرب الذي قام به وحاول تعويضه بإعطائهم فلسطين

5. بهولوكوست يشاهده العالم كله وتلك هي حكمة غير الماكرين بأن بين ما قد يبرر أن كل تاريخهم الذي هو هولوكوستيات متوالية سينتهي بارتكابهم هولوكوست ضد أمة هي التي أنقذتهم على الأقل من ثلاثة من الهولوكوستيات الخمسة التي عرفوها في التاريخ:

فبابل هلكستتهم
وروما هلكستتهم
ولم يُعدهم إلى فلسطين إلا الفاروق الذي حررهم من هلكستة بيزنطة في فلسطين.
والإسبان والكاثوليك هلكستوهم مع عرب إسبانيا فلم ينجهم إلا عرب المغرب الكبير وتركيا.
والروس والألمان هلكستوهم فقرر الأوروبيون مجمعين التخلص منهم بجعلهم يهلكستون الفلسطينيين تطبيقا لما جربوه في الاستعمار سواء في ما صار يعتبر الأرض المقدسة الثانية أي إفناء الهنود الحمر والكثير من شعوب العالم.

فتبين أنهم في الحقيقة في كل مرة بسلوكهم الناتج عن توهمهم أنهم شعب الله المختار يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء إما مباشرة إذا كانت لهم قوة أو بصورة غير مباشرة بالدهاء وبُعدي العجل أي بمعدنه (ربا الأموال والعملة) وبخواره (أربا الأقوال والكلمة).

وهم في فلسطين لانهم استعبدوا نخب الغرب الحاكمة استعملوا قوة الغرب لهلكستة فلسطين وتريد هلكستتة كل العرب -إسرائيل الكبرى تماما كما يفعل الفرس بخرافة الأسرة المختارة في العرب.

لكن الغرب ليست قياداته حمقى حتى وإن كانت خاضعة لدين العجل فهي متبادلة المنفعة مع الصهيونية والصوفية لتقاسم أرض صار حكامها مستعدين لبيعها من اجل الحماية المنتظرة ممن زرع إسرائيل في أوطانهم بعد تفتيت وحدتها الجغرافية وتشتيت وحدتها التاريخية فعادوا إلى جاهليتهم ونسوا ما مكنهم منه الإسلام.

والآن وقد خسروا سلطانهم ببُعدي العجل في الغرب ولم يتمكنوا من مده إلى الشرق لفشل التطبيع وشعور كل العرب بأن لا إسرائيل ولا إيران يمكن أن تحميهم وأن مصلحتهم تتمثل في الصلح مع شعوبهم طوعا قبل أن تفرض عليهم كرها استعادة حريتها وتحرير أوطانها كما فعلت حماس.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock