المقاومة المنتصرة بلا غطاء
زهير إسماعيل
المقاومة المنتصرة ميدانيا بلا غطاء سياسي عربي وإقليمي
انكسارات متتالية لجيش الكيان في غزة يمنعها الدعم الأمريكي والغربي الشامل واللامحدود من أن تُسجّل هزيمةً ميدانيةً للاحتلال تنتهي بإيقاف العدوان والانسحاب من غزة.
فالإدارة الأمريكية تتبنى وجهة نظر الكيان وقيادته التي تعتبر “إيقاف الحرب” استسلاما للمقاومة. وأنّ هذه الحرب ستحدّد مستقبل الكيان. فبهذا المعنى هي مواجهة وجودية. ويبدو أنّ الولايات المتحدة غير مستعدة استراتيجيا لمنطقة “الشرق الأوسط” دون الكيان، حتى وإن لامست بعضا من أسباب نهاية الدور الوظيفي لدولة الكيان.
لذلك ليس “إيقاف الحرب” ضمن أجندتها في جولاتها السابقة والمنتظرة في المنطقة. وهي تراهن على تواصل العدوان للوصول إلى ما هو أفظع من التهجير بجعل غزة منطقة تستحيل فيها الحياة. ومن شأن هذا أن يحيط المقاومة بوضع كارثي وفراغ مفزع.
في المقابل يتأكّد صمود المقاومة وتفوقها ونجاحها في تهشيم جيش الكيان، بعد 109 يوما من العدوان. ومع ذلك يُحال بينها وبين تسجيل انتصارها والاعتراف لها بمنجزها الميداني غير المسبوق في تاريخ المقاومة الفلسطينية. فالمقاومة في فلسطين ممنوعة عربيا (شعبيا ورسميا) من قوة دعم سياسي تسند منجزها المعمّد بأنهار الدموع والدماء.
وللإدارة الأمريكية دور حاسم في هذا الصدد بإملائها تصورها على نظام الاستبداد العربي الذي يفوقها قلقا وخوفا من صمود المقاومة، ويتعجّل إنهاءها وطيّ صفحتها.
وحتّى ما يسمى بـ”محور المقاومة” لا يؤدّي اشتباكه دور الداعم الفاعل والحاضنة السياسية للمقاومة لاندراجه، في تقديرنا، ضمن استراتيجية إقليمية موازية (إيرانية). ومن ثم غير متمفصلة مع استراتيجيا المقاومة في طوفان الأقصى. وهذا ما يفسّر الالتزام المتواصل بقواعد الاشتباك المرسومة. ورغم مشاركة أذرع إيران في الاشتباك فإنّ الدور الإيراني السياسي والديبلوماسي هو أقرب إلى دور المراقب المنتظر، على ضوء استراتيجيته، لمآلات الصراع منه إلى دور جبهة من جبهات المقاومة.
في حين يبدو الدور القطري (والكويت بنسبة أقل) ألصق سياسا باستراتيجيا المقاومة رغم دور الوساطة المعلن.
الحروب مهما طالت مدتها وقساوتها تُصرَّف في نهاية الأمر إلى نتائج عملية في عالم السياسة.
لذلك فإنّ القوة التي تفتقد إلى حاضنة سياسية وغطاء سياسي إقليمي لا يمكنها أن تحوّل انتصارها الميداني إلى انتصار سياسي. في حين يُغطِّي الدعم الشامل هزيمة القوّةَ المنكسرة ميدانيا. وقد يمكّنها الدعم ومحاصرة عدوها، مع الوقت، من تحقيق أهدافها أو بعض أهدافها.
لا خلاف في أنّنا نرتجف بصدق ونهتز بعمق مع المثلثات الحمراء والصفراء وهي تحصد الغزاة العنصريين، ولكن الحقيقة أنّ المقاومة التي ستنتصر ميدانيا اليوم بوسائلها الخاصة وبوحدة ساحاتها (غزة، الضفة، الداخل) لا يمكنها أن تنتصر سياسيا مستقبلا في غياب غطاء سياسي (قوة عربية، شارع داعم يفضح مزايدات الاستبداد التافه) يدافع عن وجهة نظرها دوليا (تصريف انتصارها سياسيا: تصوّر الدولة الفلسطينية على سبيل المثال مقابل حلّ الدولتين المفوّت الذي تلوح به الإدارة الأمريكية وبعض من موظفي الأمم المتحدة حفاظا على رواتبهم).
من ناحية أخرى، العدو وحلفاؤه صدمهم أداء المقاومة وصمودها وتفوقها، إلاّ أنّهم يستفيقون تدريجيا من صدمتهم بالمراهنة على عامل القوة والوقت: جمع الإمدادات من كل صوب، والإمعان في محاصرة المقاومة (السيسي وعبد الله موش مقصرين) وتدمير حاضنتها في غزة التي تتحول تدريجيا إلى مقبرة. فللصمود حدوده الموضوعية وشروطه البشرية.
للإدارة الأمريكية خبرة في التعامل مع الزلازل الإقليمية فقد نجحت بواسطة الثورة المضادة وسذاجة المنتسبين إلى الثورة من استيعاب “ثورة الربيع” التي زلزلت العالم بتحويل بعض سياقاتها إلى حروب أهلية (سورية، ليبيا، اليمن) وعذابات كفر معها الناس بالثورة وتدشين انقلابات في سياقات أخرى (مصر، تونس) كَفَر الناس معها بالثورة والديمقراطية.
طوفان الأقصى حركة مفتوحة على احتمالين: مقدمات لانتصار تاريخي للحق الفلسطيني (وتشربيكة كبيرة في العالم القديم)، أو نكبة، لا قدّر الله، تعيدنا إلى ما قبل الطوفان وإلى ما هو أسوأ.