مقالات

موازنة بين استراتيجية الفتح وطوفان الأقصى (04)

الفصل الرابع

أبو يعرب المرزوقي

محكمة العدل الدولية

ضميمة رابعة: في هشاشة الديموقراطية الغربية

ملاحظة:

هذه الضميمة خصصتها لأهم إنجاز حققه الطوفان. وهو عندي من أدلة فاعلية خير الماكرين فكل ما يظن من علامات دهاء أعداء الإسلام والأمة انقلب فصار من علامات استئناف دورها الكوني الحتمي.

لذلك قارنت بين دور قريش ودور فلسطين واعتبرت عاصمة الإسلام المستقبلية ستكون مسرى الرسول في استئناف كونية الإسلام كما كان ملجأه عاصمة النشأة الأولى لكونيته التي بدأت بتوحيد العرب مركز دار الإسلام وهزيمة الإمبراطوريتين اللتين كانتا تستعمران العالم المتحضر في بداية الإسلام. وليس في ذلك تنكرا لدور المدينة لأن من استبدلها ليست الدولة الأموية بل الانقلاب الذي اغتال الخليفة الراشد الثالث والأخير.

والدولة الأموية قضت على الحرب الأهلية التي أنتجتها الفتنة الكبرى والحروب الطائفية. والدولة الفلسطينية ستقضي على الحرب الأهلية التي أنتجتها الفتنة الصغرى وإحياء الحروب الطائفية ومضاعفتها الحروب القومية والعرقية.

وهذان النوعان من الفتن هي التي مكنت من هزيمة المسلمين خلال قرون الانحطاط التي تكررها قرون القوميات التي تفتت الجغرافيا وتشتت التاريخ فتحول دون شروط إنتاج الثروة والتراث شرطي قيام الأمم العظيمة.

المحاولة

أهم ما حققه طوفان الأقصى هو الثورة التي ستحرر الغرب من تنكر نظامه الذي يعتمد على الوساطة الروحية والوصاية السياسية خلال الانتقال الحديث إلى علمنة هذين الأساسين بدعوى تأسيس الثورة الديموقراطية:

وتلك هي هشاشتها التي صار الشباب الغربي واعيا بها بفضل ما يجري في فلسطين حاليا. ولولا ذلك لما كان للحدث بعده الكوني: حدث الطوفان صار كونيا بفضل كونية المسائل التي تجلت بفضله في الغرب المسيطر.

وفي الحقيقة فالإشكالية كانت موجودة في التمييز الذي لا يجهله أحد بين الدولة السطحية والدولة العميقة التي يعلم الجميع أنها تنخر كيان الدول عامة والغربية على وجه الخصوص:

فالدولة السطحية هي الديموقراطية التي تتنكر فيها الوساطة الروحية والوصاية السياسية القديمتين اللتين يحرمهما الإسلام: ومن ثم فالعلمنة هي تنكرهما بدعوى التحرر من تدخل الدين في السياسة وجعل السياسة معبرة عن إرادة المواطنين.

والدولة العميقة هي ما تخفيه هذه الحيلة وهي التي لها القرار الحاسم في كل الشؤون الإنسانية بالشكل الجديد للوساطة الروحية والوصاية السياسية. وهذا الشكل الجديد يتعين في دين العجل:

أي إن الوصاية السياسية هي التي يمثلها سلطان العملة والوصاية الاقتصادية (ورمزها البنك أي معدن العجل) والوساطة الروحية هي التي يمثلها سلطان الكلمة والوساطة الثقافية (ورمزها الإعلام أي خوار العجل).

ذلك ما فهمه شباب الغرب من خلال زبدة هذين التنكرين إذ افتضحا في إسرائيل التي تجمع السلطانين في الغرب وتريد تعميمه على العالم كله وخاصة في العالم الإسلامي الذي ما يزال شعبيا على الأقل في مقاومة تحضر وتغيب بسبب الخطأ الذي وقع فيه الغرب عندما أنشأ إسرائيل.

وقد سبق أن شكرت الغرب وإسرائيل لهذه العلة: ذلك أني كنت واثقا من أن ثمرة ذلك هي من مكر غير الماكرين المضاعف في إسرائيل وفي إيران اللذين يمثلان وإن سلبا شرطي استنهاض الأمة وإحياء طموح شبابها المؤمن.

فأولا: كل خطط إيران هي من هذا المكر الخير: فيمكن للحوثي أن يهدم شروط الخيانة العربية بضرب اصل ثروتهم التي أنستهم ضعفهم القاتل: فليس ايسر من ضرب مصادر ثروتهم البترولية والغازية ومصادر حمايتهم أي القواعد الأمريكية في الخليج:

وثانيا: افتضح التنكر في الديموقراطية الغربية لأن إسرائيل لم تتخل عما تخلت عنه الديموقراطيات الغربية أي كونها ذات أساس ديني ومظهر ديموقراطي. لكن الجميع يعلم أن سر قوة إسرائيل في الغرب ليس مأتاه من كونها ذات سلطان ديني عميق ولمظهر ديموقراطي فحسب بل لأنها سيدة البنك والإعلام.

وثالثا: تبين أن الجمع بين سلطان البنك والإعلام في الغرب على الأقل -لكنه عالمي لأن القادة فيهما حاليا ما تزال غربية حتى وإن كان البريكس محاولة لتجاوزهما- يرجعان في الغالب للمافيات الصهيونية واليهودية وخاصة في فرنسا التي لها سلطان على الكثير من بلاد الإسلام وخاصة في إفريقيا.

لكن لا بد من الإشارة إلى أن لإسرائيل نظير له نفس البنية التي صارت صريحة في الشرق مثلما صارت البنية الصهيونية صريحة في الغرب. إنها إيران: فما تمثله عقيدة “شعب الله المختار” في تلك تمثله عقيدة “أسرة الله المختارة” في هذه.

فينتج عن ذلك التناظر التام بين إيران الصفوية وإسرائيل الصهيونية كلتاهما لا تخفي تأسيسها الديني الصريح وكلتاهما تدعي الدولة الديموقراطية. لذلك فالنظام الصفوي في إيران يتضمن البنيتين الديموقراطية في الظاهر والدينية في الظاهر كذلك وسلطانهما يبقى من جنس سلطان دين العجل أي السيرة على الكلمة والعملة.

وطبعا لا يمكن للكملة والعملة أن يكون لهما سلطان إذا لم تكن الأولى هي الإعلام المضلل وهو ما سميته ربا الأقوال والثانية هي المال الفاسد وهو ما سميته ربا الأموال. ولا تتحقق السيطرة بنوعيها من دون أمرين:

السيطرة على الرزق المادي أي الاستعمار الاقتصادي للشعوب المستضعفة فيكون ما تفعله إسرائيل في العرب عين ما تفعله إيران فيهم. فلا فرق بين ما يحصل في فلسطين وما يحصل في سوريا. بل إن ما تفعله إيران أخطر لأنه أوسع ولأنه يتخفى بادعاء الإسلام الأمر المستحيل على إسرائيل.

فإيران سلطانها يمتد من العراق إلى لبنان مرورا بسوريا ثم يمتد في كل الخليج وإن بصورة شديد التخفي بفضل التقية المتربصة وسوف تزول بعد تركيز شروط الإعلان عنها أي عندما تتأكد إيران بأنها حققت شروط الردع الذي يمنع كل من يحاول مقاومة ذلك.

وهي على كل توصلت حاليا إلى أنها تحارب العرب بالعرب الغافلين وبأموال البلاد العربية التي استعمرتها جهرة والتي ترعبها خفية أي كل عرب المشرق وربما عرب المغرب.

أما السيطرة على الرزق الروحي فهو ثمرة الفتنتين الكبرى (ورمزها إيران الصفوية التي أحيتها: حرب الطائفيات) والفتنة الصغرى (ورمزها إسرائيل: حرب القوميات) أعني أساس تخريب الأمة الإسلامية وكلتاهما تعينت في الأقليات التي يرمز إليها بقايا الباطنية (العلويون والدروز والشيعة) والصليبية (المسيحيون المتأثرين بها).

لأن المسيحيين السابقين على الغزو الصليبي يختلفون عنهم لأنهم بعد هزيمتهم خلال الحلف مع بيزنطة وفارس في الحرب على الإسلام تغيروا فخدموا الدولة الإسلامية في عصر الدولة الأموية وصاروا شبه ركن مؤسس للحضارة الإسلامية فقد شاركوا في النهضة الحضارية العربية قبل الاستعمار وبعده وخاصة في القرن التاسع عشر لدورهم في إحياء العربية وآدابها بمعيار الانحياز القومي الذي صار مقدما على الفروق الدينية.

لكن ذلك كان اخطر شيء على الإسلام والمسلمين لأنه هو جوهر الفتنة الصغرى: فلكي يصبح القومي مقدما على الإسلامي لا بد أن يضاف إلى الصراع الطائفي الذي ترتب على الفتنة الكبرى الصراع القومي الذي ترتب على الفتنة الصغرى.

وبذلك فقد حل بالأمة ما ترتب على الفتنتين اللتين كان الإسلام قد سعى لتحريرها منهما أي صراع الطوائف الدينية وصراع الأعراق القومية. فجمعنا بين الهشاشتين اللتين تمثلان تنكر دين العجل في الدولة الظاهرة الدولة الباطنة. والغرب اليوم يعاني مثلنا:

من الفتنة الصغرى وستعود إليه فتنته الكبرى فينفرط عقده لأن الحروب الدينية بين المسيحيات وهي طائفية ستعود والحروب القومية أيضا ستعود وأول تعين لهذين العودتين بدأت تظهر في حرب أوكرانيا لأن جوهرها ديني وإن تخفى وقومي وإن سيتجلى عندما ينفرط عقد أوروبا بعد أن تنجح أمريكا في الحل الذي أخشاه اكثر من كل شيء على الأمة.

لن أطيل فيه الكلام لأني أشرت إليه بوصفه فرضية ممكنة في أول حوار لي حول الطوفان مع الزيتونة. وهو صار عندي يقينيا بعد ما تطورت أحداث الربيع وخسران أمريكا حرب أوكرانيا. فما أنا متأكد منه بصورة جازمة هو ما سأعرضه ملخصا حاليا وأعود إليه في خاتمة الكلام في الطوفان جزئه الثاني بعد أن صدر الجزء الأول بتنظيم قام به ابني يعرب. وهو ينتظر نهاية الثاني الذي هو بحجم الجزء الأول وسأنهيه إن شاء الله مع نهاية الشهر الجاري إذ لم يبق فيه إلا هذه الضميمة الرابعة والضميمة الخامسة والخاتمة.

أمريكا تخلت عن أوروبا وهي ستتصالح مع روسيا لأنها تحتاج إلى فصلها عن الصين وهو امر يسير إذ يكفي أن ترضي بوتين بما يطلبه في أوكرانيا وفي تركيا ليكون زعيم الأرثودوكسية ومن ثم قيصر روسيا ما قبل الثورة البلشفية:

وذلك ما يتمناه كل الشعب الروسي لأنه لا يمكن أن يرضى بأن يصبح تابعا للصين التي كانت تابعة له في العهد السوفياتي وهو يصبو لأن يصبح غربيا.

وأمريكا تحتاج إلى جناح ثان يحاصر الصين ويكون بحجمها معها وأعني بذلك الهند وهنا أيضا لا بد من ترضيتها على حساب الإسلام السني والهنود المسلمين وهذا أيضا يسير لأن الهند لا يمكن أن تتصالح مع الصين وهي تريد القضاء على الإسلام الهندي فيها وحولها -شرقا البنجال وغربا باكستان- وأمريكا كفيلة بذلك. لكن ذلك يقتضي البحث عن عدو يصل بين الهند وروسيا ليكون في آن عدوا لباكستان وتركيا القوتين الوحيدتين اللتين تمثلان شبه مناعة إسلامية بمعيار العصر لأن بقية المسلمين ما زال دون شروط الردع الذي يحميهما إذا تم القضاء على هذين القوتين السنيتين:

ومن ثم فلا بد من المحافظة على عدوهما الشيعي فيهما وفي الوصل الجغرافي بينهما: وذلك هو دور إيران. وتلك هي علة استحالة التدخل التركي والباكستاني في الحرب الجارية حاليا في فلسطين: فهما ليسا غافلين عن هذه الاستراتيجية فكلاهما مهدد بضربة قاتلة إذا فعل.

وهذا هو الحلف الذي تسعى إليه أمريكا لان فيه ضربا لعصفورين بحجر واحد: محاصرة الصين ومنع القطار الثاني أي الاستئناف الإسلامي. وذلك هو الخطر الداهم ضد مستقبل الأمة.

موازنة بين استراتيجية الفتح وطوفان الأقصى (01)
في المرافعتين
المدعي: جنوب إفريقيا
المدعى عليه: إسرائيل

موازنة بين استراتيجية الفتح وطوفان الأقصى (02)
هشاشة الأنظمة العربية

موازنة بين استراتيجية الفتح وطوفان الأقصى (03)
هشاشة إسرائيل

موازنة بين استراتيجية الفتح وطوفان الأقصى (04)
في هشاشة الديموقراطية الغربية

موازنة بين استراتيجية الفتح وطوفان الأقصى (05)
شروط استعادة الأمة وزنها العالمي

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock