تدوينات تونسية

الفايسبوك “التونسي” حقل بحث نفس/اجتماعي كثيف

عبد الرزاق الحاج مسعود

بعد عشرية كاملة من الحضور في هذا الفضاء الرقمي الواقعي جدا ” الفايسبوك “. أكتشف تدريجيا أن كل العلاقات الاجتماعية الواقعية إما جزئية جدا.. أو غير سوية تماما ومزيفة جدا.

الفايسبوك
الفايسبوك

بمعنى أن الأشخاص الذين قد تكون أمضيت معهم عمرك وظننتَ أنك تعرفهم جيدا سيكشف لك الفايسبوك زوايا عديدة أخرى من شخصياتهم لم تتوقّعْها مطلقا.. في الاتجاه السلبي والإيجابي طبعا.

الفايسبوك منصة كاشفة/فاضحة للاّوعي المرضي الفردي والجماعي. وهو صانع لـ “علاقات قرابية” جديدة مختلفة عن قرابة الدم والجوار والانتماء السياسي والزمالة والصداقة وغيرها.

ورغم أنه يقترح نفسه منصة تواصل.. أي تقارب وحوار وتعارف، فإنه غالبا ما ينتهي منتِجا فعّالا للعنف والتعصب والضحالة، أي لانقسامات اجتماعية عميقة وصراعات داخل الأجسام التي كانت موحدة حول أشباه أفكار سياسية أو حول عصبية كروية أو جهوية أو غيرها.

الفايسبوك انتهى مغذّيا لذوات ممتلئة بوهم “القيمة”. قيمة مكتسبة عموما بفضل أمية الجمهور وعجزه عن التفكير والتمييز. جمهور كسول يكره التفكير فيملي على “نجومه” “السلعة” التي يحتاجها (المواضيع واللغة والاستنتاجات العامة)، مقابل أن يملأهم بوهم التميّز. فيسجنهم في وهم القيمة ويسجنونه في جهله.
الفايسبوك التونسي.. تبا.

الفايسبوك فضاء مفتوح واستثنائي ومستجدّ لعرض جبال من الأمراض النفسية الفردية والجماعية. وهو فضاء شديد الواقعية والحسّيّة على العكس من اسمه. ولولاه لما جاءتنا الفرصة لاكتشاف طبقات العقد النفسية العميقة التي تحرّك شخصية العربي الجماعية الكارثية.

ما يُنشر على الفايسبوك في السياسة والرياضة والعلاقات يوفر مادة كثيفة جدا لحفريات علمية نفسية جديدة تتجاوز تماما كل محاولات علي زيعور ومصطفى حجازي خاصة (الإنسان المقهور) حول الذات العربية.

وفي انتظار ظهور دراسات نفسية علمية جادة للمادة الفايسبوكية أكتفي بهذه الإشارة:

مدوّنان اثنان شهيران جدا على هذا الفضاء، ليسا صديقين لي، يكتبان بكثافة في الشأن السياسي منذ سنوات. يصلني ما ينشرانه في النقد السياسي عبر مشاركات أصدقاء كثيرين. وكلما قرأت لهما أشعر باشمئزاز مما يكتيانه لم أشغل نفسي بتحديد سببه رغم أنهما معارضان للانقلاب ومنحازان للثورة جدا.

منذ أيام انتبهت إلى أنهما حوّلا صفحتيهما إلى تخصص جديد وهو تحليل يومي لمقابلات كرة القدم. حاولت أن أفهم كيف يستطيع إنسان صاحب التزام سياسي/أخلاقي/عقلاني أن ينشغل بكرة القدم حد الهوس وأمامه إبادة جماعية لشعب كامل تُنقل على المباشر في الفضائيات وحرب ينخرط فيها كل العالم بشكل أو بآخر وانعكاساتها علينا مباشرة حينيا ومستقبلا. ونفس الجمهور المتابع لهما والمجمجم بحماس في السياسة هو نفسه المجمجم في الرياضة.

الحاصل.. نحتاج مدرسة علم نفس فايسبوك عربي جديدة…
ونحتاج تبا.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock