مقالات

ما يفعله العرب بأنفسهم أضعاف ما يفعله بهم أعداؤهم

أبو يعرب المرزوقي

ما يفعله العرب بأنفسهم هل هو دليل على “نباهة” سياسية أم هو غباء فطري عند الحاكمين في المحميات العربية ونخبهم من العراق إلى موريتانيا لأن الظاهرة واحدة فيها جميع. فهل يعقل مثلا أن يكون الخوف من ثورة الربيع التي بدأت سلمية أن يتطلب استراتيجية تنهي كل أمل في تحقيق شروط السيادة للعرب؟

لن أتكلم على ما حدث قبل الربيع -في العراق مثلا بعد أن أفلسته حربه مع إيران لمنع ابتلاع الخمينية كل الخليج وكيف تركوه ينزف- بل سأكتفي بما حدث بعد الربيع في مصر وسوريا واليمن وفي ليبيا وفي تونس: من توظيف كل ما يستطيعونه للإطاحة بالربيع ولا يزالون بنفس الرؤية يريدون الإطاحة بحماس.

الوحيد الذي يؤمن بوحدة العرب

وما أظن أحدا منهم يجهل أن ما هدد أيا منهم هو في الحقيقة يهددهم جميعا حتى إني صرت اعتقد أن الوحيد الذي يؤمن بوحدة العرب هم أعداء العرب لأنهم يطبقون نفس الخطط التي تعتبرهم الخطر المهدد لهم ولو بالقوة فيستعدون له بنفس الاستراتيجية: توظيف الحمقى منهم للحرب على الشعوب بإشعال حروب أهلية.

وهي جروب أهلية من جنس حديث طبقت بصورة نسقية في إحلال مافيات الغرب بعد هزيمة المسلمين في حروب الاسترداد في العالم كله وخاصة في العالم الذي تمكنوا من إفناء شعوبه لتكون الشكل الأول من “الأرض الموعودة” خارج فلسطين. ومن هنا الحلف بين الصهيونيتين اليهودية والمسيحية وهما من يحاربنا كوحدة.

فلا أوروبا ولا أمريكا ولا خاصة إسرائيل لا أحد منهم يشك في أننا أمة واحدة ويحاربونها بوصفنا بالقوة قادرين على تمثيل خطر عليهم وخططهم كلها هي منع انتقال ما هو بالقوة إلى ما هو بالفعل. فأي عاقل يعلم أن الوحدة ليست مجرد شعور بل لها شروط خمسة وهي حاصلة عربيا من الماء إلى الماء.

أولها وحدة المكان أو الجغرافيا وثانيها وحدة الزمان أو التاريخ ومن فعل المكان في الزمان وحدة مصادر الثروة وفعل الزمان في المكان وحدة مصادر التراث وأصلها وثمرتها في آن وحدة مقومات الحضارة أي اللغة والعقائد العامة الأساسية في رؤية العالم والوجود وهي المشترك الروحي لتميز الجماعة.

ولأن عقلاء الغرب لا يجهلون هذه الحقيقة فاستراتيجيتهم هي تفتيت المكان وتشتيت الزمان فإضعاف مصادر الثروة وتجفيف مصادر التراث وتشويه الحضارة واللغة حتى تموت اللحمة التي هي في أن ثمرة الوحدات السابقة واصلها أي أساس اللحمة الجامعة بين المنتسبين إليها فتزول الوحدة بين قبائل متناحرة.

والمعلوم أن الإسلام وجد العرب قد صاروا قبائل متناحرة تتقاسمها فارس وبيزنطة خاصة لأن كل أهل الإقليم من العراق إلى موريتانيا كانوا شعوبا عربية متنوعة فقدت وحدتها التي سعت إليها قبل الإسلام ولم تنجزها الإنجاز المثمر لإمبراطورية واحدة فحقق الإسلام بالفتح الذي حرر الإقليم من فارس وبيزنطة.

وبدأ الفتح داخليا أي هزيمة فتة مسيلمة الكذاب بدحر الردة التي وحدت الجزيرة وتلك جرأة من الصديق رغم أن الفاروق تردد ما جرأ أبا بكر عليه فقال أكرار في الجاهلية فرار في الإسلام؟ وكان دور ابن الوليد أشبه بدور قيادات حماس حاليا في بناء الشرط الثاني لاستعادة دور الأمة: أداة مشروع الثورة.

دولة المدينة

تكوين دولة المدينة وفتح مكة كان بداية الدولة لكنها لم تكن لها أداة الإمبراطورية العالمية أي ما بشر به الرسول من فتوحات تحقق الدولة الكونية للدين الخاتم الذي يحكم المعمورة كلها باعتبارها معبدا للإنسانية كلها مع تنوعها الدال على حكمة وحدتها بمبدإ أخوة “النساء 1” ومساواة “الحجرات 13”.

فاستطاعت الأمة في اقل من نصف قرن توحيد القارات الثلاث المحيطة بالأبيض المتوسط في الخلافة الأموية. لكن دخلت الفتنة في أقارب الرسول الذين نكصوا إلى الجاهلية معتبرين القرابة من الرسول كافية لإدارة الخلافة بالوراثة فانتهزتها باطنية الفرس ووظفت ذرية علي وذرية العباس فانفرط عقدة الأمة.

لم يتوقف الفتح فحسب بل انفرط عقد الأمة فأصبحت الخلافة ثلاثة أنواع: بقية الأموية في الأندلس ثم الفاطمية في المغرب ومصر ثم العباسية في بعض ما بقي وخاصة بعد بداية الغزو الصليبي وانتهت بالغزو المغولي فانتهى دور العرب في الإقليم وارتدوا إلى البداوة والأمية والتسالب والتناهب بينهم.

ولا يزالون إلى الآن رغم قشور من الحضارة العربية استوردوها على ما عليه منذئذ. وسأبدأ الآن إثبات ذلك انطلاقا مما حدث في سوريا أولا ثم في مصر ثم في اليمن ثم ليبيا ثم في السودان ثم في تونس وأخيرا في فلسطين بعد مفاجأة طوفان الأقصى التي ستنهي كل مؤامراتهم لأنها الأمل الوحيد للإحياء.

إذن بقي علي قص هذه التجارب وكيف كانت ثمرة التفكك الذي نكص إلى ما قبل حرب الردة وكل ذلك خلال ثورة الربيع دون حسبان ما حصل في العراق أو في الحرب الأهلية بين السعودية ومصر في اليمن وهي أصل هزيمة 67: سبع قصص بدايتها بسوريا ونهايتها فلسطين الطوفان. ولن أطيل القص تلميحات للحرب الأهلية.

ماذا حدث في سوريا؟

شعب ثار ليطالب بحقه في الكرامة والحرية ثورة سلمية دامت اكثر من نصف سنة لم ترد بالعنف على عنف نظام طائفي بيد الأقليات المعادية للشعب وللامة. بعدها انشق بعض أفراد من الجيش وغالبا ما كان لحماية أهلهم من جيش كان ينكل بهم. فتسلحت الثورة لرد عدوان إيران وميليشياتها.

فهزمهم الشعب السوري الذي انضم إلى صف ثورته. فاضطرت إيران وميليشياتها والنظام إلى طلب العون من روسيا بوتين. فطلب التمويل: فمول تدخله العرب. ونفس الظاهرة تكررت في مصر: مولوا ثورة مضادة من نخب عميلة ثم ضيقوا على الشعب في الضروريات حتى ينضم إلى الثورة المضادة ثم حصل الانقلاب بتمويل عربي.

ثم جاء دور اليمن:

صالح العرب بين رئيس السودان والحوثي ليحاربوا الثورة والإسلاميين -حزب الإصلاح- وسيطرة الحوثي على سلاح نخبة الجيش اليمني الذي كان حاملا لصالح. ولما تدخل الخليجيون كان الحوثيون قد أصبحوا قوة حقيقية مع ما ورثوه من جيش صالح والتدخل الإيراني. حينها تركوا استفعال الخطر.

فبدلا من القضاء على خطر تكون فرع من حزب الله على حدود السعودية دخل السعوديون والإماراتيون في تنافس على تقاسم اليمن باستعمال فتنة الانفصال الذي كان علة حربين في اليمن قبل الثورة فضلا عن الحرب بين النظام السابق والحوثيين. فاستفحل الخطر واصبح الحوثي الخانق الرابع للخليج خدمة لإيران.

فمن شماله مليشيات العراق وسوريا ولبنان الخادمة لمشروع إيران ومن الجنوب الحوثي ومن الغرب النظام الصهيوني السيسوي ومن الشرق إيران التي هي رئيس الأوركسترا التي تعد لغزو الخليج ومكة والمدينة خاصة لأن ذلك شرط التحول إلى العاصمة الروحية لكل المسلمين سنتهم وشيعتهم فتكون نهاية دور العرب.

ثم امتد إلى العماء الاستراتيجي في لبيبا ثم السودان ثم تونس وكل ذلك يجتمع الآن في غزة الحرب الصريحة لمحاصرة حماس اكثر مما تحاصرها إسرائيل: والشيء الثابت هو أن أمريكا ما كانت لتواصل رفض إيقاف القتال لو لم يكن ذلك مطلوب جل العرب.

ليس أخذا في خاطر العرب

وهي لا تفعل أخذا في خاطر العرب بل لأنها تعلم أن نجاح حماس -وهي قد نجحت في المعركة العسكرية وأكثر من ذلك في المعركة الإعلامية لأن الرأي العام العالمي لم يعد يصدق أكاذيب إسرائيل فاستعادت قضية فلسطين صدارة أحداث العالم بل لأنها تخاف على انهيار الأنظمة العربية التي تحمي بقاء إسرائيل.

طبعا أمريكا تعلم أن الأنظمة لا تحمي إسرائيل عسكريا بل هي تحميها من ثورة شعوبها على هذه “جرثومة” يحارب بها الغرب العرب والإسلام حربا أيدولوجية وتلك هي علة التخادم بين إسرائيل وإيران وانقسام العرب إلى تابع لإسرائيل وتواقع لإيران وهي لعلة تضمن بقاء أمريكا محركا لتخوفين متبادلين للعرب.

وأكثر من ذلك فأمريكا ترفض وقف القتال وتسعى اكثر من إسرائيل لأنهاء حماس لأن في ذلك ليس حماية لإسرائيل فحسب بل خاصة للأنظمة العربية وإيران. فالأنظمة العربية في حالة نجاح حماس لن تستطيع الصمود أمام الجمع بين ثورة تحرير الأوطان وتحرر المواطن من التبعية في محميات بها قواعد الأعداء.

فيعود العنفوان للثورتين: استكمال التحرير بإخراج الاستعمار من ارض العرب واستئناف التحرر لفرض إرادة الشعوب على الحكام الذين ينبغي أن يكونوا في خدمة شعوبهم وليسوا أسيادا على عبيد وعندها سيتحرر العرب والفرس والأتراك وكل شعوب الإقليم مما يفرض على مكانهم وزمانهم وثروتهم وتراثهم من العدم.

فيستردون دورهم الكوني وتعود الأمة الإسلامية إلى ما يطابق منزلتها في تاريخ البشرية: فهي أقوى أمة في المكان والزمان والثروة والتراث واللحمة وخاصة في الثقل الديموغرافي لأنها حاليا تمثل ربع البشرية ستزداد لأنها ما تزال حرة من تخريف شروط التوالد في المجتمعات الغربية التي ترهلت وشاخت.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock