حرب غزّة ستتوقّف بقرار أمريكي
لسعد بوعزيزي
حرب غزّة ستتوقّف قبل نهاية الشهر بقرار أمريكي استراتيجي، معلنا عن ولادة الإسلام…
إنّ قرار مجلس الأمن المقدّم من قبل الإمارات هو في الحقيقة لمدّ الحبل لبني صهيون عسى أن يتمكّنوا من الخروج من الورطة أو المأزق بعد تدمير أغلب كتائبهم وآلياتهم في جباليا والشجاعيّة وبقيّة أحياء غزّة، الأمر الذي اضطرهم إلى سحب لواء جولاني نخبة النخبة في جيشهم.
ولابد من الإشارة هنا إلى أنّ تغيير صيغة القرار المقّدم من وقف دائم لإطلاق النار إلى تعليق الأعمال القتالية لن يُغيّر كثيرا في المعادلة…
كذلك لابدّ من توضيح معلومة تتعلّق بالقانون الدولي، فالقرار المقدّم للأمم المتّحدة من طرف دويلة بني قريظة نيابة عن كلّ الغرب، قطعا سيقع تبنّيه هذه الليلة، ثم للأمين العام مهلة لا تتجاوز خمسة أيّام لرفع تقريره عن الوضع وعن أيّ من المتنازعين لم يلتزم بهذا القرار.
هذا التقرير يمكن مثلا أن يقع رفعه في ثلاثة أيام وحتما ستكون غزّة حسب التقرير هي من لم تلتزم به، نحن نعيش الأسبوع الأخير من القتال فلا أمريكا ولا إسرائيل قادرة على تحمّل تواصله.
إسرائيل تنزف بشدّة
إسرائيل في شبه حرب أهلية، صحيح هذه الحرب الأهلية لم تتعدّ داخل الوسائل السياسة والإعلامية، لكن إن استمر النزيف، وهو كذلك، فستمتدّ رقعة الحرب الأهليّة بالرصاص الحيّ داخل شوارع تل أبيب خاصة بعدما وزّع وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير الأسلحة على المستوطنات الإسرائيلية…
الوضع جدّ مدمّر داخل إسرائيل، لكن ناتنياهو لا زال يكابر علّه يحقّق أي مكسب ينقذ به مستقبله السياسي، ومعلوم أنّ أمريكا تريد التخلص منه ومن اليمين المتطرّف الذي يسنده، بهذا القرار فهي في الظاهر تمدّه بخمسة أيام قادمة وعلى أقصى حد قبل نهاية الشهر علّه يكسب نصرا، وفي الأصل هي تزيد من توريطه ومن خسائر الكيان الصهيوني للقضاء نهائيا على أيّ أمل له في المعترك السياسي…
الأسباب الأمريكية لإنهاء هذه الحرب متعددة :
- أوّلا : حالة العزلة الدولية التي تعيشها مثلها مثل الكيان الصهيوني.
- ثانيا : حالة الكره الشّديد الذي صارت عليه من كلّ العالم والنّفور من كل ما هو أمريكي.
- ثالثا : وهو الأهم، ما يتمّ ترويجه بشكل واسع على وسائل التواصل الإجتماعي الصينيّة، وفيما يبدو أنّها حملة منظّمة من الحزب الشيوعي الحاكم، هذه الحملة تُطالب السلطات الصينيّة باقتناص فرصة غرق أمريكا في وحل حربين معا، حرب أوكرانيا وحرب غزّة للقيام بضمّ تايوان.
الحملة تذكر أنّ هذه الفرصة لن تتكرّر أمام الصين وربّما لعقدين آخرين، فأمريكا في أسوأ حالاتها الآن ولن تتحمّل حربا ثالثة في تايوان، كذلك لن تجد من يشاركها في فرض عقوبات على الصّين كما حصل مع روسيا لأن الدول الغربية تضررت بشكل كبير من هذه العقوبات، ولو فرضت عقوبات على الصين فستدمّر إقتصاديّاتها المنهكة أصلا وستتسبّب في أزمات اجتماعية لا يمكن تحمّلها.
أمريكا المرعوبة من سيناريو ضمّ الصين لتايوان
أمريكا لم تكمل بعد نقل شركات التكنولوجيا التايوانية وعلى رأسها شركة TMCC إلى أراضيها، هذا البرنامج يكتمل في غضون عامين من الآن في أحسن الأحوال وقد رصدت له أمريكا أكثر من 50 مليار دولار من الحوافز، سيطرة الصين على هذه الشركات سيشكّل ضربة قويّة إستراتيجية وسيقلّص الفجوة الرقمية الى بضع سنوات فقط والتي تقاس الآن بأكثر من عقدين…
هنا لا بدّ من توضيح أمر مهمّ وهو التحالف المضحك للقوى العظمى ضدّ الحوثيين، ففي الظاهر سيتمّ تشكيل قوّة دولية لحماية التجارة في باب المندب، أمّا الجانب الخفيّ فهو، إلى جانب الضغط على الدول المصدّرة للنفط، هو أيضا تهديد تزويد الصّين بالنفط والتي يمرّ أغلب إستهلاكها من باب المندب، وفي صورة إقدامها على غزو تايوان سيتمّ قطع شريان النفط وتهديد كامل لصادراتها التجارية عبر المضيق…
لهذا السبب أوعزت أمريكا الى الحوثيّ التعرّض للسفن في مضيق باب المندب، من جهة لإعطائه جزء من شرف إنتصار غزّة ومن جهة أخرى للضغط على دول منظّمة أوبيك وأيضا من أجل القضاء على هذه المنظّمة أو تحجيم دورها، ففي باطن الحقيقة هو تهديد رسمي للصين…
إذا تهورّت الصين وقرّرت غزو تايوان، فسيتوقّف تدفّق النفط والحجّة الخطر الحوثي وهجماته، هذا يشكّل خسارة كبيرة للصين ووقت إضافي لوصول بضائعها إلى الأسواق العالمية وخاصة الأوروبية وهو ما سيرفع الكلفة ويجعل الصين تفكر ألف مرّة قبل الإقدام على ضمّ تايوان، أمريكا لوّحت بغلق كل المضائق التي تصل تجارتها بالعالم، وكأن أمريكا تقول للصين: التعامل معكم سيكون بشكل مختلف عمّا تمّ مع روسيا.
سنقطع عنكم طرق التواصل مع العالم وسنشلّ إقتصادكم بمنع وصول النفط لكم ليكون مصيركم كمصير ألمانيا عندما قطعت عليها أمريكا طرق إمداد النفط والتجارة، فلم يعد أمام هتلر من حلّ إلا إجتياح روسيا للحصول على النفط، كذلك سيحصل مع الصين، فإما أن تدمّر إقتصادها وإما أن تهاجم دول الإتحاد الروسي للحصول على النفط، أو الدخول في حرب عالمية مع أمريكا في صورة محاولتها الوصول إلى منابع النفط في الخليج..
ليس حبّا في غزّة
أمريكا في عجلة من أمرها لإنهاء الحرب ليس حبّا في غزّة أو خوفا على ضحاياها، فما إسرائيل وجرائمها ولا إيران وكلّ فظاعاتها إلاّ أدوات وترجمان وتتمّة لما قامت وتقوم به أمريكا والغرب منذ مئات السنين، فلم يعرف العالم إبادات جماعيّة ولا إجرام بحجم ما قام به الرجل الأبيض عبر التاريخ..
أمريكا تريد إنهاء الحرب لأنّها مُهدّدة إستراتيجيا ومصالحها تضرّرت وكامل السرديّة التي قامت عليها وبنت عليها تدخّلها في العالم انكشف وتحتاج سنوات وربّما عقود لإصلاح ما أفسدته حرب غزّة وربّما لن يتسنّى لها ذلك…
حرب غزّة تنبئُ بأفُول قوى عظمى وباستفاقة مارد قادم من أرث حضاري حكم العالم لقرون طويلة، في كل مرّة ينتفض من سباته ويعود أقوى ممّا كان، وحرب غزّة أيقظت هذا المارد وهو الآن ينفض عنه غبار ووحل العقود الطوال، فلله درّه من دين يخفت ولا ينطفئ…