في مثل هذا اليوم من سنة 2010 : رسالة الى البوعزيزي لن يقرأها أبدا
عبد السلام الككلي
هل تغير شيء بعد 13 سنة من موتك أيها العزيز محمد البوعزيزي ؟ هل تحسنت حال البلاد والعباد ؟ هل انتصرت الثورة التي دشنتها بجسمك الذي أهديته الى النار فاستقبلته بشره وحولته الى حطام؟ ما الذي جرى لنا بعدك ؟
ماذا احكي وماذا أقول لك وأنت هناك في دار السكينة والخلود ونحن هنا في منزل حمى العبث الشعبوي ؟ ما الذي حدث لنا لنعود الى اليأس الذي كنا فيه شيبا وشبابا. ؟هل تعلم أن شبابنا لا يزال يعشق النار مثلك ويلعب بها لعبة الموت في شعلة من اللهب المستعر ؟ أما الشباب الآخر الذي يخاف النار ولا يزال يعيش ببعض الأمل فيلقي بنفسه الى البحر فيصير غذاء لسمك يصير بعد ذلك غذاء لمن استطاع منا إليه سبيلا.
لماذا يا بوعزيزي فعلت بنفسك ما فعلت؟ هل تعرف انك صرت اليوم شتيمة لدى البعض يسبونك ويلعنون اليوم الذي صفعتك فيه عون البلدية لتتحول تلك الصفعة الى مصير مجهول استولى فيه القراصنة في نظرهم على السلطة وحولوا كل شيء الى غنيمة يتقاتلون كالقطط الجائعة على الفتات ويتنازعون على بقايا وطن جريح؟
ثم جاء بعد ذلك عصر الغوغاء والردة.. ذهب كل شيء أدراج الرياح أو يكاد: الأحلام وبصبص امل الحرية ووعود التنمية غير المستدامة ليحكمنا مصير غامض بفم لا يعرف غير كيل التهم والسباب ويد تهدد صباح مساء بإطلاق الصواريخ من منصاتها على شعب اعزل ليس لديه غير كثير من الصمت الذي فرض عليه وبعض من الصبر على الأذى في طريقه الى النفاد.. هل ذهب كل شيء أدراج الرياح ؟ هل كانت تضحيتك هباء منثورا وصيحة في واد أو نفخة في رماد؟
اسمح لي أيها العزيز أن أعيد نشر الرسالة التي كتبتها إليك في ذلك اليوم الحزين الذي يشبه حزني اليوم على الشباب الضائع وعلى الثورة المغدورة وعلى أولئك الذين وضعتهم يد الاستبداد والظلم في غياهب السجن حتى كاد الجميع ينساهم لولا بقية باقية من رجال القانون ونسائه والأهل الصامدين أعياهم الطريق الى سجن المرناقية ولكنهم كلما عادوا منه إليه بعد تلك الزيارات الخاطفة تجدد لديهم الأمل في عناق قريب.
وان الخلاص لقادم رغم قتامة الكلمة وسواد اللفظ
أخيرا اسمح لي أيضا أيها العزيز أن اطلب منك الغفران مما يريدون قتلك مرة ثانية غير انهم لا يعلمون أن الموت واحد وانهم لن يقدروا عليك لأنك الآن في عالم لا يعرف الموت والفناء.
رسالتي التي لم يقرأها البوعزيزي
تونس في 17 ديسمبر 2010
لماذا لم تضرب عن الطعام مثل غيرك من التونسيين وأنت الذي يعيش في بلد زهد بعض أهله في الأكل ففضلوا عنه الجوع علاجا للصمت الموصول؟
أما كان ذلك أهون على جسمك الغض وقد خبرت الجوع فصرت خير الجائعين .؟
لو كنت فعلت ذلك لكنا وفرنا لك ونحن في السنة الدولية للشباب كل العناية حتى يكون جوعك في مستوى التحديات، جديرا بتونس الغد.
إذا أفقت أيها الفتى من نومك فستكون سعيدا بالقرارات الحكيمة التي اتخذناها من أجلك وأنت ترقد بين الموت والحياة.
لقد قررنا إصدار قانون يمنع بيع الخضار على العربة لمن هم دون الأستاذية حتى لا يزاحمك في بيعها من ليسوا في علمك ومرتبتك.
لقد قررنا أيضا خوفا على اهلك من ليالي سيدى بوزيد الباردة أن نمنع عنهم الخروج ليلا لأنك تركت وراءك من استهوته لعبة النار فأضرمها في غير جسمه.
أيها الفتى الراقد بين الموت والحياة إذا أفقت فلا تنس أن تعبر عن كل آيات الفخر والاعتزاز لأنك حظيت بالرعاية ونجوت من الحريق بفضل العناية الموصولة حتى يمكنك أن تسترد عافيتك فتعود إلى البرويطة وتعود هي إليك مشتاقة تسعى إلى مشتاق..
أما إذا كرهتها فيمكنك بعد الحريق أن تجرب برد المياه العميقة مثلك مثل أحلى وأعز شباب تونس «فتحرق» أنت أيضا مفضلا الموت مغروقا على الموت محروقا… «فاحرق» أيها العزيز أو احترق… إنها تونس.