تدوينات تونسية

ما الذي يجعل القيادة الصهيونية تصرّ على مواصلة الحرب

عبد الرزاق الحاج مسعود

ما الذي يجعل القيادة الصهيونية تصرّ على مواصلة الحرب رغم أنها ترى جنودها يتساقطون يوميا بالعشرات في تنكّر صارخ لكل الأعراف العسكرية، إذ لا يمكن لقائد يحترم عسكريته وجيشه أن يدفع بجنديه إلى مهمة، حظ عودته منها حيا يقارب الصفر.. إن لم يكن الدافع قويا جدا.

مواصلة الحرب
مواصلة الحرب

طبعا أنا أستبعد ما يقال من جنون شخص نتنياهو وانغماسه المرضي في الحرب تمسكا بالحكم وهروبا من المحاسبة. لو كان ذهابه لصالح الكيان لتم إبعاده بطريقة أو بأخرى.

أرجح أن قرارا أمريكيا استراتيجيا يقف خلف استمرار الصهاينة في الحرب رغم الثمن البشري الهائل في صفوفهم وتحدي كل العالم بمواصلة الإبادة رغم موجة الاستنكار العالمية.

قرار أمريكي استراتيجي يقضي باستعمال الكيان الصهيوني الوظيفي كما لم تستعمله من قبل. استعماله في إجهاض النموذج التحرري الغزاوي الفلسطيني العربي الإسلامي في المهد. نموذج تحرري جديد يهدد النظام الرسمي العربي التابع والعميل.. ويهدد كل ما راكمته الإمبريالية الأمريكية من تسويات استعمارية في المنطقة منذ الحرب الثانية.

الحرب التي أنهتها أمريكا المجرمة منذ 78 عاما بقنبلتين نوويتين على اليابان، ها هي تستكملها الآن بأضعاف تينك القنبلتين على غزة الأصغر مساحة والعزلاء تقريبا والمحاصرة والمجوّعة.

حروب التحرير

في حياتنا الطويلة قرأنا عن حروب تحرير كثيرة أنجز فيها مقاتلو الحرية مآثر وبطولات خالدة. وكنا نتحدث عن تلك المآثر كأنها مرويات خيال لا حقائق تاريخ إنساني.

الآن، في قطعة أرض عربية معزولة ومحاصرة ويمنع عنها كل العالم الماء والغذاء والسلاح، ينجز مقاتلو حماس والجهاد ملاحم عظيمة في الصمود والعناد والتكتيك الحربي والشجاعة، وفي القدرة على تكبيد الجيش الأكثر والأحدث تسليحا في العالم (جيش أمريكا وكلبتها) خسائر يومية لم يتخيل يوما أن طرفا عربيا قادر على إلحاقها به.

المنجز الفدائي الغزاوي في السياق العربي البائس والعالمي المتواطئ أمر معجز من دون مبالغة.

ككل الملاحم الأسطورية، قد لا تنتهي الملحمة بانتصار المقاوم/ الإله، ولكن المقاوم “القيمة” “المثال” “الإنسان” أقام الحجة علينا جميعا، معتدين ومشاركين وصامتين وعاجزين، أننا دون الإنسان، وأن كل ما سنفعله “بعد الحرب”.. عيش رخيص.

سؤال بسيط:

لماذا لا يجرؤ أي نظام عربي على قطع العلاقات مع أمريكا أو على الأقل تعليقها أو حتى استدعاء سفرائها لتبليغهم احتجاجا رسميا وواضحا على عدوانهم.. بعد أن رأى العالم انحياز هذه الدولة الاستعمارية المجرمة للكيان بل قيادتها المباشرة لحرب إبادة فظيعة على أهلنا في غزة.. وعلينا؟؟؟
(طبعا السؤال موجه من باب أولى إلى الأنظمة التي ترفع خطاب السيادة والاستقلال في مواجهة الاستعمار العالمي الذي تقوده أمريكا وحلفائها الغربيون.)

جواب بسيط واختزالي و”بنيوي” :
ليس الخلل في الطبقة الحاكمة التي “لا تقرّر” شيئا. فليس بيدها أن تقرر. أي ليس الخلل في إرادة سياسية يُفترض أن تتوفر لدى من “يحكم”. وليس الخلل في مجتمع سياسي عاجز عن بلورة حلول سياسية وطنية سيادية “نظريا”، فنظريات السيادة تطفح بها أدبيات المعارضات السياسية بكل أطيافها.

الخلل في رأيي بنيوي.. أي يرتبط ببنية تاريخية راسخة شكّلها الاستعمار خلال قرن ونصف نسج خلالها شبكة اقتصاد سياسي ثقافي تنتج وتعيد إنتاج العجز والتبعية باستمرار.

ليس هذا حديثا نظريا.. منظومة الريع الاقتصادي حقيقة بسيطة ماثلة أمامنا. وهي التي تدير الاقتصاد والمال والسياسة والثقافة مدعومة برعاية استعمارية استخبارية مركزية متعددة الأقطاب ومتغيرة حسب “التوكيلات” التي تسندها مراكز الاستعمار لفاعلين إقليميين.

لذلك فشلت الثورات وتم احتواؤها ببساطة، بل وتم الانقلاب عليها بشعاراتها.
ولذلك، قد ترفع بعض الأنظمة العربية، كنظامنا التونسي الرث، شعارات سيادية شعبوية، لكنها لا تستطيع اختراق هذه البنية.. لأنها صنيعة هذه البنية.

لذلك.. تبا

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock