تدوينات تونسية

نساء فلسطين

نور الدين الغيلوفي

حين ترى نساء فلسطين اللائي أسرهنّ الاحتلال واضطُرّ إلى تحريرهنّ في صفقته التي أُكره عليها مع المقاومة،

النساء لسن أغنية سمجة يرقص عليها أدعياء لا يفهمون مقام النساء.. “نساء بلادي نساء ونصف” يتظاهر بها مَن إذا خلا بنفسه أدان بنفسه سماجةَ نظرته للنساء.

نساء فلسطين
نساء فلسطين

حين ترى نساء فلسطين اللائي أسرهنّ الاحتلال واضطُرّ إلى تحريرهنّ في صفقته التي أُكره عليها مع المقاومة، حين ترى الأمّ والبنت والأخت والجدّة، ترى أهراما جمعن بين أنوثة صارخة وصلابة عظمى، وتفهم سرّ هذه المقاومة الاستثنائية التي لوت عنق التاريخ وشدّت العالَم إليها كألّم تقف مقاومةٌ قبلها في وجه محتلّ. هذا المحتلّ هو خلاصة الشرّ الباقية في الأرض أُصيبت به أمّتُنا، وهذه المقاومة هي خلاصة العناد والكبرياء في الأرض، ادّخرها التاريخ ليرميَ بها وجه الجريمة الباقية فتسوءه ..

بعد الذي رأينا وسمعنا من أسيرات شعبنا الفلسطينيّ المحرَّرات فهمنا سرّ الكبرياء الفلسطينيّ وسحر العناد.
حُقّ لأولئك العظيمات أن يُسمَّين الماجدات.
وهل من مزيد فوق مجدهنّ؟
المجد لهنّ ولمقاومة أنجبنها..
فحرّرتهنّ.

مكارم المقاومة

تحرص المقاومة على أن تضرب العدوّ في الصميم حتّى في مشاهد إطلاق أسراه لديها.. تقلب عليه كلّ شيء إذ تبادل خشونته على الأسرى الفلسطينيّين لينًا مع أسراه.. هي لا تبادله ولكنّها تنفق من رصيدها. أمّا هو فلا رصيد له من أخلاق.. وإجرامُه يشهد عليه من يوم أن استوطن الأرض وأخذ في سحق الإنسان.

الطوفان حدثٌ تاريخيٌّ عظيم.. فيه سعيٌ، رغم أهوال الحرب، إلى إعادة الأخلاق إلى المجتمع البشريّ.
كانت غاية البعثة، في أوّل أمرها، إتماما لمكارم الأخلاق.. ثمّ أُطردت الأخلاق كما أُطرد الدين مع بدء هيمنة الرجل الأبيض المختلّ المحتلّ.. ضمن نسيج موت الإله.

طوفان الأقصى، في غايته، استئنافٌ لمكارم الأخلاق.
والمقاومة التي تجد الوقت والمزاج للمرحمة في قلب الجحيم جديرة بأن تكون الرسالةَ،
عملًا بأخلاق الرسول.

قرى غزّة تنتفض من تحت الركام

بُعث أهل غزّة من ملاجئهم يمشون راجلين كأنّهم يكتشفون أرجلهم والطرقات.. نساء.. رجال.. شيوخ وأطفال.. وفي سيارات وعلى عربات تجرّها دوابّ.. تسري الحياة في غزّة بعد أن كفّ القصف عنها.
– أنتِ من وين؟
– م الزّاتون..
رفح خان يونس.. النصيرات.. بني سهلة.. جباليا.. دير البلح.. الزوايدة.. خزاعة.. عبسان.. بيت لاهيا.. بيت حانون… البريج.. العطاطرة…

قرى غزّة وبلداتها عشنا معها ومع أهلها طوال هذه الحرب العالميّة عليهم.. نختفي مع أبنائها ونظهر حين يظهرون.. نخاف خوفهم ولا نطمئنّ إلّا بعد أن نطمئنّ عليهم.. ولا طمأنينة لنا منذ أن فتح جيش الاحتلال فوهة انتقامه الكريه.

سبق سكّانُ تلك القرى ساعةَ الهدنة إليها.. بُعثوا من تحت الركام يبحثون عمّن بقي وما بقي.. خرجوا يمارسون عودتهم الصغرى في انتظار العودة الكبرى.. والمفاتيح منذ الأجداد في الأيدي.. تحرسها قلوب في عقول.

دفنوا من استطاعوا دفنهم من أحبابهم وأودعوا المقابر مُهَجَ قلوبهم وأرواح أرواحهم.. بلعوا ألمهم والتحفوا بصبرهم.. تركوا العويل والنواح وحمدوا الله على ما بقي ومن بقي. لقد تسلّحوا، من قبلُ، بعقيدة تعلّموا منها أنّ الموت لا يسبق في الإنسان أجلَهُ. كان الثمن غاليا وكانت التضحية فوق ما يتحمّل بشر.. ولكنّهم كانوا بشرا وفاقوا في تحمّلهم كلّ البشر.. بشريّة مستصفاة من الطين العكر.

دقّت ساعة الهدنة فخرجوا من تحت الركام ينسلون في أحاديث تشرح محنة خلّفت ألمًا، ولكنّ الألم لم يطفئ بريق عيونهم ولم يقتل حبّ الحياة فيهم ولم يعدم عقيدتهم في انتصارهم.
لم يذهب به
طويلُ انتظارهم.

ماذا تفعل هنا ؟

  • جئت أرى بيتَنا،
    كان الصبيُّ يجلس فوق كومةٍ،
  • وأين هو بيتكم؟
  • هذا ركام بيتنا تراني أجلس عليه.
  • ما الذي تأسّفتَ عليه من البيت؟
  • ألعابي.. محفظتي.. كتبي.. دفاتري. آاااااااااااه
    وسحب الفتى من بئر الروح تنهيدةً أدمتني فطفرت مدامعي، ففررتُ من قدّام الشاشة.
    من نحن؟
    هل نستحقّ الحياة بعد الذي ارتكبناه من خذلانهم؟

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock