مقالات

يورغن هابرماس غاية التحريفين لثقافة الغرب

أبو يعرب المرزوقي

ثقافة الغرب حرفت مرتين:
الأولى علتها سيطرة بولص على المسيحية.
والثانية علتها استكمال لوثر لهذه السيطرة.

إذا جمعت السيطرتين تجد ما يسمونه الجذر اليهودي المسيحي لرسالة عيسى الذي يعده القرآن آدم الثاني والذي يعيد الإنسانية إلى البراءة الأصلية لتحريرها من وهم الشعب المختار ولعنة الخطيئة الموروثة اللتين تحوجاهم بسبب هذا التحريف إلى الوساطة الروحية (الكنسية سواء كانت دينية أولا ثم معلمنة ثانيا) والوصاية المادية (المافياوية السياسية سواء كانت دكتاتورية أو ديموقراطية).

والحصيلة هي دين العجل الذي تؤمن به المافيات الحاكمة في الغرب والمسيطرة على حكام مستعمراته ونخبها. لكن الشعوب الغربية في عامتها في حل من هذين التحريفين: وهذا حكم الغزالي في عامة الباطنية التي رد عليها في فضائح الباطنية.

وإذا كان للإسلام فضل في فلسفة الدين وفي فلسفة التاريخ فهو البدء بتحرير الأديان السماوية وحتى الطبيعية من هذين التحريفين وما ترتب عليهما من وساطة ووصاية حتى يكون الدين عند الله شاملا للبشرية كلها لكونه يتقدم على التحريفين ويعيد الإنسانية إلى التقويم الأحسن بأحكام سورة العصر الخمسة:

  1. التحرر من الخسر.
  2. بالإيمان الصادق.
  3. والعمل الصالح ثمرة التعمير بقيم الاستخلاف وهو جوهر الدين كما تبين ذلك سورة الماعون وسورة الرحمن وسورة هود وسورة البقرة وكل مضمون التربية القرآنية جوهر القرآن المكي والسياسة القرآنية جوهر القرآن المدني.
  4. والتواصي بالحق.
  5. والتواصي بالصبر.

لذلك فلا يمكن لمسلم صادق أن يحكم على الشعوب الغربية انطلاقا من سفهائهم ويورغن هابرماس واحد من السفهاء. ولذلك أعجب ممن يحكم بأن الفكر الغربي والنخبة الغربية منافقة ولا أخلاق لها انطلاقا من موقفه.

يورغن هابرماس
يورغن هابرماس Habermas, Juergen 18.06.1929

وقد أعلنت عن موقفي منه -ومثله فلاسفة فرنسا الحاليين كلهم وهم في الغالب يتظاهرون بالإلحاد والعلمانية لكنهم في الحقيقة ضحايا بولس ولوثر- منذ رفضه المدوي لجائزة أبو ظبي:

  1. لكن ذلك لا ينبغي أن يعمم على كل النخب الغربية.
  2. ولا ينبغي خاصة أن يشمل الشعوب الغربية.
  3. ولا ينبغي التشكيك في الكوني مما يدعيه الغرب: فالكوني من القيم لا يختلف من شعب إلى شعب على الأقل في مستوى النوايا حتى وإن تخلف التطبيق. وهذه العاهة هي بدورها كونية.
  4. فعدم تطبيق الغرب لها لا يكفي للتشكيك فيها.
  5. ولو عيرنا قيم الإسلام بسلوك المسلمين لما بقي منه شيء.

وإليكم تعليلي لما يبدوا دفاعا عن الثقافة الغربية. لكن هذه الأحكام التي تبدو اعتذارا للغرب هي في الحقيقة:
إنصاف للشرفاء من شعوبه ونخبه وفهم ممن عاش في الغرب وشاهد عاداته وممارساته ويعلم طبيعة ما يحدث حاليا في ثقافة الشعوب الغربية الحالية بفضل ما يجري فمن ثورات ونضال في شعوب العالم المضطهد وهي خاصة شعوب إما إسلامية أو شديدة القرب منهم ثقافيا (مثل أمريكا اللاتينية والأفارقة والآسيويين):

فالشعوب الغربية وخاصة الشباب منهم أميل لمطالب المضطهدين منهم لمطالب المافيات الكونية التي تضطهدهم كما تضطهدنا وهو من ثم عون للثورات التي نحن طليعتها.

ولعل دور الإسلام فيها سيزداد بحيث إن اهم ثمرة لثورة الأمة وخاصة لشجاعة حماس تعد عندي من علامات الاستئناف:

1.1. الكثير من مفكري الغرب كانوا مع العدل وإنصاف المظلومين. وجود يورغن هابرماس وأمثاله اقل نفاقا من 99 في المائة من نخبنا التي تدعي القومية والحداثة والتي هي اكثر عداء لحماس من اقصى اليمين الغربي.

2.2. يكفي مقارنة تحركات الشعوب العربية الآن تضامنا مع عزة بتحركات الشعوب العربية. فهذه تكتفي الدعاء في اقصى ما تفعل وتلك تحاصر حكامها وتفرض عليهم تغيير مواقفهم.

3.3. عدم تطبيق الغرب لقيمه لا ينبغي أن ينسب إلى الشعوب الغربية بل إلى المافيات الحاكمة التي هي في وضعية المافيات الحاكمة العربية:
فهم يخضعون لابتزاز اللوبيات الصهيونية: وتلك هي الثورة الشعبية الغربية التي توازي ما تقوم به حماس: والثورات العربية بحيث إن شباب الغرب كله شرع في الثورة على هذه المافيات التي تتحكم فيها الصهيونية.

4.4. من في الغرب لا يطبق الكوني من قيمه وهي بالأساس قيمة المعاملات التواصلية والتبادلية:

  • ففي التواصل الشعوب الغربية فيها على الأقل حرية التعبير في ما بينهم بخلاف الشعوب العربية: فالكذب والنفاق صار من علامات “النباهة والذكاء” في مجتمعاتنا المتخلفة.
  • وفي التبادل الشعوب الغربية فيها على الأقل عدم الغش في ما بينهم لأن التنافس في الإنتاج بضائع وخدمات يعتمد على التسابق في الجودة وليس في “كعور واحش للأعور”.
  • والميزة الأولى هي قيمة قرآنية بينة: فالله يقول في قرآنه الكريم بمقت اشد المقت من يقول ما لا يفعل: أي الخداع والكذب بالأقوال التي تعاكس الأفعال.
  • والميزة الثانية هي قيمة قرآنية بينة: فالله لم يعلن الحرب إلا على الربا الذي لا يقتصر على المتاجرة بالعملة بل هو يشمل التطفيف بمعنى الاستيفاء في الاكتيال والإخسار في الكيل.
  • ومن ثم فلو اعتبرنا التطبيق لكانوا هو اقرب إلى الإسلام من الكثير من المسلمين.
  • لذلك فإن التعبير عن أحوال النفس من الكثير من نقدة الغرب وقيمه بالعودة إلى ما يتنافى تماما مع قيم الإسلام التي تقتضي الحكم الموضوعي على الخصم دون التمييز بين مجال الخصومة والعدل في الحكم يجعل المتكلمين في المسألة مسيئين إلى قيم القرآن اكثر من الغرب.

ولا يمكن أن يكون الاستئناف ممكنا إلا إذا تحلى بأخلاق تحرير البشر من عبادة العباد بعبادة رب العباد -شعار الفتح- وهو المطلوب لأن نخبنا غالبها من جنس هابرماس تصهينت وهي اكره لمبادي سورة العصر اكثر من عتاة اليمين الغربي الذي يمثل توحش البعض من نخب الغرب والعرب: ولعل افضل مثال التردي الذي نراه في نخب فرنسا الحاليين
ويكفي دليلا أن “زيتون” صار قائدا فكريا وثمله وزير داخليتها ورئيسها وكل صهاينتها من المتفلسفين نموذج عبيد “مؤمنون بالنقود بلا حدود” في بلاد العرب.

ملاحظة اختم بها هذا الفصل:

المعلوم أن شعوب الغرب كلها لا علاقة لها فلسفيا باليونان لأنهم مغول الغرب ببراءته الأصلية قبل التمسيح والتهويد. ولا علاقة لهم بالمسيحية واليهودية عندما اسقطوا روما كما اسقط مغول الشرق الخلافة العباسية.

في النهاية مغول الشرق اسلموا. ويقيني أن مغول الغرب سيسلمون أيضا. لذلك فصبرا جميلا عليهم وما محاولة بولص ولوثر إلا مرحلتان سيمحوهما الاستئناف إذا حافظ حقا على رؤية القرآن لشروط وحدة الإنسانية.

ذلك هو دافع هذا الفصل وليس الدفاع عن الغرب. هو دفاع عما وضعته الآية الأولى من النساء والآية 13 من الحجرات أي مضمون “استراتيجية التوحيد القرآني ومنطق السياسة المحمدية” عنوان التفسير الذي أحاوله لتحري الإسلام من التحريف بمنهجه: التصديق والهيمنة.

والثورة الفلسطينية لم تنجح في هزيمة إسرائيل وحدها بل معها كل مافيات العالمية الإسرائيلية والإيرانية والعربية والاستعمارية الغربية وعليها أن تفرض تطبيق القانون الدولي أي التقسيم وليس حصيلة حرب 67.

فهذه الحصيلة ثمرة قوة السلاح وليست ثمرة القانون الدولي. ورغم كون هذه الأخيرة ظالمة فلا بأس من الانطلاق منها لأنها ثمرة إجماع دولي استثني منه المسلمون لضعفهم ولأن الفلسطينيين حينها لم يكونوا قادرين على منع ما حصل.

اليوم صار لهم القدرة على منع ذلك لكنهم لا يريدون طرد اليهود الأصليين في فلسطين. وهذا الحل بطبعه سيجعل المهاجرين إلي فلسطين بعد ما حل بهم في الغرب من هولوكوستوات ضيوفا والضيافة عند المسلمين لا تتجاوز ثلاثة أيام. وهي في التاريخ المديد مهما طالت تبقى دون الـ80 سنة المعادة في تاريخ اليهود.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock