يا غزة

نور الدين الغيلوفي
أعتذر بين يدي أبطالك، يا سيّدة البهاء ويا أمّ الإباء.. فقد أخذني النوم منك إليك.. كان لا بدّ لي من أن أنام لأستأنفك.. فلست في مقام أبطالك.. هؤلاء لا ينامون.. تركوا النوم لنا لا يدنو منهم إلّا بعد أخذ الإذن منهم.. ووقت انتظار.. أبطالك يبيتون على حركة لا تسكن، يحرسوننا في نومنا يحوّلون مجاريَ كوابيسنا المزمنة إلى سواقيَ ترتوي منها أزاهير الأحلام.. ويخفّفون عنّا منسوب قهرنا في دولٍ سرقت منّا الأفراح وخزّنت فينا قاتمات ألوانها.. حتّى صارت الأحزان لنا الغذاء.. لا نتداوى منها إلّا بها.

قضيتُ النهار، سيّدتي، أتبع خطى أبطالك في نشوة غرقتُ فيها عامّةَ يومي فاكتفيت بها عن حاجاتي الصغرى. ومن فرط الذهول الذي كان يعلو مع ساعات النهار، أسلمت جنبي لنوم يقطّعه ما بقي في الرأس من صوت فاطمة التريكي تغزل على قناة الجزيرة الباهرة من عربيتها اللبنانيّة الحسناء ما أسكرني.. “أيحدث حقّا؟”..
أجل..
لقد حدث
يا فاطمة.
جعلتُ من تقرير فاطمة الرشيق على قناة الجزيرة لي مهدّئا ومِهادًا.. حضنتُ نشوتي وأسلمت نفسي لنوم لا يأتي عسى أن أتخفّف من شحنة فلسطين التي تكثّفت في روحي حتّى تكشّفت منها الروح.. ونسيتُ بها الجروح.. نمتُ عنك، يا غزّة، لعلّني أخفّف عنّي ما سكنني من ضجيج الأخبار تأتيني بها الصور والأصوات.
مع صبح السابع من شهر أكتوبر جاءت الأخبار مع الشمس كأنّها من شعاعها.. شمس لم تشرق على أرضنا من قبلُ.. شمس خفتت لشروقها الشمسُ.. أرسلتُ الخيال فلم يبلغ ما ابتعدتْه المقاومة أوغلت في البَديع.. لوت عنق المستحيل وافترشت ظهره لينسى لونه ويكون منه إمكان أرغمته البطولة على الكيان.. انفتخ باب الإمكان وقد كان موصَدًا في وجه أمّة أدمنتها مرارات الهزائم وتخلّت عنها العزائم.. إمكان أن نسير على طريق الانتصار نتعلّم حسنَ ترتيب حروف (ن ص ر) عسى أن نخرج، نحن العربَ المقهورين، من نفق مظلم ألقتنا فيه دول سامتنا صنوف الهوان كما لا يفعل الأعداء بالأعداء، ولمّا سالت من الوجع مدامعنا صرخت تلك الأنظمة المحتلّةُ في وجوهنا “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” ثمّ نام الذي صرخ ونسي المعركة وتخلّى عن مواعدته الضعفاءَ بانتصار عقده في خصره قبل أن يذهب إلى النوم.. فتحلّل الوعد في النوم.. وأثخن الأعداء فينا وضاعت الأرض وأُهرق العِرض.. والوعد فينا نمضغه فلا يفيق.
اعذريني، أيّتها الغزّة فقد تهت عن نصرك في هزيمتي وقد كان أحرى بي أن أقول فيك ما يليق بك، ولكنّني لا أملك قريحة المتنبّي لأجتاز عجبي من ألّا يرقى أحد من الوصّافين إليك.. هناك في بديع ما يعزف أبطالك فتتراقص الأرواح في كلّ حرف من أبجديّة عربية لوّثها الحكّام.. فسرى الأبطال يغسلون وجهها بماء الصلاة..
في ضحى النصر المبين.