مقالات

في تبسيط الذكاء الاصطناعي وعلاقته بالمهن ومنها الصحافة

pour les nulls

كمال الشارني 

أنا فتحت أول حاسوب في حياتي في 1989 كان IBM بلغة Dos (disk operating system)، لم يكن فيه قرص صلب، بل قارئا لقرصين بحجم 5 بوصة وربع، A et B، الأول لنظام التشغيل والثاني لأقراص التطبيقات تحت معالج أنتل 8088.

الذكاء الاصطناعي

كنا نعتبر الآلة على درجة عالية من الذكاء الصناعي وقتها بما أنها “تقرأ” الأوامر التي نكتبها لها حين ندخل فيها معلومات عبر لوحة المفاتيح فتستجيب لها في معالجة البيانات وإخراج معلومات جديدة منها كنا نحتاج إلى أشهر لمعالجتها والخروج منها بمعنى، وهذا أقصى ما بلغه الذكاء الصناعي اليوم، وهي ما يسمى القدرة على synthèse وليس التفكير ولا الشعر أو الفلسفة رغم أنها أم الرياضيات والخوارزمية التي تحكم الحواسيب، هو شيء عرفه الباحثون بأنه “سلسلة من العمليات المنطقية التي تسمح لنا بالانتقال من المفاهيم البسيطة إلى المفاهيم المركبة”، لأن الآلة وقتها والآن تقوم على ما أدخلته فيها من قواعد ثم من بيانات لكي تنتج لك معلومات أعلى بناء على قدرتها غير البشرية على المعالجة، إن “أكثر الحواسيب ذكاء” بالمعنى البشري هو ديب بلو (IBM) الذي انتصر على لاعب الشطرنج كاسباروف عام 1996 الذي ما لبث أن انتصر عليه 4/2،

لقد تطورت الحواسيب بشكل قوي خلال الأعوام الخمس الأخيرة، لكن الفارق هو أن الإعلامية لم تعد حواسيب قوية، بل شبكات صناعية وافتراضية، وهي قوة الأنترنيت منذ أنترانيت 1969 في وزارة الدفاع الأمريكية، هي منظومة غوغل وأخواتها مثلا التي هي “ربوات” تطوف الشبكات بسرعة الضوء لجمع المعلومات في أقل من ثانية، منذ أنترنيت Web2 وبدء سكريبتات التعرف على الحريف: المكان، الجنس، السن، المهنة، الهوايات…، من ضغطك على رابط الطقس أو الحظ وعلاقته بما إذا كنت حجزت سفرة إلى قراءة الأخبار وحركة الماوس أو إصبعك على الشاشة المقسمة حسب دراسات اهتمام العين وصولا إلى الكمية الخرافية التي تجمعها مواقع التواصل الاجتماعي عنا كأفراد بدءا بالتصفح البريء وصولا إلى علامات الإعجاب والحب أو الرفض، روبوات تقرأ معك حتى ما لم تقرأه، لأجل أن تحولك إلى “مدخل” في قاعدة بيانات بشرية كونية.

إن محتوى هذا المقال سيصبح جزءا من مليارات المعلومات التي تخضع للمعالجة والربط بين الأسماء والأماكن والأفكار والقضايا والجغرافيا والسياسة بقوة معالجة تزداد قوة كل يوم من أجل تقديم فكرة، لمحة أو تقييما لشخص، لقرار سياسي أو صناعي أو مالي، بناء على كل ما تجمع لدى هذه الآلة الجبارة التي لم يعد لها مكان جغرافي أو وجود مادي، فهي افتراضية موزعة على آلاف الأماكن في العالم على الشبكة الأرضية وخصوصا على الفضاء الأكثر أمنا، كما يمكنها تغيير مكانها بطريقة فسيفسائية بسرعة الضوء ولها نسخ فوية mirroring في كل مكان للحفاظ على نفسها.

مثال لمقال كتب بالذكاء الاصطناعي
مثال لمقال كتب بالذكاء الاصطناعي

الخلاصة: أن هذا الكائن المعرفي الضخم الذي يصفه الناس بأنه ذكاء اصطناعي ليس ذكيا حقا، هو ليس سوى ما وضعناه فيه، لا يستطيع أن ينتج شيئا ليس فيه، هو فقط يسبقنا في سرعة النتائج، بالنسبة للصحافة مثلا: يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يعد لك مقالا بمواصفات مسبقة حول الحرب الروسية الأوكرانية، بناء على ما نشر، لكنه يستحيل عليه أن يذهب إلى قرية في القرم لكتابة ربورتاج صحفي مع سكانها حول مواقفهم، إنه يستطيع أن يمارس صحافة التوثيق والمعالجة والبيانات data journalisme، لكنه لا يمكن أن يذهب على عجل حتى على ظهر حمار وأن ينزع حذاءه لقطع أودية الفيضانات ليكتب عن مشاعر الناس وحقيقة مشاعرهم في الأقاصي المهجورة.

بقي مسألة ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيعوض موظفي الإدارة؟ طبيعي ومؤكد وقريبا، عام 2007 كنت مع صديق فرنسي في ضاحية سان دوني (93) استخرج جواز سفر في آلة حائط كان قدم لها في اليوم السابق وثائق تعويض جوازه القديم المنتهي، قريبا، ستتحول تلك القائمة الطويلة من الأوراق والشهائد والشهادات والتعريف بالإمضاء والنسخ المطابقة للأصل إلى الماضي، سيكون في مقدور الآلة أن تراجع قصة حياتك منذ أول يوم في المدرسة إلى آخر شهادة حصلت عليها وآخر صك بنكي أصدرته مع سيرتك الأخلاقية والقانونية، أي؟ والتعليم والصحة والتجارة؟ نعم، حتى التعليم، سيصبح المعلم مجرد فسحة أسبوعية إنسانية للعلاقات العامة والحالات الاستثنائية، الصحة أسرع القطاعات نحو الرقمنة، اليوم ثمة آلات تعالج عن بعد وتحلل المقاييس الأساسية للجسم عبر آلات طرفية بسيطة في البيت للسكر والضغط والهرمونات، بقيت التجارة، وهي تتطور بسرعة، لكن السلع ستبقى دائما من تركيا، لفشلنا في إقامة دولة وفيها صناعة حتى لأحذية النساء ذات حد أدنى من الجودة، والله أعلم، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock