تدوينات تونسية

الأسباب …

البيت الذي أحاط به الطّوفان من كلّ جانب في مدينة درنة

سامي براهم 

جدل أثير ولا يزال حول البيت الذي أحاط به الطّوفان من كلّ جانب في مدينة درنة ولم ينل الإعصار من أركانه ولا أصاب السيل بنيانه … جدل محتدم بين قائل بالعناية الربانية التي حمت البيت وأهله كرامة من الله لكافل الأيتام … وقائل بالأسباب الماديّة التي جعلت أسس البيت متينة و البنيان قويّا عصيّا عن الهدم …

منزل الشيخ عادل أبو دراعة الصامد في درنة ليبيا

اللّافت في هذا الجدل هو إخراج الأعمال القلبيّة من دائرة الأسباب واختزال الأسباب في الأعمال الماديّة التي يتخّذها الإنسان بذكائه ومعارفه لتحصين عيشه ومسكنه … كأنّ الحياة لا تجازي أعمالا أخرى معنويّة لها تأثير بالغ في مناعة البنيان المادّي وحسن إدارة الشّأن العامّ وإقامة العمران …

الأمر لا يتعلّق بالاستنقاص من قيمة الأسباب الماديّة والقعود عنها والتواكل على المعاني الروحية والوجدانية … ولكن يتعلّق بإدراج هذه المعاني ضمن الأسباب الفاعلة في حياة النّاس والمؤثرة في أقدارهم … فهي أعمال مكتملة ناجزة فيها جهد وجهاد وتعب ونصب وصبر ومصابرة وتضحية وإيثار وعطاء … فكيف تذهب هباء في ميزان العدل الإلهي ؟

البنيان المرصوص يحتاج هندسة منضبطة وقواعد خرسانية مسلّحة متينة وصنعة متقنة … وبنفس القدر يحتاج عمرانا روحيّا يغمره بالمعنى والقيم التي تثبّت أركانه وتشدّه إلى المتعالي … فكلاهما بنيان مرصوص يشدّ بعضه بعضا … ولا يغني أحدهما عن الآخر …

قد يسقط بنيان الأحجار وتبقى عمارة الروح والمعنى قائمة … وقد ينتفي بنيان المعاني وتبقى الأحجار ثابتة ولكن خاوية كأعجاز نخل منقعر …

لم يفصل القرآن بين العلم والعمل والأخلاق … لذلك كان أوّل القرآن اقرأ وأوسطه اعملوا وجوهره استقم …

رحم الله شهداء درنة وتقبّلهم برحمته ولطفه وعفوه

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock