
سامي براهم
جدل أثير ولا يزال حول البيت الذي أحاط به الطّوفان من كلّ جانب في مدينة درنة ولم ينل الإعصار من أركانه ولا أصاب السيل بنيانه … جدل محتدم بين قائل بالعناية الربانية التي حمت البيت وأهله كرامة من الله لكافل الأيتام … وقائل بالأسباب الماديّة التي جعلت أسس البيت متينة و البنيان قويّا عصيّا عن الهدم …

اللّافت في هذا الجدل هو إخراج الأعمال القلبيّة من دائرة الأسباب واختزال الأسباب في الأعمال الماديّة التي يتخّذها الإنسان بذكائه ومعارفه لتحصين عيشه ومسكنه … كأنّ الحياة لا تجازي أعمالا أخرى معنويّة لها تأثير بالغ في مناعة البنيان المادّي وحسن إدارة الشّأن العامّ وإقامة العمران …
الأمر لا يتعلّق بالاستنقاص من قيمة الأسباب الماديّة والقعود عنها والتواكل على المعاني الروحية والوجدانية … ولكن يتعلّق بإدراج هذه المعاني ضمن الأسباب الفاعلة في حياة النّاس والمؤثرة في أقدارهم … فهي أعمال مكتملة ناجزة فيها جهد وجهاد وتعب ونصب وصبر ومصابرة وتضحية وإيثار وعطاء … فكيف تذهب هباء في ميزان العدل الإلهي ؟
البنيان المرصوص يحتاج هندسة منضبطة وقواعد خرسانية مسلّحة متينة وصنعة متقنة … وبنفس القدر يحتاج عمرانا روحيّا يغمره بالمعنى والقيم التي تثبّت أركانه وتشدّه إلى المتعالي … فكلاهما بنيان مرصوص يشدّ بعضه بعضا … ولا يغني أحدهما عن الآخر …
قد يسقط بنيان الأحجار وتبقى عمارة الروح والمعنى قائمة … وقد ينتفي بنيان المعاني وتبقى الأحجار ثابتة ولكن خاوية كأعجاز نخل منقعر …
لم يفصل القرآن بين العلم والعمل والأخلاق … لذلك كان أوّل القرآن اقرأ وأوسطه اعملوا وجوهره استقم …
رحم الله شهداء درنة وتقبّلهم برحمته ولطفه وعفوه