تدوينات تونسية

ابتسم أيها الجنرال

ليلى حاج عمر 

لم أنتظر شيئا، فقراءة السياق تؤكّد أنّ الأساتذة لن ينالوا سوى السراب، وإن لم نُجد قراءة السياق فكيف نشرح نصّا؟

كلّ السياق يذهب في اتّجاه إخضاع نهائي للقطاعات الكبرى العمومية من أجل “الإصلاحات” الكبرى. أزمة الخبز هي التجسيد الأعلى لهذا السياق. ولم تكن استراتيجية الحجب سوى تمويها وبيعا للأوهام لقطاع عمومي مازال يعتقد أنّه بطل العملية التربوية ولا يريد أن يصدّق أنّ الزّمن يذهب في اتّجاه تحجيمه وتقليص وزنه. إنّه سياق “رفع الدعم” التدريجي المفجع عن المؤسسات التربوية العمومية أيضا. بدأ الأمر بتقليص الميزانيات وسينتهي إلى تقليص حجم القطاع وإنهاء عربدة النقابات وزئير الجنرالات. الفاعل متعدّد وإن اتّهمت “الدولة العميقة” دوما. وأجد أنّه من الغريب أن يخضع قطاع يبني الفكر ويرسّخ قيمة الحريّة في الفعل لإرادة “جنرالات” يحملون “جندهم” إلى معارك خاسرة تنتهي بهم إلى هزيمة داخليّة مريعة، في حين أنّ “الجنرال” قائد المعركة يستبطن مساندة للسلطة / العدو بحكم انتمائه الإيديولوجي والحزبي. يتمّ كلّ هذا وسط نقد مكتوم وغير صريح داخل قطاع يدرّس عن الديمقراطيّة في الكتب ويخافها ويلعنها في قاعات الأساتذة.

الوضع يجعل المسألة تتعدّى الزيادة في الأجر لتصبح محنة وجوديّة للأستاذ. كيف سيوجد اليوم وكيف سيكون حضوره في هذه البلاد التي ينقلب فيها كل شيء ويسير نحو المجهول؟ ربّما على الأساتذة أن يتركوا “الاصطفاف” نحو عقل أستاذيّ جماعيّ يمارس التفكير المشترك ويطرح الأسئلة الحقيقية المتعلّقة بوجوده وبالتّعليم، وربّما بدل أن يكون لدينا “جنرال” يكون لدينا “مفكّرو” القطاع أو “فلاسفة” القطاع القادرون على صياغة الرؤية.

ومع أنّي أعتقد أنّ نسبة هامّة ستلجأ إلى الحلول الفرديّة، تماما كما وقع حين تمّ الاستيلاء على التعليم وجرّه نحو الخوصصة منذ أكثر من ثلاثة عقود، فإنّي أومن بأنّ التعليم مليء بالعقول الفذّة والإرادات الحرّة ولي منهم أصدقاء.

أمّا أنا فخيّرت المغادرة قبل الأوان وأنا أعاين تحوّل التعليم إلى معتقل كبير يحاول التلميذ والأستاذ فيه الفرار خارج الجدران في بلاد يفرّ فيها الجميع بعد أن أخفقت في درس الانتماء والحريّة والكرامة.

درسُنا في القسم.
والآن بإمكان الجنرال أن يبتسم بعد الهزيمة الوجودية.
“ابتسم أيها الجنرال”

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock