تدوينات تونسية

“الإبتدائية”

الخال عمار جماعي

وأنا أشاهد -وربما عشت ذلك مع أبنائي- تلاميذ الابتدائي وتلميذاته وهم في أبهى الصور وأجمل الحضور وتنوّع النشاط، أشعر في الحقيقة بالإشفاق عليهم.. فكأنّي أشاهد دمى متحرّكة !.. شيء ما لا أجده كأنّهم يعيشون طفولة معلّبة مصنوعة صناعة بأصباغ مهرجين.. وبدون قصد تترى أمامي صورنا الإبتدائية.. ربما هو من تخاريف العمر المتقدّم نحو اليأس!

لا أذكر لنفسي في السنوات الابتدائية أيّ “نشاط”.. لا أذكر حتّى أنّي راجعت درسًا في البيت سوى المحفوظات اللعينة التي يرغموننا فيها على حفظ شعر رديء (من حظّي أنّي عوّضتها بحفظ القرآن في زاوية وهذه حكاية أخرى).. لا أذكر من تلك الفترة إلاّ “ساعتين الصباح عربي وساعتين العشية سوري”، كان هذا جدولنا فقط.. نُكمله في يومه ونذهب في حال سبيلنا. وننجح في كلّ عام ويتفاوت حبّنا للمعلّم بحسب علاقته بالعصا.. كان سؤالنا واحدًا دائما في أوّل العام: “المعلّم يضرب؟”.

لا نشاط ولا خروج عن الدرس ولا حفلات ميلاد ولا غناء إلا حصّة يتيمة إسمها “أناشيد” نسيت كلّ ما أنشدته فيها. ولكن من باب الإنصاف أذكر في نهاية السيزيام أنّ المدير سي الهادي الحدّاد رحمه الله (هو من عائلة الطاهر الحداد) قد جمعنا في يوم مشهود لمباريات “بين المدارس” سمعنا فيها الغناء وإلقاء قصيدة “الأرملة المرضعة” وأجوبة على أسئلة ولأوّل مرّة أرى “الغرامافون” يصدر أغنية مازلت أتذكرها: “يا نخلتي يا عالية”.. لأني عدت وأنا أدندن لحنها بلا كلمات..

لا نشاط في ابتدائياتنا غير العبث بأيّ شيء يعترضنا وتمزيق أحذيتنا وقذف الأحجار في أيّ اتجاه.. وأكل الكسكسي. ولست أمزح حين أقول أنّي أكلت لأوّل مرّة في حياتي “مقرونة صالصة” في بيت صديق إستدعتني أمّه ليفهم على يدي مسائل الحساب في السيزيام فقد كنت زمنئذ “عبقريا”! 😜.. فأصبح هو مقاولا وأصبحت أنا مدرّس كلام!

.. بمقاييسي أنا، كانت فترتي الإبتدائية “البلا نشاط” هي أنشط فترات حياتي و “البلا صور وذكريات مهمّة” هي الأجمل والأبهى 💓

“الخال”

الأرملة المرضعة
الأرملة المرضعة

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock