تدوينات تونسية

لماذا تحكم الأنظمة التسلطية على معارضيها بالسجن ؟

نور الدين الغيلوفي

المعارضون هم أرجح الناس عقلا وأكثرهم انضباطا للقانون، غير أنّ السلطة تظلّ تبحث لهم عن ذريعة حتّى تغيّبهم خلف جدران سجونها..

بتغييبهم، فقط، يزول صداعها.
الأنظمة الديمقراطيّة، لأنّها أنظمة منجِزه، فهي لا تجد وقتا لتوسعة سجونها لتُنزل بها معارضيها تحرسهم ببنادق الدولة لكي لا يتنفّسوا كما تفعل الكائنات.
الديمقراطيّة شقيقة الحرية، والحرية، عند الديمقراطيين، قيمة مقدّسة وشرط إنسانيّ، لذلك يُنظر إليها باعتبارها لازمة للإنجاز ومدخلا إلى الإبداع.
الأنظمة التسلّطيّة ليست معنية بالإنجاز ولا تهمّها الشعوب في شيء. ما يهمّها، فقط، كيف تصون عروشها وتحفظ استقرارها. الإنسان لا يعنيها لأنّها ترى فيه عبئا عليها. تلك أنظمة لا تريد مواطنين يمارسون حريتهم تفكيرا وتعبيرا، إنما تريد قطعانا من رعايا تبادلها الحرية بالطعام، والطعام قليل، والتجويع سياسة، حتّى يكون الإشفاق على الحياة ملازما يشلّ كلّ تفكير.
ولأنّ المتسلّط ظالم، فلا أحد من العقلاء يصدّق ما يتّهم به معارضيه، ذلك لأنّ الظالم خصم والخصم، في الوجدان السليم، لا ينبغي أن يكون حَكَمًا.

ما يحمل السلطة على سجن معارضيها أنّها تخافهم.. وكونها تستقوي عليهم بأجهزة الدولة لا يعني أنّها في مقام قوّة.. القويّ لا يعبأ بالضعيف.
والقويّ لا ينتقم.
والقويّ لا يغضب،
والقويّ لا يشتُم.
والقويّ لا يحتاج إلى التزييف.
القويّ الواثق من قوّته لا يضيق بمن خالفه، بل يوسع له ويدافع عنه، لأنّ في حريته ما يشهد له،
أمّا سجنه، لكتم صوته، فعلامة على اهتزاز يعيشه السجّان، يضيق بالحريات فيسلبها،
وبالأفكار فيمنعها،
وبالأصوات فيكتمها.
المتسلّط خوّاف ولا يفهم.
لو كان يفهم لعلم أنّ الحريات لا تُسلَب، والجدران لا تحجبها.
والأفكار لا تُمنَع، والأسوار لا تقتلها.
والأصوات لا تُكتَم، والمعتقلات لا تخرسها.

يبدو لي أنّ السجن بات مؤسّسة يحتكرها العرب بفعل أنظمة متخلّفة تحكمهم تكره الشعوب وتضيق بالإنسان..
أنظمة ورثت الظلم في الأرض تستدلّ به على قوّتها…
وصعودها…
على جماجم الناس.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock