مقالات

شرعية الأمر الواقع أم المقاومة السلمية المدنية للانقلاب

نور الدين الختروشي 

استمعت بانتباه لمداخلة الصديق محمد القوماني في مقر اعتصام جبهة الخلاص وقد أثارت مداخلته التقييمية والاستشرافية جدلا وصلتني أصداءه الى باريس وكان لابد من هذه الملاحظات على هامش ما طرح:

1. في تقييمه لأداء الجبهة أثار انتباهي انتقاده لفكرة المقاومة، وان المعارضة تشاركية مع الحكم أو لا تكون. ويقصد تحديدا على ما فهمت أن الحيز القانوني الذي تتحرك عليه المعارضة يفترض أولا اعترافا بشرعية النصاب الدستوري والسياسي القائم وتحديد آليات واستراتيجيات المعارضة وفق ما تسمح به حدوده وضوابطه، بما يجعل خطاب المقاومة الذي تدعو له عدة اطراف أهمها جبهة الخلاص والاستراتيجية المنبثقة منه هلامية وجذرية وعدمية بدون أفق سياسي واضح.

محمد القوماني
محمد القوماني

سي محمد يتحدث هنا عن حيز سياسي حداثي كلاسيكي يتكون من أحزاب وفاعليات هي بالملموس جزء من مجتمع الحكم وقابلة كلها أن تتحول من المعارضة للحكم او العكس. ما ينساه هذا العرض هو أن نظام الشعبوية الذي فرضته دبابة الجيش لن ينجح في إنتاج مجال سياسي طبيعي وعقلاني جوهره المنافسة على الحكم. فالانقلابات القديمة والحديثة في مشارق الأرض ومغاربها تستفرغ المجال السياسي من مبدأ المنافسة كمقدمة لاحتلالها الشامل للفضاء العام والتأسيس للشمولية.

حبذا لو يتأمل سي محمد هذه الظاهرة المتكررة في تاريخ الانقلابات وأنصبة القمع عموما فربما ينتبه أن البحث عن تسويات مع من لا يعترف بمربع السياسة هو عبث يذبح الأخلاق ولا يحقق مصلحة.

2. في سياق نقده يؤكد على أن القطيعة مع المنقلب من بقايا ثقافة “حجرة سقراط” وتهريج الحركة الطلابية بشعار القطيعة السياسية والتنظيمية مع حزب الدستور ” وان روح المسؤولية تفرض علينا أن نغير الأرضية والأفق أي أن نغادر موقع معركة الشرعية وان نتعاطى مع شرعية الأمر الواقع باستراتيجيات مغايرة لما درجنا عليه. ظاهر الموقف يبدو متماسكا رغم انه لم يحدد الأفق المغاير ولا والاستراتيجيا البديلة عن المقاومة السلمية المدنية للانقلاب.

في تقديري أن الأستاذ يحاول التوفيق بين منطق الواجب ونداء المصلحة، بتغيير أرضية وزاوية الرؤية بحيث نعيد الانطلاق من خط الممكن في اتجاه الواجب وهو المقدمة المنهجية للميكا فيلية الصلبة والسينيزم السياسي.
كل التعقيد في هذا الجدل يتصل بالتشويش على لحظة الوضوح التي ينتزعها الحق والقيمة والأخلاق من زمن السياسة الرمادي.
في جبهة الخلاص ومن خارجها انطلق المناضلون من خط الحق والواجب والقيمة والأخلاق لإنجاز الممكن من المنشود وهو إسقاط الانقلاب، واستئناف مسار توطين الديمقراطية في أرضنا.

الأستاذ اليوم وبما فهمت من طرحه يقترح كحل لما لاحظه من عجز القوى المعارضة للانقلاب في مقابل نجاحاته العينية في إنجاز وعوده وأجندته، أن ننسى سؤال الشرعية ونقف على أرضية الممكن السياسي الذي تتيحه موازين القوة لإنجاز الأدنى أو الأقصى من نضالنا ضد الاستبداد.

سي محمد عند هذه النقطة أراه اقرب إلى المعارضة الباحثة عن التموقع تحت سقف وشروط المنقلب وهذا في تصوري شكل من أشكال [التحريفية البريئة] التي تسقط في محظور إستراتيجية شرعنة الانقلاب وتأبيد زمنه.

في معارك المصير الوطني لا نبحث عن تحسين شروط وجودنا السياسي الاجتماعي على ما يتيحه فخ الإصلاحية المهادنة. فنسقط ضرورة في أخاديد مشاركة المحتل الخارجي أو المستبد الداخلي جريمته في مصادرة حقنا في الحياة باغتصاب حريتنا وكرامتنا وكل أصول وأبعاد وجودنا الإنساني.

ننطلق من الواجب كالتزام أخلاقي في تحديد موقفنا من المنقلب وعلى أرضية الواجب وهو تحديدا عدم الاعتراف بشرعية نظامه نبحث عن ممكنات تحريك موازين القوة ونكدح بحثا عن المتاح والواقعي وليس العكس لان في الاتجاه المقابل ستنطلق حتما من الاعتراف بشرعية الأمر الواقع أو الغلبة كأرضية للبحث عن الممكن والمتيسر ومراكمته ضمن خط إصلاحي يراهن بالنهاية والمحصول على القدر باسم الضرورة.

يحسب للصديق العزيز انه يحاول تحريك الرواكد والسواكن.. ويحسب عليه انه باسم جذرية النقد سقط في عدمية سياسية تتحايل على العجز برافعة الواقعية.
يبدو أن الأستاذ القوماني بقي وفيا للثقافة السياسية لليسار الإسلامي الذي بقدر ما كان ثوريا فكريا كان محافظا سياسيا.
فوائض الثورية تطوح بالسياسة الى سديم العدمية والرومانسيات الحالمة، وفوائض الواقعية ترمي بها في مستنقع الانتهازية.. وأراك يا صديقي في أفق استبدال فائض بمثله.

#يسقط الانقلاب
#مطمئن

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock