تدوينات عربية

خِيانَةَ الشعب لقضيته، أصبحت وجْهةَ نَظرٍ

عبد الإله شفيشو

(أريد أن أؤذن في أذان الناس وأقول لهم أين قضيتكم، وإلى أين وصلت؟) “ناجي العلي”
قبل سنوات وسنوات كتب “صلاح خلف” -أبو إياد- في كتابه “فلسطيني بلا هوية”: (أخشى ما أخشاه أن تصبح الخيانة وجهة نظر) كانت عبارة كتبها صاحبها وهو يرى بأم العين رفاقه المناضلين وهم يبيعون ويتنازلون عن القضية خطوة بخطوة ويخلقون لذلك المبررات والأعذار، هذا هو حالنا اليوم فقد أصبحت الخيانة ليست وجهة نظر فقط بل وطنية ومصلحة عليا للشعب المغربي وأصبح لها منظرون ومدافعون ومتبجحون بهذه الخيانة بل الأدهى والأمر أن هؤلاء الخونة يخونون ويصفون كل من يخالفهم بالعمالة للخارج بإسم الدين والوطنية، أصبحت الخيانة مشروعة بوجهة نظر هذا الشعب وبهذه الشعارات رهنوا مصيرهم بتجار الدين ثم بتجار الوطن، لا يوجد شعب على وجه الأرض وعلى مر التاريخ لم يظهر خيانته لقضيته بهذا القدر لكن شعب المغرب أضاف للتاريخ سجلا جديدا لم يسبقه إليه أي شعب من قبل لقد أصبح الخونة زعماء ولديهم أتباع ومؤيدون ومنظرون يبررون خيانتهم لوطنهم.

نبشت في صفحات التاريخ القديم والوسيط لعلي أجد حقبة ما من الحقب التي مرت بالشعب المغربي تشبه الحقبة التي نعيشها الآن فلم أجد ولست أبالغ إذا قلت بأننا عبر كل المراحل التي مر بها الوطن قرأنا عن حالات فردية مشابهة لكنها مقنعة بالخجل على أقل اعتبار، إذ لم تخل حقبة من حقب التاريخ من وجود غير معلن وغير محدود وغير معروف لخونة ومأجورين ومتخاذلين لقضيتهم، كانت الخيانة على مر العصور تجاهد كي تتوارى وتختفي ولا تظهر للعلن أما الآن فقد تمزق برقع الحياء عن وجوه البعض وأصبحوا بكل الصلافة والتعالي يجاهرون بعهرهم وخيانتهم ولا أتحدث عن غرائب ولا أبالغ ويستطيع أي كان ومن خلال تنقل سريع عبر مختلف وسائل الإعلام المرئية والمقروءة أن يتأكد من ذلك، فـ :

  • ما معنى أن يجنح البعض وبالفم الملآن إلى التشدق بمهادنة ومسايسة الفاسدين والمستبدين في الوطن؟،
  • كيف يمكن أن نفسر من يقول علانية وهو ينطق بالضاد بأن المناضل والمدافع عن قضيته بأنه خائن؟،
  • ما معنى أن يعمل البعض على تفريغ أهم وأكبر انتصارات الشعب المغربي في تاريخه من نتائجها ويجاهد كي يحول الانتصارات العظيمة إلى هزائم؟،
  • ما معنى أن نجد أعلام ورايات الكيان الإسرائيلي المحتل ترفرف في عاصمة المملكة في تحدي لمشاعر المغاربة المؤمنين بعدالة قضية فلسطين وهنالك من يدافع ويبرر التطبيع؟،

إنه الزمن الرديء أن يصبح الفاسد والمستبد وبينهما المأجور أسياد القرار في الوطن وأن يصبح المسترزق التافه ناطقا ممثلاً لإرادة الشعب تطالعنا وجوههم الكالحة المقيتة وهم يتحدثون بكل الصلافة والرياء والعهر يطلون علينا في كل وقت ويفخرون بإعلان ولائهم لأعداء الوطن الذين لم يتوانوا يوماً عن نهبه والإيغال في الشعب تشريداً وتفقيرا وعندما يصدر صوت يمثل إرادة الدفاع عن القضية تنكبّ عليه الأصوات المأجورة وتكيل عليه شتى أنواع الكذب والافتراء والادعاء، رحم الله “جمال عبد الناصر” عندما قال: (إن طعنة العدو تقتل، لكن طعنة الصديق تذبح القلب).

إن الخيانة لن تكون يوما من الأيام وجهة نظر بل ستظل الخيانة خيانة وملعونةٌ ملعون من قارفها ورضي بها وأقرها له منهج حياة فمعركة اليوم صعبة لأننا نعيش في زمن تسارعت فيه الأحداث واختلطت فيه المفاهيم وذابت فيه القيم والمبادئ الخيانة أصبحت وجهة نظر وخذلان للقضية والاستقواء بالفاسد على الأخ والشقيق سياسة حكيمة فما كان مذموما مرفوضا بالأمس القريب أصبح اليوم مقبولا بل مستحب، وإن سعي بعضِ هؤلاء الخائنين لقضية شعبهم لتجميل الخيانة بتغير اسمها فيسمونها تارة (بتجنب الفتنة) وتارة (حتى لا نكون مثل سوريا) وتارة (بالمقدور الممكن)… كل هذا لن يجعل الفساد شهدًا، ولن يجعل الاستبداد أمرا واقعا… ولَنْ يَجعلَ الخِيانَةَ وجْهةَ نَظرٍ كذلك.

إن مباهاة الخونة لن يجعل الخيانة مقبولة لا شرعا ولا عرفا ستبقى تطاردهم لعنةُ الخيانة وتلاحقهم ولئن نسي هؤلاء أو تناسَوا مصير أمثالِهم السابقين فالتاريخ لا ينسى والشعب لا يرحم خاصة أننا اليوم في زمن يسجل فيه أنفاس الناس وهمساتهم، إنه الزمن العجيب عندما تصبح الخيانة السافرة وجهة نظر، وعندما يصبح العهر أمراً عادياً يحتل الكثير من منابرنا الإعلامية والذي يمارس التضليل بالليل والنهار ويبيع الوهم للشعب ويشغلهم الأساسية عن قضيتهم بالقضايا الفارغة المعدة إعدادا ركيكا، هناك ما هو أسوأ أن يصبح للخونة مؤسسات وإعلام وكتاب بل حتى أكاديميون يبررون لهم فعلتهم الشنعاء ويهاجمون من يحاول وقف فعلتهم وأن يقبل من يعتبرون أنفسهم من المثقفين بهذه المعادلات الشاذة فيمتنعون عن الكلام حتى لا يتهموا بالتخوين والتجريح، للأسف الشديد لقد أصبحت خيانة القضية وجهة نظر وأصبح الخونة يمارسون الوطنية وحتى إشعار آخر ، من الأفضل أن يكون أمامك أسد مفترس على أن يكون وراءك كلب خائن.

عبد الإله شفيشو / فاس

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock