تدوينات تونسية

رأي في المعمعة

نور الدين الغيلوفي 

الانقلاب إلى زوال
ولكن ماذا بعد الزوال؟
الشعب التونسيّ خُدع أوّل مرّة في هذا المنقلب فوقع في حفرة يعالج، بصعوبة، ليخرج منها..
وسيخرج…
ولكن لا بدّ من الانتباه عند الخروج
حتّى لا يقع في حفرة أخرى.

الديمقراطية هي الأفق الواعد وطريق الخلاص الأوحد لشعوبنا العربيّة المعذَّبة في أرضها،
ولكنّها، في الحالة التونسيّة، مشروطة بحزب كبير اسمه حركة النهضة،
النهضة مستهدَفة في الخارج وفي الداخل مثلما أنّ التجربة التونسيّة كلّها مستهدَفة.
فإمّا ديمقراطية عمادُها النهضة المستهدَفة خارجيا وداخليا
وإمّا تنازع بين الضباع على وليمة اسمها تونس.
كل تلك الضباع تدّعي أنّها أولى بتونس وأعلى من سواها
ولا يمكن لتلك الضباع أن تتّفق على إجراء حلقة حوارية بينها فكيف ستدير شؤون دولة بكاملها وهي بهذه السماجة والعفن؟
الشاهد على أنّها لا يمكن أن تتّفق على شيء أمورٌ،
منها:

اليسار تفرّقوا تفرّقا كبيرا حتّى أنّك لا تكاد تحصي أسماء فِرقهم.. كان طلبة الوطد، مثلا، إذا قبضوا المنحة الجامعية وشربوا ليلًا لم تشرق شمس اليوم التالي حتّى تقرأ بيانا معلّقا على الجدران أو بيانات تعلن ظهور فقاقيع جديدة على الساحة الجامعيّة.. يشربون فيختصمون فيتنافرون فينشقّون… ومن كثرة انشقاقاتهم خرج فرد منهم، مرّة، على جميعهم وأصدر بيانا يحمل إمضاءه وحده لا شريك له حتّى كان الطلبة يتندّرون به فيقولون إذا تحدّثوا عنه:
(فلان الفلاني بالجامعة).
حزب نداء تونس الذي جمع من كلّ لَسْنٍ وأمّة ليقف في وجه حركة النهضة ويجمع أبناء القديمة وأجوارهم، لم تمرّ عليه سنة حتّى تصدّع وفرّ كلّ قياديّ منه بقطعة منه.
القوميون لم يلتقوا، وهم الوحدويّون، على حزب واحد قطّ، وهرب كلّ واحد منهم بفصيل ليصير زعيما يستظلّ بصورة لجمال عبد الناصر يتمسّح على قسمات الزعيم عسى أن يفيض عليه بما به يصير رمزًا.
هؤلاء جميعا لا يمكن أن يجتمعوا على نفع، فكيف سيضحّون بأنانياتهم لأجل تونس وكلّ منهم يرى نفسه هو العلَمَ الذي في رأسه نار؟
في مقابل كلّ هؤلاء حركة النهضة التي رابطت في الشوارع والساحات ودفعت من لحمها دفاعا عن ديمقراطية لا ترى ظلّا لها إلّا تحت ظلّها.

تونس، إذا أرادت أن تصنع حداثتها السياسية، لا بدّ لها من الديمقراطية، والديمقراطية لها حرّاسٌ عنيدون على رأسهم حركة النهضة.
لعلّ قدَر الديمقراطية العربية أن تستظلّ بالنهضة وأخواتها لأنّهم بدورهم يستظلّون بها من ويلات الدكتاتوريات التي تظلّ مرتبطة بالأجنبيّ الذي يريدنا أتباعا له نخضع لأوامره لا نظراء نحاوره وننافسه ونعانده.

لستُ أدافع عن حركة النهضة لذاتها وليس الدفاع عنها بعيب.. أنا لا أدافع عن غير الديمقراطية أراها الوصفة الكفيلة بإخراج بلادي من ظلمات الدكتاتورية إلى أنوار الحرية…
ولو كان حزب العمّال الشيوعي في نشاط النهضة ونضاليتها وعنادها وكبرياء أبنائها لكان هو موضوع دفاعي…

الحرية سيّدة المعاني
والاختلاف ضرورة عيش
والديمقراطية أرضية تنافس
والتداول يجعل السلطة تدور
والشعب يصطفي خياره لحكمه.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock