تدوينات تونسية

لصالح من كل هذا الحقد ؟

عبد القادر الونيسي 

الزيتونة هي أحدى نعم الله على تونس. فكر مستنير يمقت التكفير ويؤسس لثقافة الإختلاف ويجيب على أسئلة الزمان والمكان..

ليس من باب الصدفة أن يكون إبن خلدون مجدد الفكر الإنساني كما يسميه علماء الغرب من الزيتونة.
ليس من باب الصدفة أن تكون نساء تونس رائدات في مجال تأسيس المستشفيات والجامعات (عزيزة عثمانة وفاطمة الفهرية) أو التشريع في الأحوال المدنية (أروى القيروانية).
في هذا الباب لا بد من التذكير بأن مؤسسة الحركة النسوية الحديثة هي الزيتونية بشيرة بن مراد التي حبسها بورقيبة لأنها إستنكرت منحاه الإستبدادي.
تجب الإشارة كذلك في هذا الباب للزيتوني الطاهر الحداد صاحب كتاب إمرأتنا في الشريعة والمجتمع والذي إستفتى فيه عشرة من كبار علماء الجامع الأعظم.
لا أغفل كذلك عن الجهد الفارق الذي بذله شيخنا محمد صالح النيفر في تعليم البنات والذي كان سابقاً حتى لبعض دول أوروبا.
يجب التذكير بأن أول دستور في العالم العربي صاغه علماء الزيتونة (الشيخان سالم بوحاحب و أحمد بن أبي الضياف).
كذلك لا ننس أن تونس سبقت فرنسا وأمريكا في إلغاء الرق والوثيقة خرجت من رحاب الجامع المبارك.

جامع الزيتونة

جامع الزيتونة

تاريخ تونس الحديث إنطلق كله من رحاب الجامع تأسيس أول حزب، الحركة الوطنية. إتحاد الشغل، النخب السياسية ما قبل الإستقلال والتي مع الأسف قل أن نجد لها نضيرا بعد الإستقلال.
المؤسف أن الحركة الثقافية في تونس إنطفات بإنطفاء الجامع الأعظم ولم تنتج في غالبها إلا الرداءة.
أين نحن في الشعر من بلقاسم الشابي وسعيد بوبكر ومصطفى خريف والشادلي خزندار وفي الأدب من العروسي المطوي والبشير خريف وعلي الدوعاجي وغيرهم كثير وكلهم نهل من رحاب الجامع.

وأزيد و أقول كذلك في السينما الطاهر شريعة وعمار الخليفي وفي المسرح محمد الحبيب وعلي بن عياد والتجاني حمدة وفي الرسم زبير التركي و في الموسيقى الشيخ خميس ترنان ومحمد التريكي بعد هؤلاء الأفذاذ زحف اليسار على هذه الفنون فجعلها منصات للفساد والإفساد..

حتى الحركة الإسلامية التونسية ليست كغيرها في شتى بقاع الأرض ربما هي كذلك من بركات الجامع .
ضربت هذه الحركة مثالا في التناغم مع عصرها بل كانت مثال الإعتدال والقبول بالآخر تحت قاعدة المواطنة والصبر على الأذى بل بالغت أحيانا في محاولة كسب رضاء نخبة قالت لها ما قاله المروزي بخيل الجاحظ “لن أعرفك ولو خرجت من جلدك”.

إذن لماذا كل هذه العداوة مع الموروث الجامع للشعب ؟
في تونس وحدها مع الأسف تتنمر النخبة بشعائر الإسلام وتعمل على إقصائه من الحياة العامة.
أهو نتاج سياسة دولة الإستقلال الثقافية والتربوية أم هو الجهل بالإسلام والخوف على مكاسب وهمية يخاف البعض من الإرتداد عليها لجهله أن الحرية هي أحد أعظم مقاصد الإسلام.
لم أجد لهذه العداوة تفسيرا في السياق التاريخي أو المعرفي ولهذا أطرح السؤال ولكنني لا أقبل ذلك الجواب المعلب كلهم صبايحية فالجواب أعمق من ذلك بكثير.

“إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ”.

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock