عبد العزيز الرباعي
المعلوم أن الدولة بمفهومها الحديث… قامت على فكرة الإنتباه إلى المكان… المكان المحدد بمجالات معينة ومضبوطة مرسومة على خرائط ورقية… هذه الدولة لا تقيم كبير وزن لا للمعتقد ولا للأعراق ولا للطبقات (على ما يزعمون) بل هي تتعامل مع الجميع على قدم المساوات وتتيح للجميع نفس الحقوق ونفس الواجبات وهو ما يعرف بالمواطنة… وكل المواطنين سواء…
هذا هو المفروض… أن لا تمييز بين المواطنين ولا إقصاء ولا فرز ولا عصبيات.. وإلا فإننا نخرج من مفهوم الدولة الوطنية لندخل في مجال الدولة القائمة على العرقية أو الدين أو الطبقة أو العصبية القبلية….
الدولة الحديثة يتم تداول السلطة فيها عبر الانتخابات.. فالكل يحق له المشاركة في الحياة السياسية والتعبير عن أفكاره طالما التزم بالقانون والسلمية…
قيس سعيد مدعوما من أنصاره (تنظيم سري) في بداية الأمر عبر عن التزامه بأسس الدولة الحديثة… وأقسم على احترام الدستور والدولة ومؤسساتها المنتخبة… ثم خان العهد وانقلب على المسار برمته…
بعد انقلاب 25 جويلية أصبح سعيد المغتصب للسلطة بقوة الدبابة يصنف التونسيين إلى ثلاثة أصناف..
- أنصاره وهو من يعتبرهم الشعب.
- من قبلوا بانقلابه وهو يعتبره أدوات له من أجل التمكين لنفسه وتصفية معارضيه.
- معارضوه وهو يعتبرهم خارج الشعب ومجرد حشرات ومخمورين وفاسدين وغير وطنيين ومتآمرين ولا حق لهم في المشاركة في أي شيء…
إذا فنحن أصبحنا أمام سلطة تقوم على القوة والغلبة والعصبية والإقصاء والقهر… قيس سعيد منذ 25 جويلية 2021 أصبح يحتكر كل شيء في يده… ولا يعتد إلا برأيه ورأي من يرى أنهم موالون له موالاة عمياء…
وهنا نحن خرجنا من مفهوم الدولة الوطنية إلى الدولة الطائفية… فقيس سعيد وطائفته يستبدون بالحكم ويحتكرونه لأنفسهم ولا يقبلون مشاركة أحد لهم في الحكم… لأنهم لا يرون أنهم مواطنون وإنما هم أعداء وخونة يجب وضعهم تحت الإقامة الجبرية وحرمانهم من كل حقوق المواطنة وترهيبهم وتشتيتهم ومنعهم من التنظم والتعبير…
فعن أي جمهورية تتحدثون… ومن تستبلهون وتستحمرون؟
الاستفتاء الحالي لا يراد منه إلا تقديم الضوء الأخضر للدكتاتور قيس سعيد من أجل إقامة نظام على غرار النظام السوري.. حيث تحتكر طائفة العلويين السلطة… وفي تونس يريدون من خلال الاستفتاء التمكين النهائي للطائفة القيسونية…
والتاريخ والتجربة تقول.. أن من وصل إلى الحكم بالقوة والعنف ووضع الدبابة أمام إرادة الشعب… فإنه أبدا لا يمكن أن يترك السلطة بواسطة السلم والانتخابات والقانون…
الشعب يتلاعب به الإعلام… وكل همه الجري وراء المتع واللهو والعبث والمجون… وقلة هم من يدركون حجم المأساة وحجم الشر المتربص بالبلد… نحن لا حيلة لنا سوى أن نوعي الناس وأن نرفض بكل ما أوتينا من قوة أن نكون شهود زور على ما يحاك من مؤامرات ضد البلاد… ولذلك نحن نقاوم.. وسنقاوم لآخر رمق… ونسأل الله أن يهدي الناس ويثيبهم إلى رشدهم قبل فوات الأوان..
والله غالب على أمره… ونحن لا اعتراض لدينا على قضاء الله وقدره.. ولكننا مطالبون بالسعي من أجل دحر الظلم والضرب على يد الظالم والتصدي للطغاة وعدم الركون لأهل الباطل.. ونسأل الله أن يرفع عنا هذا البلاء.. إنه سميع كريم مجيب الدعاء…
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.