نصر الدين السويلمي
أمّا السيّدة التي تمّ استضافتها فلا يجب التركيز معها طويلا، لأنّها مسرحيّة مكرّرة مستهلكة سقطت من ثلاثيّة الأبعاد إلى أحاديّة الأبعاد، ولم يعد لها ذلك التأثير المدمّر الذي كانت تلعبه خلال محنة الثّورة الكبرى “2012-2013-2014″، واليوم وبعد أن استحال على أصحاب النفوذ المالي السّياسي إسقاط الثّورة باستعمال راجمات الإعلام، ثمّ وبعد أن استحال على الثّورة إسقاط الإعلام النوفمّبري وتنقيته من جينات الرمضاني وعبد الوهّاب عبد الله، أصبح الخيار الوحيد أمام تجربة الانتقال الديمقراطي أن تتحصّن ضدّ الفيروس الشرير الذي لا هو تحوّل إلى فيروس أليف فتتقي تونس شرّه ولا هو انخلع فأراح التجربة من هالة الاحتياطات، لتنزع القناع وتلقي بالجوارب وجميع ألبسة الوقاية وتنشغل بالبناء والتشيّيد.. إذا فعيشوشة ومن أتى بعيشوشة ومن يموّل من أتى بعيشوشة، تلك ظواهر يجب أن نتحصّن ضدّها ونتعايش معها، وفعلا من يعاين تأثير العصابات المتلفزة سنوات خلت ويراها اليوم يتأكّد أن حيلها هرمت وفيروسها بات يعاني من حالة إنهاك شديدة، يسعل فيرتدّ عليه رذاذ سعلته المرهقة.
أمّا كردونة الرئيس فلا تبتعد كثيرا عن بُرنس الرئيس! ألم يتحوّل زينة الرجال وعبق التاريخ البربري وبردة الأجداد، ألم يتحوّل البُرنس إلى مسخرة ومذمّة بفعل سحرة فرعون نوفمبر فقط لأنّهم لمحوه على كتف رئيس شريف.. إذا ما بالهم سفّهوا حركة إيجابيّة قام بها الرئيس قيس ودخلوا في عمق نواياها وحوّلوا وجهتها إلى عمليّة استعراضيّة ثمّ بشّعوها ثمّ أدانوها، وحتى إن كانت من جنس الاستعراض، ألم نكن تحت رئيس يستعرض علينا بالمشانق والزنازن والسياط والقوارير والعصي والاغتصاب والقتل بالقانون وخارج القانون والدفن في الجسور.. فماذا يضير إذا استعرض الرئيس قيس وتقرّب إلى شعبه بحمل الكرادين وبالذهاب إلى المقهى وبرفض الإقامة في القصر الجمهوري وبلا قبلات وأحضان.. تلك ثقافة التمييع، ميّعت القبلات وميّعت الأحضان ميّعت التحام الرئيس بشباب ما وراء البلاكات، أصبح تقبيل واحتضان الشاب العاطل جريرة يرتكبها الرئيس!!! بينما كانت سحائب الثناء تغدق على الرئيس عندما يطلق من سجنه مناضل في رمقه الأخير، شكرا للرئيس الإنسان، لقد أطلقت أعداء تونس ليموتوا في ديارهم.. ما يقارب من هذا قالوه على طاغية نوفمبر حين كان يرسل الإسلاميّين للموت في ديارهم بعد أن يئست منهم الزنزانة.. ليرفع الرئيس مليون كردونة ولا يرفع بندقيّة واحدة في وجه شعبه.
أمّا الرئيس، فلا ننتقده لأنّه يمارس التواضع، ولا نفعل كما تفعل كتل الغباء التي سرعان ما ملّت من الحرّيّة وأصبحت ترغب في غمز الحرّيّة ونكئها، ذلك الغباء الذي كلّما تواضع الرئيس كلّما هزفوا في وجهه “وكان خليت عليك من البوس ومشيت تو لهيت بمهامك”!!! وكأنّهم ملّوا من قبلات بن علي الحارّة فبردت عواطفهم، وكأنّهم ملّوا من أحضان الطرابلسيّة وزوّار الليل ولجان اليقظة، فلم يعد يستهويهم حضن الرئيس، في تونس فقط رأينا الجوعان المتهالك يعاف الطعام الطازج، كانوا يتساءلون هل فعلا ابتسم محمّد زين العابدين بن علي في المنصّة حين كان يتابع المباراة؟! اليوم يتذمّرون لمّا يبوسنا الرئيس ويحضننا!!!
نحن ننتقد الرئيس على تصريحاته حول مرحلة السنوات الماضية حين وصمها بالفشل، حين سفّه مرحلة تاريخيّة، خاضت فيها الثّورة معركة البقاء باقتدار، واستعملت فيها دفاعات ذاتيّة بسيطة لكنّها مشحونة بالإصرار، وتجاوزت أطنان المال المنفّط الذي هجم ليقتلع التجربة كما اقتلعها في مصر وغيرها، نحتجّ على الرئيس لأنّه فشل في تقدير الملحمة الوطنيّة الخالدة التي خاضها أبناء الثّورة لإبقاء تجربة تونس على السكّة.. ننتقد الرئيس لأنّه يغمز في النظام الشبه برلماني الذي فرّق شمل السلطات وحمى تونس من التغوّل وأشرك الجميع في صناعة تجربة الشرف العربي، ننتقد الرئيس لأنّه يطرح الأفكار الغامضة في صندوق مغلّف، لأنّه أحاط نفسه بعناصر لديها ما تقوله في عالم الإقصاء والاستئصال، ننتقد الرئيس لأنّه يرغب في الانطلاق من الصفر ولا يرغب في البناء على 9 سنوات من الإنجاز، وأيّ إنجاز أرقى وأروع من أن تبقى على قيد الحياة حين يغمرك طوفان الموت، نحن الذي بقينا على قيد الحياة حين هاجمتنا إيبولا الصحراء وسارس الكنانة وكورونا طبرق، أيّ نعم نحن نحب الحياة ونستطيع إليها سبيلا، بل نحن قطعة أصيلة من الحياة، بل قلبها ورحاها ومدارها، نحن مستقرّها ومستودعها.
ندفع الرئيس كي يكون لبنة في مسيرة الانتقال الديمقراطي الناجحة بشهادة العالم، لا أن يوحي للمحيط بأنّه جاء لإنقاذ مسيرة الانتقال الديمقراطي! أمّا الكردون والأحضان والبوس، فأرجو أن نتعظّ ممّا فعلوه بالمرزوقي، حين اقترب من الشعب بجرعات لا تسمح بها نواميس السدنة، فرموه بالشعباويّة.. دعوا الرئيس يقبّل، فقبلات الرئيس أكثر دفئا من قبلات الغواني، دعوه يحضن فشتان بين أحضان العواطف الثائرة وأحضان الغرائز المثيرة.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.