مقالات

تحليلات استراتيجية أم حرب نفسية عربية على الذات ؟

أبو يعرب المرزوقي

بدوت في تغريداتي حول تحليل ما تلا مقتل قاسم سليماني وكأني أعبر عن موقف غاضب من المحللين علته موقف منحاز لأمريكا ضد إيران وفاقد للموضوعية التي يتظاهر بها جل المحللين العرب الذين اعتبرت تحليلاتهم حربا نفسية على الذات ولم أتكلم على المحللين المعبرين عن طرفي المعركة.

فهل معنى ذلك أني استهين بالمحللين العرب واحترم المحللين المعبرين عن موقف طرفي المعركة؟
أم أني اميز بين المحلل الذي له بالطبع وظيفة الحرب النفسية على عدوه جزءا لا يتجزأ من المعركة وبين من لا ناقة له ولا جمل في المعركة الجارية بين عدوين كلاهما لا يريد بنا خيرا؟
وهذا هو ما أريد بيانه حتى يتأكد القارئ الكريم أني لست منحازا لأحد الطرفين لأني أعلم أنهما كلاهما عدو للأمة.

وطبعا فمن البديهيات عند الاقتصار على موازين القوى المادية أن يكون الأمر محسوما لصالح أمريكا.
ولو كان كلامي على موازين القوى بهذا المعنى لكان عين الحمق في التحليل الاستراتيجي.
فلو الأمر في الحروب مقصورا على هذا العامل الوحيد لكنا في غنى عنه.
ما هو أساسي في التحليل الاستراتيجي يعتبر الكلام على موازين القوى المادية فيه مجرد بداية للحسم في أمرين غير مرئيين في كل حرب يتحديان الفاعلية المادية الظاهرة إلى فاعلية خفية جعلها ابن خلدون سر الفهم الاستراتيجي في كلامه على الحرب:

الأول هو الحرب التي تقع بالصدفة أو التي تبدو كذلك كما في حالة الحرب العالمية الأولى التي بدأت بمجرد عملية إرهابية قتل فيها ولي عهد النمسا.
ويمكن أن يقال إن قاسم سليماني يمكن اعتباره من حجم ولي العهد النمساوي بالنسبة إلى إيران.
الثاني وهو لا يقل أهمية عن الأول هو نوع الحرب عند طرفيها عندما يوجد خلل في توازن القوى المادية أي حرب المناجزة بالنسبة إلى أمريكا لقدرتها عليها بمقتضى موازين القوى المادية وحرب المطاولة بالنسبة إلى إيران التي لا تقدر على سواها مع أمريكا لأن عدم التوازن ليس كميا فسحب بل هو كيفي.
وكل تحليل استراتيجي يقف عند موازين القوى بالمعنى العسكري الظاهر ليس جديا ولا اعتبر صاحبه ممن يفهمون في معنى التحليل الاستراتيجي.
فالعامل المؤلف من هذين الوجهين العميقين هو سر المفاجئات التي تحول دون الاكتفاء بالأول وغالبا ما تكذبه.

ومن يعلم ذلك لا يمكن أن يقصر التحليل على موازين القوة الظاهرة. وإذا أغفل الموازين العميقة بقصد أو بغير قصد فهو لا يفهم القصد بالتحليل الاستراتيجي الذي اعتمده في كل ما أكتبه حول الاستراتيجيا التي لا أزعم فيها الاختصاص لكن لي بها دراية لا بأس بها.
وهذا كاف -مع شيء من البون سونس أو العقل السليم- لأفهم الوضعية التي من الآن أقول فيها إن الرد الإيراني أيا كان لن يكون إلا لصالح أمريكا لأنه يحقق أهدافها على الأقل القريبة والتي كانت منتظرة من دور إيران وروسيا في الأقليم وفي قلب هذه الأهداف لمصلحة إسرائيل وهو ما أعنيه بأن إيران خسرت الحرب وبصورة نهائية.

لذلك فأهم ما يستفزني في التحليلات التي اعتبرتها مخلة بشروط فهم ما يجري وبالمشاركة في الحرب النفسية على الأمة هو اكتفاء المحللين العرب بنوعيهم أي:

من كان على حسن نية وأعطى كل ما يستطيع بالانطلاق من ظن أمريكا مكتفية بتوازن القوى ولم تعد العدة للعاملين الأخيرين.
ومن كان أجيرا يعلم أن أمريكا أخذتهما في الحسبان في هذه المعركة وأن ترومب لم يكن يمزح لما علل توقيت الضربة بأنه دال على نهاية الحرب وليس على بدايتها.
والسؤال الآن هو:
ما شروط حرب المطاولة التي يمكن أن تقلب الموازين؟

لن أتكلم على موازين القوى الظاهرة أعني:

القوة العسكرية.
والقوة الاقتصادية.
والحجم الديموغرافي.
وصلابة المحرك الروحي أو إرادة الجماعة المحاربة كما تتجلى في بعدي كيانها التاريخي زمانا والجغرافي مكانا.
وأصل ذلك كله وثمرته في آن هو التقدم العلمي والتقني ومرونة النظام السياسي واستقراره.

فكل هذه العوامل مفروغ من كون إيران لا تقبل المقارنة فيها مع أمريكا بل لا أحد الآن على الأقل يقبلها في التاريخ المنظور بمن في ذلك الصين.

أما روسيا فهي أوهى من بيوت العنكبوت ولم تعد قوة عظمى إلا عند الجاهلين بمعنى القوة في عصر العماليق.

فليس لإيران في أي من هذه العناصر الخمسة ناهيك عن مجموعها الحجم الذي يمكنها من محاربة أمريكا لو كانت تعتمد على حرب المناجزة كما يحدث عادة بين قوتيين لهما توازن معقول في هذه العوامل الخمسة.
وقادة إيران ليسوا أميين فيجهلون ذلك.
وليسوا حمقى مثل المحللين الذين يطبلون لهم فيقدموا على الانتحار إذا لم يأخذوها بعين الاعتبار.

وإذن فالكلام هو على ما يعوض عدم التوازن هذا.
وهو ما توهمت إيران قد حصلت عليه لكنها فقدته لأنها تجاوزت الحد المعلوم للحفاظ عليه وخاصة في علاقتها بمن جعلتهم مجرد أذرع تابعة كالحال في العراق وسوريا ولبنان.

ولما تسمع عبد الباري عطوان ترى بالعين المجردة الحمق متجسما والنذالة متجولة في شكل نباح يشعرني بالتقزز مع شيء من مهانة النخب العربية وهي غالبة لدى من تفرغ للإعلام وللتحليل فيها.

وما يؤلمني ويحز في نفسي أن النخب المورطة في هذه الجرائم جلها من شعوب هي من أكثر أقطار الأمة تضررا من هذه العمالة للأنظمة العربية سواء ما كان منها تابعا لإيران أو لإسرائيل.
ولست بحاجة لمزيد التوضيح فالإشارة تسد مسد العبارة.

والآن فلأتكلم في الحل الذي يستعمل دائما في حالات اختلال التوازن. فهو ليس جديدا وليس خاصا بإيران بل هو الحل الذي يعتمد على استراتيجية المطاولة بلغة ابن خلدون أو ما يسمى في لغتنا الحديثة بحرب الاستنزاف بالطريقة الشعبية مع قدر متنام من الحرب الكلاسيكية بالقدر الممكن لها.

وفي المطاولة يتزامن التصدي البدائي ومعه في آن مساعدة على تعلم فن الحرب و تطوير أدواتها التي لا بد منها في لحظة ما في أي حرب لتحقيق العوامل الثلاثة المكملة والمحققة للنصر الحاسم في الحرب أي حرب:

كسر جيش العدو.
واحتلال مصادر قوته.
وقتل روح المقاومة لديه.
ولا توجد حرب استنزاف معدة لهذه النتيجة من دون قوة مقاومة أي صمود ونفس طويل ومصادر قوة بصدد التطور.
وهو ما يقتضي الشرطين التاليين اللذين خسرتهما إيران.

ولعلم أمريكا بذلك قال ترومب ضربتي أنهت الحرب ولم تبدأها:

الأول يحول دون صاحب حرب المناجزة والقدرة عليها من خلال تجنب الصدام المباشر الذي يقضي على عامل الصمود فيها. وهو نشر القوة القليلة في المكان الواسع الذي يجعل المناجز عاجزا على الضربات الحاسمة أو جعل أي ضربة تكون كلفتها الاقتصادية غير مشجعة عليها.
فالإيراني يمكن أن يقتل أمريكي بكلفة لا تتعدى دولارا واحدا لأن الأمريكي منتشر في ساحة المعركة انتشارا يعسر حمايته بدون كلفة كبيرة جدا.
والأمريكي يحتاج إلى الملايين لضرب شخص أو مؤسسة إيرانية بصاروخ كلفته لصنعه أولا ولاستعماله ثانيا ما يتطلبه من رصد وتوجيه ومراقبة حتى يكون الهدف مناسبا للكلفة.
وهذا هو سر دور توسيع ساحة الحرب سلبا ضد ضربات العدو.
أما إيجابا فلأن ذلك يجعل ضرب إيران لأمريكا يأتي مما يمتنع توقعه بسبب الانتشار الواسع.
ليس لما بدا من غضب في موقفي أدنى انحياز لأمريكا.
ولا علاقة له بما يتوهمه المحللون الذين أعتبرهم مشاركين في حرب نفسية على الأمة.
إنما هو تعبير عن العجب العجاب من تجاهلهم لهذه العوامل التي من يجهلها أو يتجاهلها لا بد من التشكيك في دوافعه وفي علمه.
فلست أجهل أن أمريكا عدو للأمة.
وأكثر من ذلك فأنا أعلم أن عداوة إيران لنا لا تكفي لتكون علة لجرأتها على العرب لو اكتفينا بالتفسير التاريخي لعلاقتنا بفارس عندما فتحناها.

فذلك وحده لا يكفي لفهم ما يحدث لو لم تكن استراتيجية إيران ثابتة ولم تتغير منذ بداية التخطيط للانتقام من العرب واسترداد الإمبراطورية الفارسية بدءا باغتيال الفاروق وصنع كذبة آل البيت.
وهي كذبة لا أصل لها في الإسلام لأن القرآن:

جعل العلاقة بين المؤمن وربه مباشرة ولا وساطة فيها.
وجعل علاقة الامة بحكم نفسها غنية عن الاوصياء.
وخطة الفرس كانت ولا تزال البحث عمن يركبون ‘حب آل البيت’ للثأر من الفتح العربي لأنهم لا يريدون عبادة رب العباد بل العودة إلى عبادة العباد.

فلو لم يكن الصليبي (أوروبا الوسطية) ثم المغولي (الشرقي) ثم الاستردادي (البرتغال خاصة) ثم الاستعمار الأوروبي (قبل الحرب العالمية الثانية) ثم أخيرا المغولي الغربي (تفرد أمريكا في العالم) بحاجة إلى إيران لما تجرأت علينا لأنها مهما زعمت لا وجه للمقارنة بيننا وبينها في كل مقومات القوة الفعلية مادية كانت أو روحية أو حتى حضارية بخلاف ما يتوهمه الكثير ممن يتغنون بحضارة فارس.

وما كانت فارس قبل الإسلام إلأ قوة مادية لها امبراطورية من جنس الأتراك قبل أن يصبح لهم رسالة هي الإسلام: فاليونان كانوا يعتبرون الفرس أمة متوحشة عديمة الحضارة الروحية والفلسفية والعلمية.
ويمكن أن نعتبر الفرس قد أصبح لهم قوة حضارية بفضل الإسلام خاصة وقبلها جزئيا بفضل الغزو المقدوني وتأثير الفلسفة اليونانية.

والدليل الأول أنك لن تجد في تاريخها قبل هذين العاملين أسماء كبيرة في العلوم أو في الفلسفة أو حتى في الأدب إلا النزر القليل بعد الغزو المقدوني.
والدليل الثاني وهو الأهم فكل إبداعات الفرس مكتوبة بالعربية وتأثير آداب العرب ولغتهم في تراثهم لا ينكرها إلى جاهل.
ولذلك فكذبة الحضارة العريقة بالمقارنة مع العرب علتها كذبتان:
▪︎ نفي أن يكون العرب هم أهل الأقليم من قديم الزمان
▪︎ ونفي دور الإسلام في جعل غير العرب فيه يصبحون ذوي حضارة كونية.

وإذن فالفرس يحاولون دائما ركوب موجة عدوان قوي على الأمة ليحققوا غايتهم الواحدة التي هي استرداد الإمبراطورية الفارسية.
ونحن نعلم أن ذلك من المستحيل ليس لأن الرسول أخبرنا باستحالته وحسب بل لأن ما تريد إيران استرداده – حتى وإن عجز العرب حاليا ومؤقتا عن حمايته – ينافسهم عليه من هو أقوى منهم ماديا وذكاء خاصة – أعني أمريكا وإسرائيل- وهو يستعملهم ويوهمهم بأنهم يستعملونه.

كل هذه العوامل لا يحق لمحلل عربي أن يتجاهلها إذا لم يكن من حيث لا يدري أو يدري مسهما في حرب نفسية لصالح إيران ضد الامة ومنها جزء كبير مخصص للحرب على تركيا التي هي الوحيدة بعد العرب ذات دور رئيسي في قيام دولة الإسلام:
▪︎ العرب أنشأوها بداية
▪︎ والأتراك خاصة ثم الأكراد والأمازيغ والأفارقة حموها غاية.
وتلك هي علة كلامي على محللي الوضعية الحالية بتجاهلها ناهيك عمن يتكلم بجهلها.

كيف فقدت إيران شروط المناجزة؟

تمكن الأمريكان عامة وإسرائيل خاصة من استعمال من كان يتوهم نفسه داهية وظن أنه يستعملهم:
وقد ذكرت عديد المرات أن قادة إيران خدعوا أنفسهم لما ظنوا أنهم أذكى من غيرهم وصدقهم الحمقى من العرب.

أرخت أمريكا وإسرائيل زمام الملالي بل هم أتوا بهما لهذه الغاية من أجل توسيع ساحة المعركة مرحلة ضرورية لاستراتيجية الفوضى الخلاقة مثلهم مثل القاعدة وداعش.

وقد كان ذلك في الظاهر عامل قوة لإيران لا يمكن لمن يتجاهله أن يدرك علل ما حققته في العراق وسوريا واليمن ناهيك عن لبنان وفي الكثير من دويلات الخليج حتى في المغرب الكبير وفي جل بلاد افريقيا الإسلامية وبعض الديار المقاومة في أمريكا اللاتينية.
لكنه ظاهر من القوة.

تركوها تعمل جهرة مع روسيا في الأقليم خاصة بعد تبين عجزها وخاصة في سوريا لأنها وحدها لم تكن قادرة على ما حققته حتى لو لم ننس أن العرب نيام وهمهم في الاقتتال البيني عودة إلى جاهليتهم.
فارخوا لروسيا معها زمام العودة إلى الإقليم بعد خروجها منه بسبب انهيار الاتحاد السوفياتي.
وبدت أمريكا وإسرائيل وكأنهما فاقدتين للحيلة أمام عنتريات إيران التي بدت وكأنها ليست عنتريات فحسب لأنها حقق بعض المنجزات التي لا بأس بها حتى لو طرحنا منها الكذب والمفاخرة بما هو دون حتى ما حققته باكستان على فقرها أو حتى كوريا الشمالية على إدقاعها.

لكن ماذا حققت إسرائيل وأمريكا مقابل ذلك؟
ذلك ما يهمله محللونا الأشاوس.
فالقضاء النهائي على شروط حرب المطاولة هي ما تحقق لهما بصورة حاسمة.
وسأكتفي ببيان ذلك وأقف لأن البحث تجاوز الحد المسموح به في هذا النوع من التواصل.
وسأقسم هذه المقومات إلى خمسة أنواع:

توسيع ساحة المعركة.
المدد من الحلفاء.
صلابة النظام السياسي ومرونته.
التطور الاقتصادي والتقني.
الجبهة الداخلية.

1.توسيع ساحة المعركة

مثالان كافيان لبيان خسران إيران لهذا العامل.
لماذا لم يرد ترومب على إسقاط الطائرة وعلى ضربات إيران في السنة الماضية ورد على ما حدث في العراق أخيرا؟
ما يجهله محللونا العباقرة هو أن تحرك الدول الديموقراطية مشروط دائما بتسخين الجبهة الداخلية لديهم لأن لرأي الشعب في القرارات أهمية كبرى بخلاف الدكتاتوريات.

وما كان هذا الرد يحصل لو يتحقق ذلك أولا بخلق المناسبات التي تحمي التأييد الشعبي للرد الحاسم.
لكن لا بد كذلك من نزع ما يمكن أن تستثمره إيران من توسيع الجبهة.
فالثورة في العراق وفي لبنان وفي الداخل الإيراني -وكلها لأمريكا فيها دور بفصل الحصار- هي من العلامات الدالة دلالة قاطعة:

أن كل مليشيات إيران في الإقليم صارت في ورطة.
وأن أذرع إيران وصلت إلى الشلل كما هو بين من العجز شبه المطلق الذي صار عليه حزب الله.
فقد بات مثل النظام السوري غالبا ما يكتفي بترديد عبارة سنرد في المكان والزمان المناسبين وإذا رد فرده لا يتجاوز الرمزيات.

وإذن فصمود سوريا أولا وثورة العراقيين الحالية ثانيا وثورة لبنان ثالثا وتحرك الشعب الإيراني رابعا واستسلام الأنظمة العربية للحماية الامريكية والإسرائيلية أخيرا حققت شرط الضربة.
وهي أدلة كافية على أن أذرع إيران عطلت وتكاد تفقد كل قدرة على مساعدة إيران خاصة والحصار جعل التمويل الذي كان يشجع المليشيات لم يبق سخيا.

2. مدد الحلفاء

لما خرج ترومب من اتفاقية النووي كانت إيران تتوهم أن العقوبات التي تمنع تصدير البترول لن تنجح لأنها توهمت أن الصين والهند وأوروبا لن تنصاع لقرارات ترومب وأن المحاصرة ستفشل كما حدث في مدة أوباما الذي له بنحو ما ميل لإيران وكراهية للعرب علتها أن حكام العرب يكرهون أنفسهم وشعوبهم ولا يوجد كريم يحترم لئيما يحتقر ذاته وشعبه.

لكن من ظنتهم إيران حلفاء لا يهابون أمريكا كلهم انصاعوا وبقوا يمنونها بإيجاد حل للتعويض من أجل الحفاظ على الاتفاق. ولم يحصل شيء رغم كل الابتزاز والتهديد الإيراني بالعودة سيرتها الأولى في التخصيب.
وهو أمر تتمناه أمريكا وإسرائيل لأن ذلك سيعيد إليهم أوروبا والصين وروسيا واخراجهم من التردد في ضرورة نزع كل ما وصلت إليه إيران سلما أو حربا.

وهذا من جنس الخطأ الآخر الذي يتمثل في ضرب دول الخليج للرد على أمريكا.
فهذا يفرحها لأنه يحقق هدفين تريدهما:
▪︎ الأول الاحتماء بها وشراء أسلحتها
▪︎ والثاني وهو الأهم فقدان إيران كل علاقة بمحيطها لأن العرب والمسلمين يحيطون بها من كل الجوانب.

3. فقدان النظام لصلابته

يستمد النظام الإيراني متانته الأولى التي تميز بها في البداية من عاملين تطورا في اتجاهين متقابلين.
كانت شرعية الثورة وأهدافها هي المقوم الأول للصلابة.
ثم تآكلت وبقدر تآكلها زداد اللجوء إلى الشوكة.
فكلما تآكلت الشرعية تضخمت الشوكة.
وهذا قانون كوني.
فأصبح النظام لا يطاق داخليا.
ومن ثم فهو لا يختلف عن النظام العسكري المصري.
فما يقوم به الجيش المصري هو عين ما يقوم به الحرس الثوري المزعوم: مافية فاسدة ومستبدة لم يعد أحد يطيقها في إيران عدا قلة من الملالي وعلماء السوء.
وفي ذلك إيران لا تختلف عن السعودية والإمارات ومصر وكل نظام فيه كهنوت ومافية عسكرية.

4. التطور العلمي والتقني والاقتصادي

كل الشعوب التي تطورت علميا وتقنيا بعد حصول شروطهما في الغرب يعتمدون على التعلم والأخذ من مبدعات الغرب. ومن ينكر ذلك يكذب على نفسه وعلى شعبه.
وغالبا ما كانت غاية الاستعلامات في الشرق الأقصى متعلقة بمثل هذه الأمور. وليس ذلك لأن التطور الطبيعي مستحيل من دون الغرب لكنه لو يحدث طبيعيا فإنه سيتطلب قرونا كما حصل في الغرب.
ومن ثم فكل تطور سريع فيه الأخذ والاستفادة من الحاصل دون نفس الجهد الذي بذله الغرب لتحقيقه.

لكن الغرب عامة وأمريكا خاصة صاروا حريصين على الأسرار العلمية والتقدم التكنولوجي وخاصة ضد حليفي إيران وليس ضد إيران وحدها. ومن ثم فالحصار ليس اقتصاديا فحسب بل هو متعلق خاصة بالعلوم والتقنيات أي بشروط القوة كلها. وهو ما يجعل ما يسمى التسليح الإيراني متخلف بأجيال إذا قيس بأسلحة إسرائيل وأمريكا.
وهذا هو الفشل الثالث.

5. تخلخل الجبهة الداخلية: مسك الختام

وهذه هي العلامة القاطعة والنهائية التي تبين أن إيران فعلا خسرت حرب المطاولة ولم يبق لها إلا الاستسلام والتفاوض سيكون على شروط الاستسلام.
وهي ترد إلى شرطين:
نزع السلاح النووي مقابل بقاء النظام.
وهو ما يعني أن ترومب لم يكذب عندما قال إن ضربه قاسم كان نهاية الحرب وليس بدايتها.
فلا يغرنك ما تراه من مناحات على سليماني:
إني أكثر من متأكد أن أكثر الشامتين في مقتله هم الإيرانيون أنفسهم وليس العرب.
ومن يصدق أن الشعب الإيراني ما يزال على ولائه للملالي ينبغي أن يكون أعمى وأصم وأبكم ولا يعقل.

فلو تقع انتخابات حرة في إيران فإن النظام سيسقط في لمح البصر. وليس الأمر خاصا بالثورة الإيرانية.
فلا توجد ثورة لم تفقد بريقها لما تنتقل إلى الدولة.
ويمكن القول إن تآكل الشرعية واللجوء إلى الشوكة هو العلامة الأساسية على ذلك.
فلولا ستالين لانهار السوفيات بعد عقد.
ولولا حرس الثورة لانهار الملالي بعد عقد.
لكنهم الآن يحكمون بالشوكة وبحاجة أمريكا وإسرائيل لهم مثل حاجتهم لداعش وقبلها ابن لادن من أجل سايكس بيكو ثانية ومعها استكمال وعد بلفور أو الصفقة الكبرى.
وهذا هو الأمر الذي يعنيني في التحليل.

وختاما فالتعامل مع إيران بهذه الصورة دليل على أن أمريكا وإسرائيل قد تأكدتا من الحصيلة التالية.
وهي التي ينبغي علاجها مستقبلا.
وهي لم تعد متعلقة بإيران بل باستكمال استراتيجية الفوضى الخلاقة أي تحقيق سايكس بيكو الثانية واستكمال وعد بلفور أو دولة إسرائيل الكبرى بعد تفتيت الأقليم:

أنها أعدت أحفاد من حققوا شروط سايكس بيكو الأولى ليكونوا معها في الثانية وفي استكمال وعد بلفور أو الصفقة الكبرى.
أن المعركة ستنتقل إلى الهدف الحقيقي من إطلاق يد إيران وروسيا في الأقليم أو في عاملي الفوضى الخلاقة أعني محاولة تفتيت الإقليم والبدء بسوريا فالعراق فتركيا.
أما الخليج فلا حاجة لحرب لتحقيق ذلك لأنه متحقق بعد.
ونفس الشيء في المغرب الكبير:
لا حاجة لحرب فهو متفتت بالطبع لأن الحمق الذي يجعل المغرب والجزائر يعدان للاقتتال من علاماته التي تتراكم ككرة الثلج لأن التسلح في البلدين ليس لغزو الفضاء.
لكن الثورات الشعبية ودور تركيا يمكن أن يفشلوا هذه الاستراتيجية بعون الله. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

العامل الثاني هو عامل المدد من حلفاء من نوعين:

توابع (مثل المليشيات).
ومتبوعين (مثل السند الروسي والصيني).

فكثيرا ما يتكلمون على بطولة الفيتناميين في حربهم مع أمريكا أو حتى الجزائريين في حربهم مع فرنسا.
وينسون أن المدد كان يأتي من قوتين عظميين قريبتين من ساحة المعركة مستفيدتين من تحقيق شرط المطاولة لأن هزيمة أمريكا بالمناجزة مستحيلة بالنسبة إليهما.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock