تعالوا إلى كلمة سواء..
صالح التيزاوي
تمّ إسقاط الفصل المتعلّق بإحداث صندوق الزّكاة.. ومهما اجتهدنا في فهم مبرّرات الكتل التي أسقطته، فلا يبدو أنّ للأمر علاقة بمدنيّة الدّولة ولا الخوف عليها من أخونتها، كما يروّجون. بل بنوزاع داخليّة ومشارب فكريّة يعاني أصحابها من رهاب الإسلام على طريقة العلمانيّة الفرنسيّة المتشدّدة. ورغبة الإستثمار في الفقر لإفساد مسار الثّورة ومآلها. هؤلاء لم يفقهوا من العلمانيّة سوى معاداة القيم الرّوحيّة للشّعب التّونسي، كما لم يفهم الشّيوعيّون من الإشتراكيّة سوى “الدّين أفيون الشّعوب”.
إذا كان دفع الزّكاة وضخّها في صندوق، مسألة تطوّعيّة متروكة لدافعيها، وإذا كانت الدّولة هي التي ستشرف على الصّندوق، وإذا كان المحتاجون من شعبنا ضحايا تهميش، دولة ما بعد الإحتلال المباشر، هم الذين سينتفعون بعائداته في ظلّ الصّعوبات الإقتصاديّة التي تمرّ بها البلاد. فما الذي يبرّر إسقاط رافد مالي يصبّ في خزينة الدّولة وقد يساهم ولو جزئيّا في التّخفيف من معاناة بعض الفئات الذين ليس من المأمول أن تصل إليهم الدّولة كما لم تصل إليهم من قبل، على امتداد أكثر من ستّين عاما.
نفاق فريد من نوعه
الذين أسقطوا صندوق الزّكاة هم أنفسهم الذين اقترحوا علي “بن علي” صندوق 26/26 ولك أن تقول الصّندوق الأسود، تجبى إليه الأموال رهبة من سيف بن علي ورغبة في التّهرّب الضّريبي وبرّروا ذلك بتعزيز جهود الدّولة للتّخفيف من حدّة الفقر، واعتبروه في وقته إنجازا رائدا، مع أنّ ريعه كان يصبّ في جيوب العائلة الحاكمة ومرتزقة الإعلام، ولا يصل منه سوى بعض الدّنانير لضحايا تهميش الدّولة التي قيل عنها إنّها وطنيّة ومدنيّة. فلماذا لم ينظر لصندوق الزّكاة من ناحية أنّه تعزيز لجهود الدّولة لإغاثة من فتك بهم الفقر والخصاصة؟
الذين أسقطوا صندوق الزّكاة هم أنفسهم الذين صوّتوا وما زالوا يصوّتون في مجلس النّوّاب للإقتراض من الصّناديق والجهات الدّوليّة بشروط مجحفة، لن تزيد من حالة النّاس، سوى ضنك على ضنك!!!
من هم الرّافصون ؟
- فئة مصابة بفوبيا الإسلام، لا تتأخّر في إعلان الحرب على كلّ قيمة أو فكرة أو عنوان يحيل على الإسلام وهم الذين أنفقوا أعمارهم في صلب لجان تفكير التّجمّع لإخراج الإسلام من حياة النّاس…!!!
- فئة أخرى مصابة بمتلازمة “النّهصة” وهم على استعداد ليس لرفض صندوق الزّكاة، بل هم مستعدّون لرفض أيّ مشروع تقترحه حتّى وإن كان سيحوّل التّراب ذهبا.
- فئة ثالثة: يتنزّل رفضهم في إطار تجفيف منابع موارد الدّولة وتنويع مصادر تمويل الميزانيّة لعرقلة الإنتقال الإجتماعي والإقتصادي، لكونهم يدركون أنّ ذلك شرط نجاح الثّورة وشرط نجاح المسار الإنتقالي.. خدمة لحسابات سياسويّة وأجندات التّخريب الإماراتي للثّورة التّونسيّة.
خلاصة لابدّ منها
لايبدو أنّ السّياسيين التونسيين قد فهموا طبيعة الشّعب التّونسي، فهم في واد وهو في واد.. العلمانيون، لم يدركوا أنّ الشعب محافط ومتجذّر في قيمه، لذلك رفض رفضا قاطعا فكرة المساواة في الميراث والتّطبيع مع المثليّة الجنسيّة، وكذلك النّهضة لم تفهم بعد أن النّاس، لا يثقون بفكرة الصّناديق ولا يأتمنون عليها الحكومات، لكونهم يرون فيها محاولة لتنصّل الدّولة من التزاماتها نحو مواطنيها ويرون في إقحام صندوق الزّكاة في الميزانيّة توظيفا للإسلام، قد تستفيد منه الجهة أو الجهات التي اقترحته.