مقالات

استقالة زياد العذاري داخل حزب النهضة.. غير فاعلة ولا مؤثّرة..

عبد اللّطيف درباله

لكنّها حجرة بضوضاء في البحيرة المضطربة للحركة..!!

استقالة زياد العذاري من منصب الأمين العام لحركة النهضة.. ومن مكتبها التنفذي.. وإعلانه بأنّه غير معنيّ بأيّ منصب في الحكومة الجديدة.. مع بقائه بالحزب.. أثار الكثير من اللّغط والإهتمام والتعاليق وردود الفعل من داخل وخارج حركة النّهضة..
وخروج العذاري للإعلام.. وخصوصا بقناة “نسمة” مساء اليوم.. زاد الأمر ضوضاء وضجّة..

زيّاد العذاري كان شرح في رسالة على صفحته الشخصيّة على الفايسبوك سبب إستقالته.. وأوضح أنّه يعارض المسار السياسي الذي اختارته حركة النّهضة لتشكيل حكومتها.. ومعارضته لتكليف الحبيب الجملي برئاستها.. وقال بأنّ الحركة تسير في مسار خاطئ في ذلك.. وفي عديد القرارات السياسيّة في الفترة الأخيرة..!!
وأكّد ذلك على قناة التاسعة اليوم..

الحقيقة أنّ إستقالة زيّاد العذاري قد كشفت بعض من الكثير من المشاكل التي تدور مؤخّرا في داخل هياكل حركة النّهضة.. وبين مختلف قادتها وأجنحتها..
لكنّها عمليّا إستقالة لا تؤثّر إطلاقا على النّهضة في العمق.. باعتبار أنّ زياد العذاري لا يملك أيّ ثقل داخل الحركة.. ولا يملك رصيدا تاريخيّا أو شعبيّة أو روابط تجعل مثل ذلك الموقف يمثّل رجّة قويّة داخل الحزب الثقيل..!!
فزياد العذاري برغم منصب الأمين العام.. فهو لا جذور قويّة له داخل حقل النّهضة الكبير.. وإنّما هو كان فقط أشبه بورود الزّيّنة داخل حديقة زعيمها راشد الغنّوشي..!!!

فالعذاري يدين في صعوده الصاروخي بعد خروج النّهضة من الحكم بداية سنة 2014 إلى رئيس الحركة راشد الغنّوشي.. الذي قرّبه.. ودعّمه.. وأعلى من شأنه.. بأكثر من جميع رفاق دربه والقادة التاريخيّين الكبار للحركة..
وكانت غاية الغنّوشي إظهار صفّ جديد من القادة الشبّان والعصريّين بالنّهضة.. يلقون قبولا أفضل من عموم المجتمع.. ومن الإعلام.. ومن النخبة السياسيّة.. ومن القوى الأجنبيّة.. مع تمتّعهم بمظهر مغاير لمظهر قادة النهضة الكلاسيكيّين.. وتمتّعهم بمستوى علمي ومعرفي ودراسي مرموق.. لا سيما بالجامعات الكبرى الأجنبيّة..
لذلك احتلّ زيّاد العذاري مكانة متميّزة في الفريق الجديد للشيخ.. وقذف به إلى الحكومة.. وبقي بها لمدّة خمس سنوات كاملة.. وصعّده إلى منصب الأمين العام للحركة.. حتّى أنّ الجميع أصبح ينظر إلى العذاري باعتباره الوريث السياسي المحتمل للغنّوشي على رأس الحركة..!!
وكانت الإفتراضات تشير إلى أنّ زيّاد العذاري قد يكون هو رئيس الحكومة المقبل للنّهضة حال فوزها بالإنتخابات التشريعيّة سنة 2019..!!
وحال إجتماع أوّل مجلس للشورى في حركة النهضة بعد نتيجة الإنتخابات التشريعيّة.. وقرارها في البداية بأن يكون رئيس الحكومة المقبلة قياديّا من الحركة.. كان إسم العذاري قد طفا ضمن أبرز المرشّحين لرئاسة الحكومة الإئتلافيّة.. طبعا بعد راشد الغنّوشي نفسه الذي أبدى اهتماما بالمنصب في البداية..!!

زياد العذاري
زياد العذاري

غير أنّ زيّاد العذاري الذي كان طيلة السنوات التي عمل فيها في الحكومة.. وفي قيادة حزب حركة النّهضة.. قد بدأ في نسج شبكة علاقات خاصّة به داخل وخارج النّهضة.. وداخل وخارج تونس.. سرعان ما دخل في لعبة الإستقطاب السياسي الواسعة التي مارسها رئيس الحكومة السّابق يوسف الشاهد.. والذي استقطب تقريبا أغلب قادة وأعضاء الأحزاب الذين دخلوا معه في الحكومات الإئتلافيّة.. بحيث تخلّوا عن أحزابهم الأصليّة.. وتمسّكوا بالكراسي وبالبقاء في الحكومة.. حتّى بالتخلّي عن أحزابهم التي أوصلتهم إلى الحكم.. وصاروا جزء من المشروع السياسي الجديد ليوسف الشاهد.. الحالم وقتها بالفوز برئاسة الجمهوريّة وبرئاسة الحكومة وبالأغلبيّة البرلمانيّة.. أيّام كانت أحلامه ورديّة فاقعة..!!!
وإن كان زياد العذاري لم يستقل من حزبه النّهضة كما فعل بقيّة المستقطبين من يوسف الشاهد.. فإنّه وبمساعدة فريق نهضاوي متحالف بقوّة مع الشاهد بمعيّة آخرين مثل رفيق عبد السلام صهر الغنّوشي.. وحسين الجزيري.. وغيرهم.. كوّنوا نواة لأنصار يوسف الشاهد بقلب حركة النّهضة..!!
وهم الذين أقنعوا زعيم الحركة بالتخلّي عن الباجي قايد السّبسي لفائدة الشاهد..
واختار الشيخ بالفعل إنهاء التوافق مع الباجي.. ومساندة يوسف.. ورفض إقالته من رئاسة الحكومة..!!

ذلك الجناح المساند ليوسف الشاهد وسط النّهضة.. والذي كان زيّاد العذاري أحد أعمدته الرئيسيّة.. أحدث إنشقاقا فادحا داخل الحركة.. كان من تداعياته تأجّج وتصاعد الخلافات المؤجّلة.. وظهور الصراعات المكتومة..!!!
في الإنتخابات الرئاسيّة.. كان زيّاد العذاري ورفيق عبد السلام ومن معهم.. ضدّ ترشيح النّهضة لمرشّح منها.. وكانوا مع مساندة يوسف الشاهد للرئاسة..
لكنّ قرار مجلس الشّورى قطع عليهم الطّريق ورشّح عبد الفتّاح مورو..!!!
وكانت المعلومات تقول بأنّ اتّفاقا سريّا.. أو أمنية.. راودت فريق يوسف الشاهد.. وفريق زيّاد العذاري داخل حركة النّهضة.. بأن يكون يوسف الشاهد رئيسا للجمهوريّة.. وأن يكون زيّاد العذاري رئيسا للحكومة.. وأن تكون الحكومة إئتلافا بين النّهضة وتحيا تونس..!!
لكنّ حسابات الإنتخابات وتوقّعات “شلّة الشاهد” سقطت تماما في الماء..
وسقط يوسف الشاهد لاحقا بالضربة القاضية سواء في الإنتخابات الرئاسيّة.. أو في الإنتخابات التشريعيّة..!!
وضعف جناح زيّاد العذاري في محيط الشيخ.. خصوصا مع بداية تفطّن راشد الغنّوشي إلى الخطأ الجسيم السّابق بالمساندة غير المشروطة ليوسف الشاهد.. وما أحدثه من أضرار فادحة بمكانة النّهضة في المشهد السياسي.. ومن في نتائج الإنتخابات.. وما سبّبه من إنشقاقات وصراعات خطيرة داخل الحركة..!!

الآن.. خرج زيّاد العذاري ليعلن فجأة تمرّده على السياق السياسي للحركة في ما يخصّ طريقة تكوين الحكومة.. ومقاربتها للحكم.. وإختيار شخص رئيس الحكومة المكلّف الحبيب الجملي..
وقال زيّاد بأنّ الجملي ليس الشخص المناسب.. ولا المؤهّل.. ولا القادر..
وأنّه لم يكن الخيار الأوّل للغنّوشي نفسه.. لكنّ هياكل الحركة فرضته.. وعامل ضيق الوقت أضعف الخيارات..!!!
ويقدّم العذاري إستقالته في حركة إستعراضيّة.. بعد أن فقد في الحقيقة الأمل الذي انتظره طويلا في أن يكون رئيسا لحكومة النّهضة المقبلة حال فوزها في الإنتخابات التشريعيّة.. وتأكّد على الأرجح أنّه قد لا يكون حتّى وزيرا في الحكومة المقبلة..!!
أضف إلى ذلك أنّ العذاري ومن معه.. يعارض بقوّة أيّ تحالف مع قلب تونس ونبيل القروي.. ويرغب بشدّة في فرض صديقه يوسف الشاهد وحزبه تحيا تونس كطرف في الحكومة..
وهو ما يجعل.. بالنظر إلى التوقيت والظروف والملابسات.. دوافع إستقالة وشوشرة زيّاد العذاري شخصيّة وذاتيّة.. أكثر منها سياسيّة وموضوعيّة..!!

لكنّ ما قاله زيّاد العذاري كأسباب معلنة ظاهريّا لاستقالته.. تكتسي صحّة وجديّة..!!
وقول العذاري بأنّ النهضة أساءت التصرّف في خصوص مسار قراراتها المتعلّقة بالحكومة وتشكيلتها وشركائها ورئاستها..
وأنّ الحبيب الجملي ليس هو الأفضل في الخيارات المطروحة.. وأنّ نجاحه في المهمّة صعب إن لم يكن مستحيلا..
وأنّ الحركة تسير في طريق خاطئ سيؤدّي بها إلى الفشل..
هي كلّها أقوال مبنيّة بالفعل على أساس من الواقع والمنطق.. حتّى وإن كانت لا تمثّل الدوافع الصادقة لاستقالة العذاري فجأة في هذا الوقت بالذّات..!!!

غير أنّه وأيّا كانت حقيقة موقف زيّاد العذاري ودوافعه الواقعيّة لما أقدم عليه.. فإنّ ذلك لا يجب أن يخفي في كلّ الحالات.. واقع الخلافات والصراعات.. وحتّى الغليان.. وبوادر الإنشقاقات.. التي تعيشها حركة النهضة في الداخل.. وتعدّد الأجنحة فيها.. واختلافها حدّ التناقض..!!

ويأتي ذلك:

  • بعد أزمة الإنقسام الشديد للنّهضة إلى مؤيّد ومعارض لمساندة رئيس الحكومة يوسف الشاهد في مواجهة الباجي قايد السبسي..
  • وبعد أزمة إستقالة لطفي زيتون من منصبه كمستشار سياسي لرئيس الحركة.. والذي هو في الأصل رفيق دربه في المنفى.. وأحد عقوله المفكّرة.. كاحتجاج على خيارات الشيخ وفريقه وخاصة مساندته للشاهد..
  • وبعد أزمة القرار حول دخول الإنتخابات الرئاسيّة من عدمه.. حيث كان موقف رئيس الحركة ومكتبها التنفيذي ومكتبها السياسي وفريق من قادتها ضدّ ترشيح نهضوي للرئاسة.. لكنّ أغلبيّة مجلس الشورى صوّتت بالعكس..
  • وبعد أزمة اختيار الشيخ عبد الفتّاح مورو كمرشّح للنّهضة إلى الرئاسة.. رغم معارضة أغلب قيادات النهضة له سابقا.. من ذلك خروج رفيق عبد السلام صهر رئيس الحركة الغنّوشي علنا ليعلن خطأ ذلك الترشيح..
  • وبعد أزمة الإنتخابات الداخليّة التمهيديّة لاختيار أعضاء قائمات التشريعيّة.. وإعادة المكتب التنفيذي ورئيس الحركة ترتيب وتكوين القائمات رأسا على عقب بما يخالف إرادة وأصوات قواعد النهضة.. وما أحدثه ذلك من ردود فعل حادّة وإنسحابات..
  • وبعد أزمة الخلاف بعد الفوز بالتشريعيّة حول تكليف رئيس حكومة من النّهضة أو من خارجها..
  • وبعد أزمة إبعاد عدّة قيادات تاريخيّة كبيرة في الحركة عن دائرة القرار والنفوذ فيها..
  • وبعد أزمة موجة الإنتقادات العلنيّة للكثير من قادة النهضة لقيادتها ولرئيسها الغنّوشي بالإستئثار بالسلطة وحتّى بالديكتاتوريّة داخلها..
  • وبعد أزمة تصريحات القيادي ووزير النهضة السابق محمّد بن سالم بوجود فساد بين قيادات النهضة..
  • وبعد أزمة البحث عن رئيس الحكومة المستقلّ “.. غير المستقلّ”.. تماما..
  • وبعد أزمة الخلاف حول التحالف مع قلب تونس من عدمه..
  • وبعد أزمة البحث عن الأحزاب والقوى السياسيّة التي يمكن الدّخول معها في الإئتلاف الحكومي.. بين فريق في النهضة مع التحالف مع التيّار الديمقراطي وقوى الثورة بأيّ ثمن.. وبين فريق على إستعداد للتحالف حتّى مع قلب تونس للسيطرة بطريقة أفضل على الحكم..

الحقيقة أنّ زياد العذاري ليس مؤثّرا في كلّ ذلك.. ولا يملك لا الخبرة السياسيّة ولا القدرة على المناورة ولا الثقل اللاّزم ولا الشعبيّة وكثرة الأنصار داخل الحركة.. ليستغلّ كلّ ذلك في صالحه.. ولا حجم له يسمح بمصارعته للغنّوشي..
لكن العذاري قد يكون نجح في إحداث الضجيج.. وفي رمي حجرة جديدة أحدثت صوتا لا يمكن تجاهله وسط بحيرة النهضة المضطربة أصلا.. وعلى تشجيع الكثيرين على الإنتباه والكلام والتصريح والتفكير في الفعل وفي ردّ الفعل..!!

ويقينا أنّ الحالة الداخليّة للنهضة تحتاج إلى الكثير من الكلام والتحليل والتعليق..!!
وما هو قادم.. سيكون مثيرا ولافتا للإنتباه..!!!

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock