مقالات

الشاهد رئيس “حكومة تصريف الأعمال”: اضطراب في التسمية وغموض في المنزلة الدستورية

عبد السلام الككلي – علي الجوابي

نشرت صفحة الفيسبوك الرسمية لرئاسة الجمهورية يوم الجمعة 15/11/2019 ثلاثة أخبار عن ثلاثة لقاءات بقصر قرطاج متتالية زمنيا تخصّ تشكيل الحكومة المنبثقة عن الانتخابات التشريعية لعام 2019 أجراها رئيس الجمهورية قيس سعيّد مع ثلاث شخصيات سياسية وهي:

  • اوّلا. أطلع راشد الغنوشي بصفته رئيس حزب النهضة المتحصّل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب رئيس الجمهورية على اسم مرشّحها لرئاسة الحكومة.
  • ثانيا. الحبيب الجملي مرشّح حركة النهضة لرئاسة الحكومة سلّمه رئيس الجمهورية رسالة خطّية تتضمّن تكليفه بتشكيل الحكومة.
  • ثالثا. يوسف الشاهد هو رئيس الحكومة الحالية بصفته »المكلف بحكومة تصريف الأعمال» إلى حين تشكيل الحبيب الجملي الحكومة القادمة ونيلها ثقة مجلس نواب الشعب وقد ورد في الصفحة أيضا انّ يوسف الشاهد صرّح أن رئيس الجمهورية كلفه بمهام تصريف أعمال الحكومة إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة وأفاد أنّ رئيس الجمهورية شدد على ضرورة تواصل العمل الحكومي لضمان أمن المواطنين وحسن تسيير المرفق العام حتى لا تمسّ فترة تسيير الأعمال بأي شكل من الأشكال بمصالح المواطنين.

فما معنى حكومة تصريف الأعمال؟ و هل ما أقدم عليه رئيس الجمهورية له سند في الدّستور؟ وهل الحكومة الحالية هي فعلا حكومة تصريف الأعمال؟

1. ما هي حكومة تصريف الاعمال

أ. تصريف الأعمال في الدستور التونسي

لم يتعرّض الدستور الى مسألة حكومة تصريف الاعمال إلاّ في الفقرة الأخيرة من الفصل 100 من الدستور ولم يعرّف الأعمال التي تدخل في نشاطها واقتصر على بيان معطيات تخصّها وهي:

  • أوّلا الظّرف الدستوري الذي تنتصب فيه هذه الحكومة
  • وثانيا من يشرف عليها ومن يختار هذا المشرف ومن يسمّيه
  • وثالثا أجل نهاية صلاحيتها، من غير أن يضبط مدّة زمنية معيّنة لمباشرتها . فهي تنتصب إذا حصل شغور نهائي في منصب رئيس الحكومة «لأيّ سبب عدا حالتي الاستقالة وسحب الثقة» فتنتهي مهام الحكومة القائمة بتوليها مقاليد السلطة.

ورغم أنّ الفقرة الأخيرة من الفصل 100 المذكور تصف تلك الحكومة بالمنتهية مهامها إلاّ أنها تتحول هي نفسها الى حكومة «تصريف الأعمال تحت إشراف عضو منها يختاره مجلس الوزراء ويسمّيه رئيس الجمهورية الى حين مباشرة الحكومة الجديدة مهامها»

غير أن الحالة التي نعيشها لا صلة لها بالفصل 100 من الدستور بل بالفصل 89 من الدّستور الذّي يبيّن الإجراءات والآجال الواجب اتّباعها لتشكيل الحكومة المنبثقة عن الانتخابات التشريعية ولم يتعرّض الدستور إلى وضعية الحكومة القائمة في هذا الظّرف الدّستوري حال تسليم رئيس الجمهورية إلى مرشّح الحزب الفائز بأكبر المقاعد في الانتخابات التشريعية رسالة طلب تشكيل الحكومة وبالتالي لم يعتبر هذا الفصل الحكومة القائمة مستقيلة ولم يسند لها مهمّة تصريف الاعمال وعلى هذا الأساس تحافظ الحكومة المنبثقة عن الانتخابات السابقة على وضعها الدستوري بمعنى أنّها كاملة الصلاحيات الدستورية الى حين إحراز الحكومة المنبثقة عن الانتخابات التشريعية اللاحقة ثقة مجلس نواب الشعب وتسمية اعضائها بأمر رئاسي ينشر بالرائد الرسمي.

ويبدو انّ نواب المجلس الوطني التّأسيسي كانوا واعين بالمخاطر التي قد تترتّب عن حكومة تصريف الاعمال فضيّقوا من مجال قيامها وحصروه في صورة واحدة مبيّنة في الفقرة الأخيرة من الفصل 100 من الدستور وهي الشغور النهائي في منصب رئيس الحكومة.

ب. حكومة تصريف الأعمال في التجربة الدستورية المقارنة

نجد تعريفا لهده الحكومة ولمجال انشطتها في القانون المقارن وفي العرف الجاري به العمل في بعض البلاد الأوروبية مثل بلجيكا وفرنسا.

يعرّف الأستاذ سامي دلّة (1) حكومة تصريف الأعمال بأنّها «حكومة متحولة من حكومة عادية بكامل الصلاحية إلى حكومة محدودة الصلاحيات في حدود تأمين استمرارية العمل الحكومي في حدوده الإدارية، وذلك بسبب ممارسةَ دستورية طبيعية ناجمة عن واقع سياسي جديد».

ويتمّ التّحول من حكومة عادية الى حكومة تصريف الاعمال إمّا بسبب استقالة الحكومة أو بسبب سحب الثقة منها او بسبب اعتبارها في حكم المستقيلة نتيجة واقع دستوري جديد مثل انتخاب برلمان جديد أو بسبب حلّ البرلمان أو بسبب انتخاب رئيس جمهورية جديد في الأنظمة الرئاسية.

وعلى سبيل المثال ففي فرنسا جرى العرف على أنّ الوزير الاول يقدّم اثر الانتخابات الرئاسية استقالة حكومته إلى رئيس الجمهورية المنتخب ثم اصبحت الاستقالة تقدّم الى رئيس الجمهورية المنتهية ولايته لكن تبقى الحكومة المستقيلة قائمة وتشتغل بتصريف الأعمال الى حين تسمية الحكومة الجديدة (2).

أما في بلجيكا فإن الحكومة المنتهية مهامها تتحوّل من حكومة عادية الى حكومة تصريف الأعمال وهي مبدئيا ذات صلاحيات محدودة والتّحوّل في الوضع الدستوري أسبابه عديدة مثل استقالة الحكومة او فقدان ثقة البرلمان او حل البرلمان أو في انتظار حكومة جديدة اثر الانتخابات.

نستخلص مما سبق أن هناك اتفاقا عاما بين فقهاء القانون وفي التجارب المقارنة على أن التّحوّل في طبيعة الحكومة من عادية كاملة الصلاحيات الى تصريف الأعمال يضيّق من مجال عملها فتفقد الكثير من صلاحياتها وينحصر عملها مبدئيا في المرافق العمومية التي تقدّم الخدمات الى المواطنين وفي الأعمال اليومية أو العادية أو الأعمال الجارية التي سبق ان شرعت فيها قبل تحوّل طبيعتها وتقوم أيضا بالأعمال العاجلة التي لا تقبل الانتظار ولدفع خطر يحدّق بمصالح الدولة والمواطنين وتبدأ مدّة عمل حكومة تصريف الاعمال من تاريخ تحوّلها من حكومة عادية وتنتهي بمباشرة الحكومة الجديدة عملها.

ونظرا لطبيعة عملها المحدود فإن أغلب الفقهاء يعتبرونها غير مسؤولة أمام السلطة التشريعية اما بسبب استقالتها او بسبب سحب الثقة منها وهذا ما يبرّر أنّه لا يمكن لها القيام بأعمال او اتّخاذ قرارات تترتّب عنها التزامات وطنية ودولية للحكومة القادمة مثل ضبط خيارات مستقبلية أو التعيين في الخطط الادارية السامية أو تقديم ميزانية الدولة أو القيام بطلب عروض او ابرام اتّفاقيات دولية.

غير أن مشكلا يعترضنا في فهم معضلة هذه الحكومة محدود الصلاحيات فلئن كانت طبيعة صلاحياتها أمرا متفقا فيه عموما الا ان مدّة عملها تبقى محل إشكال لان هذه المدة قد تطول او تقصر بحسب الظروف السياسية وهو ما حصل فعلا في بلجيكا بسبب الأزمات التي عاشتها المملكة اذ تكرّرت حكومات تصريف الأعمال وطالت مدد عمل بعضها. فقد بلغت 7 اشهر عام 2007 و 541 يوما عام 2011 وهو ما اضطرّ تلك الحكومات إلى توسيع مجال عملها فقدّمت ميزانية الدولة وأمضت اتفاقيات دولية مثل اتفاقية «ماستريخت» واتفاقية »لشبونة» المتعلّقين بالاتّحاد الأوروبي وانضمت بلجيكا عام 2011 إلى ما يعرف بالتحالف الدولي الذي تدخّل عسكريا في ليبيا.

إنّ طول مدّة عمل حكومة تصريف الأعمال وتوسيع مجال تدخّلها وطنيا ودوليا دفع الى التّساؤل عن جدوى حكومة تصريف الاعمال التي هي بطبعها حكومة محدودة الصلاحيات لكن تتوسّع تلك الصلاحيات في ظرف سياسي متحرّك وطنيا ودوليا فتتّخذ الحكومة وهي في حلّ من أيّة رقابة برلمانية إجراءات وقرارات ذات صلة مباشر بمستقبل البلاد.

2. طبيعة حكومة الشاهد بعد 15 نوفمبر 2019

أ. اضطراب واسع في توصيف وظيفة يوسف الشاهد

إنّ صيغة الخبر فيما يخصّ لقاء رئيس الجمهورية ليوسف الشاهد يوم 15/11/2019 تشتمل على المعطيات الآتي بيانها مع ملاحظة أنّ المعطى الثاني غير متجانس مع الثالث والرابع:

  • أولا: أنّ الحكومة الحالية هي حكومة تصريف اعمال كلّف بها يوسف الشاهد.
  • ثانيا: يوسف الشاهد لم يستقبله رئيس الجمهورية بصفته رئيس الحكومة وإنّما بصفته مكلّفا بحكومة تصريف أعمال.
  • ثالثا: اكتسب يوسف الشاهد صفة المكلّف بحكومة تصريف الاعمال بعد لقائه مع رئيس الجمهورية وهو حسب صيغة الخبر »كلّفه بمهام أعمال تصريف الحكومة».
  • رابعا: يذكر الخبر أنّ يوسف الشاهد صرّح أنّ رئيس الجمهورية كلّفه بمهام تصريف اعمال الحكومة.
  • خامسا: لم يكن لقاء رئيس الجمهورية مع يوسف الشاهد موضوع بلاغ رسمي من رئاسة الجمهورية وإنّما أعلن عنه في خبر في الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية.
  • سادسا: لم يبيّن الخبر السّند الدّستوري الذّي تأسّس عليه أوّلا تحول طبيعة الحكومة التّي يرأسها يوسف الشاهد من عادية الى حكومة تصريف أعمال وثانيا تحول صفة يوسف الشاهد الى «مكلّف بحكومة تصريف الأعمال» ولم يبيّن أيضا لما تمّ التحول يوم 15/11/2019؟

تشتمل صيغة الخبر على تناقض فيما يخصّ انتفاء صفة رئيس الحكومة عن يوسف الشاهد وفيما يخصّ اكتسابه صفة المكلّف بتصريف أعمال الحكومة وبسبب التناقض تثار تساؤلات عديدة: لماذا لم يتمّ الحديث عن يوسف الشاهد بصفته رئيس الحكومة؟ فهل انتفت عنه هذه الصفة قبل لقائه مع رئيس الجمهورية أم بعد ذلك ؟ ومتى اكتسب صفة المكلف بتصريف أعمال الحكومة: هل كان قبل استقبال رئيس الجمهورية له أم بعد ذلك ؟

• في نفس يوم 12/11/2019 نشرت الصفحة الرسمية لرئاسة الحكومة خبر لقاء يوسف الشاهد برئيس الجمهورية بنفس الصيغة التي نشرتها صفحة رئاسة الجمهورية فلم تصف يوسف الشاهد بانّه رئيس الحكومة بل بالمكلّف بحكومة تصريف الأعمال لكن في الأيام الموالية عادت صفحة رئاسة الحكومة إلى عبارة «رئيس الحكومة» في صيغة مخالفة للدّستور فقد أضافت لعبارة «رئيس الحكومة عبارة» المكلّف بتصريف الأعمال» وسبب المخالفة هو أنّ وظيفة «رئيس الحكومة» ووظيفة «المكلّف بتصريف الأعمال» لا يجتمعان في شخص واحد لأنّ الثانية تدلّ على حصول الشّغور في الأولى.

وأصبحت صفحة رئاسة الحكومة تصف يوسف الشاهد بأنّه »رئيس الحكومة المكلّف بتصريف الأعمال» مثلا الخبر الذي يستعرض إشراف يوسف الشاهد يوم 19/11/2019 على تسلّم الطائرة الجديدة ثنائية المحرّك » آ تي أر » التابعة لشركة الخطوط التونسية السريعة والخبر الذي موضوعه استقبال يوسف الشاهد طهر يوم 20/11/2019 رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.

تستعمل القناة الوطنية الأولى في نشراتها الإخبارية الصيغة الواردة في صفحة رئيس الحكومة فتتحدّث عن يوسف الشاهد »رئيس الحكومة المكلّف بتصريف الأعمال» لكن حافظت وزارة الداخلية على تسمية «رئيس الحكومة» بمفردها ولم تضف لها «المكلّف بتصريف الأعمال وذلك في بلاغ أصدرته يوم 22/11/2019 تعلم فيه بحركة جزئية في سلك الولاّة.

لقد كان يوسف الشاهد في الصيغة الأولى للخبر مكلّفا بحكومة تصريف الاعمال بمعني انّ الحكومة هي التي تصرّف الأعمال فتحول بعد يوم 15/11/2019 في صفحة رئاسة الحكومة الى رئيس الحكومة المكلّف بتصريف الأعمال بمعنى أنّه هو الذّي يصرّف الأعمال وليس الحكومة بينما هو يوم 22/11/2019 رئيس الحكومة في بلاغ وزارة الداخلية.

إنّ الاختلاف الجليّ فيما يخصّ توصيف الوظيفة التي يباشرها حاليا يوسف حاليا يوجد بين مصالح سيادية وهي مصالح رئاسة الجمهورية ومصالح رئاسة الحكومة ومصالح وزارة الداخلية ونعتقد انّ مردّه هو مخالفة الدّستور بتحويل طبيعة الحكومة التي يرأسها يوسف الشاهد من عادية الى تصريف الأعمال.

ب حكومة الشاهد تتصرف كحكومة تامة الصلاحية وليس كحكومة تصريف أعمال ؟

لقد أحرزت الحكومة الحالية على ثقة مجلس نواب الشعب المنتهية مدّته والذّي حلّ محلّه المجلس المنبثق عن الانتخابات التشريعية لعام 2019 المنعقدة جلسته الافتتاحية الأولى يوم الأربعاء 13/11/2019 وقد تمتّ تسمية أعضائها بأمر رئاسي كان ختمه الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي الذي توفى يوم 25/07/2019 فتمّ إجراء انتخابات رئاسية سابقة لأوانها أسفرت عن فوز رئيس الجمهورية الحالي قيس سعيّد لكن رغم توفّر هذه المعطيات فإنّ الحكومة الحالية عملا بأحكام الفصلين 89 و 100 من الدستور هي حكومة عادية كاملة الصلاحيات وليست حكومة تصريف الاعمال محدودة الصلاحيات.

وعلى هذا الأساس فإنّ مضمون الخبر مخالف للدستور فيوسف الشاهد مازال رئيسا لحكومة عادية كاملة الصلاحيات وأنّه دستوريا في الظّرف الرّاهن ليس مكلّفا بتصريف أعمال الحكومة فهو لا يمكن له أن يكون على رأس حكومة تصريف الأعمال كان رئيسا لها قبل تحوّلها ثمّ إنّ الشّرط الأساسي لقيام حكومة تصريف الأعمال غير متوفّر حاليا وهو شغور نهائي في منصب رئيس الحكومة لا يكون سببه الاستقالة او سحب الثقة ويكون سببه مثلا الوفاة أو المرض المزمن أو الحاد الذي يحول بصفة نهائية لا رجعة فيها دون مباشرة رئيس الحكومة لمهامه بدليل انّه لا يعود له النّظر في تعيين من يخلفه على رأس الحكومة بل تعود الصلاحية لمجلس الوزراء الذي يختار أحد اعضائه للإشراف على الحكومة وعلى عملها دون ان تكون له صفة رئيس الحكومة ويسمّيه في منصبه الجديد رئيس الجمهورية.

إنّ الحكومة الحالية التي يرأسها يوسف الشاهد لم يحصل فيها شغور على معنى الفقرة الأخيرة من الفصل 100 من الدستور فرئيسها مازال يمارس مهامه على رأسها لذا لا يمكن أن تتحوّل الى حكومة تصريف الاعمال ولا يمكن أيضا ليوسف الشاهد بوصفه رئيس هذه الحكومة أن يكون على رأسها إذا تحوّلت الى حكومة تصريف الأعمال لأنّ تحوّلها موقوف على تركه لمنصبه بصفة نهائية لأيّ سبب عدا الاستقالة وسحب الثقة.

هذه الوضعية التي نتحدث عنها هي التي يكشف عنها عملها اليومي فقد استقبل رئيس مجلس نواب الشعب يوم 22/11/2019 وزير المالية ووزير التنمية والاستثمار والتعاون الدّولي بالنيابة محمد رضا شلغوم وتناول اللقاء بينهما موضوعات متعدّدة مثل مشروع قانون المالية وميزانية الدولة لسنة 2020″ وأهمية استكمال الإصلاحات الأساسية التي ستمكن من إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني وإنعاش المالية العمومية» و »أهمية استغلال كل الطاقات المتاحة وتوجيهها نحو خلق مزيد من الثروة ومواطن الشغل» وهي موضوعات لا تدخل في مجال تصريف الأعمال باستثناء مشروع ميزانية الدولة لعام 2020 الذي هو في الظّرف الحالي من الموضوعات العاجلة لأنّ الفصل 66 من الدستور ينصّ على ان مجلس نواب الشعب يصادق على مشروع قانون المالية في أجل أقصاه يوم 10 ديسمبر.

كما ذكرت الصفحة الرسمية لرئاسة الحكومة يوم 23/11/2019 أنّ المجلس الوزاري انعقد برئاسة يوسف الشاهد رئيس الحكومة المكلف بتصريف الأعمال وأقرّ جملة من الإجراءات في إطار الاستعدادات لإنجاح موسم الزيتون 2019-2020، »تستهدف التمويل والتشجيع على تحويل المنتوج وتثمينه والنهوض بجودته ودعم ترويجه في السوق الداخلية والأسواق الخارجية، إلى جانب العناية بغابات الزياتين وحمايتها من العاهات وتأهيلها والرفع من مردوديتها» وبالاطلاع على الإجراءات المعلن عنها يتضح أنها لا تدخل في مجال تصريف الأعمال ويترتّب عنها التزام للحكومة القادمة نذكر منها على سبيل المثال:

  • قصد التشجيع على التصدير نحو الأسواق الجديدة والواعدة
  • الترفيع في منحة نقل الزيتون على حساب صندوق النهوض بالصادرات بالنسبة إلى الأسواق الجديدة والواعدة، وذلك بصفة استثنائية، خلال موسم 2019-2020، كما يلي
    • من ثلث كلفة النقل البحري إلى 50 % من الكلفة بالنسبة إلى زيت الزيتون السائب والمعلب إلى كلّ الوجهات، ما عدى الأسواق الإسبانية والإيطالية
    • من 50% إلى 70% من كلفة النقل الجوي إلى كلّ الوجهات بالنسبة إلى زيت الزيتون المعلب
    • الترفيع في أسقف المنح المسندة بعنوان إنجاز البرامج الإشهارية والترويجية
  • في مجال التمويل والترويج بالسوق الداخلية
  • معالجة مديونية القطاع، من خلال جدولة الديون وطرح فوائض التأخير، مقابل امتياز جبائي لفائدة البنوك المتدخلة.

وأصدرت وزارة الداخلية يوم 22 / 11 / 2019 بلاغا مفاده أنّ رئيس الحكومة قرّر إجراء حركة جزئية في سلك الولاّة تمّ بمقتضاه أوّلا إعفاء والي وثانيا نقلة والي أريانة الى الكاف وثالثا تعيين وال جديد على أريانة ورابعا تعيين وال جديد على نابل خلفا للوالية التي استقالت من منصبها.

تتحدّث وزارة الداخلية في هذا البلاغ عن رئيس الحكومة وليس عن المكلف بتصريف أعمال الحكومة وتعلم العموم أن رئيس الحكومة اتّخذ ثلاثة قرارات بالاطلاع عليها نجد قرارا واحدا يدخل في مجال تصريف الأعمال وهي تعيين وال جديد على ولاية نابل بعد ان استقالة الوالية وهو قرار يدخل في باب الأمور العاجلة التي لا ترجأ الى حين تشكيل الحكومة الجديدة.

الخلاصة

خلاصة القول أن الحكومة التي يرأسها حاليا يوسف الشاهد هي دستوريا حكومة عادية بكامل الصلاحيات الدستورية وهي ليست حكومة منتهية مهامها وليست حكومة تصريف الاعمال وأن تكليف الحبيب الجملي بتشكيل الحكومة لا يؤثّر على وضعها الدستوري الذي لم يطرأ عليه تغيير لذا من الخطأ في نظرنا اعتبار يوسف الشاهد «المكلّف بحكومة تصريف الاعمال» بل هو دستوريا رئيس الحكومة كاملة الصلاحيات ومسؤولة أمام مجلس نواب الشعب وقد تطول مدّتها في انتظار تشكيل الحكومة القادمة.

غير أن السؤال يبقى قائما لماذا لم تستقل حكومة الشاهد كما حدث مع حكومة المهدي جمعة عند تكليف الحبيب الصيد بتشكيل حكومة جديدة.

ويعقّد هذا السّؤال المسالة لأن استقالة رئيس الحكومة هي ايضا لا تحوّل الحكومة الى حكومة تصريف الاعمال: (يراجع الفصل 100 من الدستور).

نعتقد أنّ يوسف الشاهد غير مطالب بالاستقالة بل هو مطالب بأن يواصل عمله بصفته رئيس الحكومة لان استقالته تحدث إشكالا بسبب الفراغ الدستوري لأن الدستور لئن تحدّث عن سحب الثقة من الحكومة وعن استقالتها وعن عدم تجديد الثقة فيها فإنّه لم يفصح عن الظّرف الدستوري الذي تمر به البلاد إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة ثمّ إنّ استقالة مهدي جمعة لم تكن رسمية ولم يصدر في شأنها أمر رئاسي وتمّ الاقتصار على الاعلان عليها في وسائل الاعلام وهو إجراء متبع في بلجيكا بحجّة أن قبول الاستقالة بصفة رسمية ينهي عملها دون تحوّلها الى تصريف الأعمال.

ويبقى السؤال لماذا يعتبرها الجميع وأولهم رئيس الجمهورية حكومة تصريف الاعمال؟

من أين جاء هذا المفهوم وما علاقته بالدستور التونسي خارج إطار الفقرة الأخيرة من الفصل 100؟

لماذا هذه الوضعية الغامضة والتي أنتجت اضطرابا واسعا كما ذكرنا في توصيفها ؟ هل هذا الغموض مقصود فهي من جهة حكومة تصريف اعمال نظرا لتعيين شخصية لتشكيل حكومة جديدة وهي من جهة أخرى تتصرّف بصلاحية كاملة ؟
هل القصد هو إطلاق يدها دون حرج في التصرف في آخر لحظة في مسائل لها صلة بالتعيينات أو بغيرها من المواقف ؟
من الغريب ان ينتهي الإنسان بعد النظر المطول في حكومة الشاهد الحالية الى نقطة البداية التي انطلق منها أي الى السؤال الذي بدأ منه… ما طبيعة حكومة يوسف الشاهد ومن المسؤول عن هذا الغموض؟
فإذا كان الغموض لا يكمن في الدستور التونسي لانه واضح لدينا…
فهل اللبس تقع مسؤوليته على من منحها منزلة لا تنسجم مع الدستور التونسي استنساخا لتجارب الغير دون الالتفات الى واقعنا؟
هل أن رئيس الجمهورية وهو الذي كلف الشاهد بتصريف الاعمال هو الذي أوقعنا في هذه الفوضى المفهومية ؟

•••

(1) الدكتور سام دلّة عميد سابق لكلّة الحقوق في جامعة حلب

(2) « Il est d’usage que le Premier ministre adresse la démission de son gouvernement au nouveau Président de la République. Mais depuis plusieurs années, le Premier ministre remet la démission de son gouvernement au Président sortant. La démission du Gouvernement le conduira à s’occuper des affaires courantes jusqu’à la nomination d’un nouveau gouvernement. » Voir le site du gouvernement français

اسطرلاب

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock