مقالات

بعد مسيرة حافلة بالنّضال ضدّ الإستبداد

صالح التيزاوي

المرزوقي ينسحب من الحياة السّياسيّة.
بعد مسيرة حافلة بالنّضال ضدّ الإستبداد طيلة الحقبتين البورقيبيّة والنّوفمبريّة وبعد سيرة لم تنته بعد حافلة بالإنتاج الفكري في السياسة والحقوق والحرّيات والأدب والطّبّ، فاجأ الدّكتور محمّد منصف المرزوقي الرّأي العام في تونس وفي الوطن العربي وفي العالم بانسحابه من الحياة السّياسيّة. قامة من قامات الفكر والنّضال والسّياسة في تونس، سيذكره التّاربخ المعاصر ليس في تونس فقط، بل في العالم أجمع وخاصّة في العالم العربي والإسلامي.

الدّكتور محمّد منصف المرزوقي
الدّكتور محمّد منصف المرزوقي

تعرّض الدكتور المرزوقي للكثير من التّهميش والأذى مدّة رئاسته التي لم تدم أكثر من ثلاثة أعوام… تآمر عليه الفرنكفونيّون من دعاة العلمانية القشريّة والقسريّة والشّيوعيّون الإستئصاليّون لأنّه كشف زيفهم في مجال الحرّيّات والدّيمقراطيّة وخالفهم الرّأي في معاداة هويّة الشّعب التّونسي، لأنّه يرى أنّ قيم الإسلام لا تتعارض مع الدّيمقراطيّة ومع الحداثة الحقيقيّة، وأنّ التّناقض الحقيقي مع الإستبداد ومع الفقر وليس مع هويّة الشّعب وخالفهم الرّأي في كون الحرّيّة يمكن أن تتّسع للجميع، فكان مثالا لليساري الأصيل والعلماني المعتدل.

الدّكتور محمّد المنصف المرزوقي، أوّل رئيس تونسي منتخب ديمقراطيّا من المجلس التّأسيسي، المنتخب بدوره ديمقراطيّا من الشّعب لأوّل مرّة في تاريخ تونس. المناضل الحقوقي والمعارض السّياسي طوال سنوات الجمر والمثقّف البارز الذي أثرى الفكر التونسي والفكر العربي الإسلامي والفكر الإنساني بعشرات الكتب ومئات المقالات في السّياسية والطّب والأدب، يعلن استقالته من الهيئة السّياسيّة لحزب الحراك ومن الحياة السّياسيّة عموما، ليفسح المجال لجيل جديد من حزب الحراك ومن تونس الولّادة.

سيبقى المرزوقي قامة من قامات النّضال ضدّ الإستبداد وقامة من قامات الفكر والسّياسة في تونس. عندما انتخب رئيسا لتونس أعلن أنّه سيكون رئيسا “للمحجّبة والسّافرة” وعندما خسر انتخابات أكتوبر 2014 هنّأ خصمه وعاد إلى صفوف المعارضة منحازا لقضايا الحقوق والحرّيات، وتحلّى بأخلاق الفرسان فلم يردّ على الإساءة بمثلها ولم يسع للإنتقام من الذين شوهوه كذبا وبهتانا، وكان بإمكانه أن يفعل ذلك. وليس غريبا هذا الخلق عن المرزوقي الذي كان يعارض بشرف، وتحمّل أمانة رئاسة البلاد بشرف في ظروف صعبة. عارض بورقيبة بسبب نزعته التّسلّطيّة واحتقاره للشّعب التونسي حيث لم يكن يراه جديرا بالحرّية بل يراه مجرّد غبار لمجتمع بشري ورثه من الإستعمار.. ورغم ذلك فقد زاره في محبسه بعد أن انقلب عليه بن علي وسار في جنازته، عندما تنكّر له من نراهم اليوم يدّعون الإنتساب إليه، تنكّروا له طمعا فيما عند المتقلب وخوفا من سلطته.

المرزوقي انسحب من الحياة السّياسيّة لأنّه أدرك أنّه لم يعد بإمكانه أن يضيف إليها شيئا من داخل الحزب، فأحال المشعل لجيل جديد من حزب الحراك وتحمّل بشجاعة نتائج اختياراته.. بعد أن تعرّض لظلم كبير وتعرّض للكثير من المؤامرات التي كانت تستهدف إنهاءه بسبب انحيازه للثّورة وشهدائها واستحقاقاتها.
تآمر عليه رفاقه، فكان محمّد عبّو أوّل من دقّ مسمار الشّقاق والإنشقاق في حزب المؤتمر، تآمر عليه الشّوعيّون الإستئصاليون لأنّه لم يجعل مثلهم تناقضه الرّئيسي مع هويّة الشّعب التّونسي، بل جعله مع التّفاوت الجهوي ومع الفقر، ومع العلاقات الزّبونيّة، فناصبوه العداء.. تآمر عليه القومجيّون بسبب انتصاره المطلق لثورات الشّعوب العربيّة ومعاداته المطلقة لنظم القمع والإستبداد في ليبيا وفي دمشق، فناصبوه العداء. عادته المنظومة القديمة لأنّه كان أكثر المعارضين شراسة لها وأكثر المثقّفين تعرية لها حتى سقط رمزها ومجرمها، فتآمروا عليه ونصبوا له طيلة ثلاثة أعوام منصّات إعلاميّة لقصفه، حاسبوه حتّى على عشوة سمك أنفق عليها من جيبه. تآمر عليه محور الشّر العربي بعد أن يئسوا من استدراجه إلى مخطّط الإنقلاب، كما فعلوا مع السّيسي وحفتر. وممّا يحسب للمرزوقي أنّه حمى المسار الدّيمقراطي، وذكر الإمارات بالإسم في سعيها المحموم للتّآمر على الإنتقال الدّيمقراطي في تونس عن طريق أذيالها وكلابها.

المرزوقي ترك رسالة لأهله ورفاقه ومن آمن بفكره، ينبّه فيها أصحاب الضّمائر الحيّة إلى الأخطار التي تهدّد الحرّيات والحقوق المقدّسة التي مات من أجلها آلاف الشّهداء منذ الإستعمار، مرورا بالحقبتين البورقيبيّة والنّوفمبريّة، وتضمّنت رسالته شهادة على عمق التّآمر على الثّورة التّونسيّة من أهل العفن السياسي في تونس ومن أعداء الحرّيّة والتّحرّر في الوطن العربي.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock