مقالات

التيّار الديمقراطي أضاع الفرصة

عبد اللّطيف درباله

أعتقد أنّ حزب التيّار الديمقراطي أضاع ليس فقط على نفسه فرصة الصعود إلى الحكم.. والمشاركة في الحكومة.. وإفادتها بجزء من برنامجه وأهدافه.. حتّى ولو لم تكن كلّها.. وإنّما أضاع أيضا الفرصة على تونس لتشكيل حكومة ذات نفس ثوري تقطع مع المنظومة القديمة.. وخاصّة تقطع طريق الصعود إلى السلطة على حزب نبيل القروي.. وتغلق باب الرّجوع إلى الحكم على حزب يوسف الشّاهد..

بالنسبة إلى حزب سياسيّ فإنّ المعارضة لا يجب أن تكون هدفا في حدّ ذاتها..!!
والبقاء في المعارضة لا يجب أن يتحوّل إلى حالة أبديّة.. أو حتّى مجرّد حالة مطوّلة..!!

في ظلّ حالة التشتّت السياسي في تونس.. وفي ظلّ القانون الإنتخابي الحالي.. وفي ظلّ نتيجة الإنتخابات الأخيرة.. وفي ظلّ أنّ الحزب الأوّل فاز بنسبة لا تفوق 24 بالمائة من مقاعد البرلمان.. فإنّ حزب مثل التيّار الديمقراطي حصل فقط على نسبة 10 بالمائة من المقاعد.. وأتيحت له رغم ذلك فرصة حقيقيّة للمشاركة في الحكم.. كان عليه إستغلال الفرصة ومناقشتها بجديّة دون شروط مسبقة أو مجحفة.. أو لاءات..
كان على التيّار التخلّي عن الأسلوب الإستفزازي.. والمتعالي.. والأحكام المسبقة..!!
وأن يجلس إلى طاولة المفاوضات “بتواضع”.. وبمطالب جديّة.. بعيدة عن الدعاية الإعلاميّة..!!
وأن يتناقش من منطلق وطني لا حزبي..!!

كان على التيّار الديمقراطي أن ينظر لنتيجة الإنتخابات على أنّ الشعب أعطى للأحزاب والقوى السياسيّة المنتصرة للثّورة أغلبيّة وأسبقيّة نسبيّة.. لو اتّحدت كلّها معا.. وأن ينطلق من ذلك الأساس تحديدا.. فيبحث عن بقيّة المجموعة.. ويتناقش معها في إمكانيّة تكوين حكومة يتقاسم معها على الأقلّ جزء من رؤيته وبرنامجه وأهدافه.. لأنّه في كلّ الحالات لن يستطيع بالتأكيد تحقيقها كلّها في الوقت الحالي..
والحكمة الوطنيّة تقتضي بأنّ تحقيق بعض الفائدة للبلاد.. أفضل من أن لا نحقّق شيئا..!!
فإن نجحت المفاوضات.. كان بها..
وأن لم تنجح المفاوضات.. كان بإمكان التيّار أن يخرج إلى العلن.. وأن يكشف الأوراق حينها..

مهما قيل عن النّهضة.. وعن نوايا الأطراف.. وعن المفاوضات.. وعن من يتحمّل مسؤوليّة فشل المفاوضات بين النهضة والتيّار..!!
فإنّه ومن حيث المبدأ.. ليس لحزب فاز بنسبة 7 بالمائة فقط من أصوات الشعب.. وحوالي 10 بالمائة فقط من مقاعد البرلمان.. أن يطمع في أن يحصل على نصيب من الحكومة وعلى نفوذ فيها بأكثر من شركائه الذين يفترض أن يكونوا حاصلين بدورهم على حوالي 43 بالمائة على الأقلّ من المقاعد..!!!
وإنّ المتأمّل في مطالب التيّار الديمقراطي لا يصعب عليه أن يلاحظ بطريقة موضوعيّة بأنّها شروطا مجحفة وصارمة..
وإنّ تقديمها بأسلوب علويّ وإستفزازي.. والتنصيص على أنّها “شبه قرآن” لا يحتمل التغيير أو التحريف أو التنقيص منه.. هو أمر لا يستساغ في السياسة..!!
فالتيّار الديمقراطي طلب أوّلا ثلاث وزارات.. إثنين منها وزارات سيادة وهي العدل والداخليّة.. في حين أنّ بقيّة وزارات السيادة وهي الدّفاع والخارجيّة ستخضع لمشورة رئيس الجمهوريّة.. وربّما لخياراته أصلا..
وطلب التيّار وزارة الإصلاح الإداري.. مع التنصيص على أن تكون بصلاحيّات كاملة.. ويعني ذلك بوضوح أن تكون لتلك الوزارة علويّة على سائر الوزارات الأخرى.. باعتبارها ستقوم بإصلاح بقيّة الوزارات والإدارات.. ومراقبتها.. ومحاسبتها..
وطلب التيّار تحييد رئاسة الحكومة عن حركة النّهضة وتعيين رئيس مستقلّ.. وطبعا لابدّ للتيّار أن يوافق عليه.. بما يعني أنّه “مضمون” بالنسبة له..
وطالب التيّار بالاتّفاق على برنامج عمل الحكومة.. وهو ما يعني أنّه سيضع فيه أغلب خططه وبرامجه وأولويّاته..
وطلب التيّار على الأقلّ ضمنيّا إقصاء إئتلاف الكرامة من الدّخول في الإئتلاف الحكومي.. على اعتبار أنّهم لا يتوافقون معهم.. (“يشبهولهم”)
وأخيرا طلب التيّار في حالة الموافقة على التصويت لراشد الغنّوشي لرئاسة البرلمان.. منصب نائب الرئيس الأوّل للبرلمان للقيادي فيه غازي الشّواشي..
المتأمّل لطلبات التيّار الديمقراطي.. يعتقد لوهلة بأنّ الإئتلاف الحكومي كان سيكون بين النهضة والتيّار فقط.. لأنّه لم يقع على ما يبدو قراءة حساب بقيّة الشركاء المفترضين في الحكم وطلباتهم بدورهم..!!
ذلك أنّ حالة تشتتّ الكتل بالمجلس ستفرض على الأقلّ دخول أربع كتل إضافة إلى بعض الأحزاب الصغرى أو المستقلّين.. ومن الطبيعي أن يكون لكلّ منهم طلباته..
فكيف يفكّر التيّار الديمقراطي بالإستئثار بنصيب الأسد وبالعمود الفقري للحكومة.. دون أن يقرأ حسابا لغيره.. ولصاحب المرتبة الأولى نفسه..؟؟!!

التيّار الديمقراطي ينطلق في مقاربته للمفاوضات بأنّه لا ثقة له في حركة النّهضة.. وهو يعتبر أنّ ما يطلبه هو “ضمانات” وليست “شروطا” على حسب تعبير سامية عبّو..
غير أنّه وعلى العكس من ذلك.. وحتّى ولو اعتبرنا أنّ التيّار الديمقراطي هو الحزب الأنظف والأكثر مصداقيّة.. فإنّ السؤال في المقابل.. هو ماهي الضمانات في أن يكون التيّار على قدر تسيير وإدارة تلك الوزارات بكفاءة واقتدار وفاعليّة..؟؟!!
وهو سؤال يمكن أن يكون مشروعا لحركة النّهضة.. ولبقيّة المشاركين في الإئتلاف الحكومي..
وإذا ما منح التيّار الوزارات الثلاثة المذكورة.. هل قدّم مسبقا أسماء الأشخاص الذين سيكلّفهم بها.. للتثبّت من مدى إستحقاقهم وكفاءتهم للمناصب المقترحة..؟؟!!

يمكننا أن نخوض في الكثير من التفاصيل والتحليلات لطريقة وأسلوب التيّار الديمقراطي وبعض قياداته في إدارة المفاوضات.. منذ ليلة الإعلان عن النتائج الأوليّة.. وفي مدى نضج وفاعليّة التمشّي السياسي الذي اعتمدوه في التعامل مع فرصة السّلطة أو فرضيّة المعارضة.. ومخاطبة الشركاء المحتملين في الحكم.. لنكتشف مواطن ضعف كثيرة..!!
ولربّما كان التيّار يعتقد أنّ لاءات النّهضة ضدّ التحالف مع قلب تونس.. كانت ستحشره في الزاوية لكونه لن يستطيع بتاتا تكوين حكومة بدون التيّار الديمقراطي وحركة الشعب.. ممّا سمح للتيّار بأن يصرّ على كامل شروطه الكبرى.. دون أن يقرأ حسابا للتراجع الراديكالي للنّهضة عن لاءاتها.. وإمكانيّة قلب الطاولة ولو بالتوافق مع حزب نبيل القروي..!!
غير أنّنا وعوضا عن ذلك فإنّنا سنقلب السؤال رأسا على عقب..!!!

لنفترض أنّ حزب التيّار الديمقراطي كان هو الذي فاز بالمرتبة الأولى في الإنتخابات التشريعيّة مكان حزب حركة النّهضة.. وأنّ للتيّار عدد 52 مقعدا.. وأنّه كلّف دستوريّا بتشكيل الحكومة..
وأنّ النّهضة في المقابل فازت بعدد 22 مقعدا فقط.. هي مقاعد التيّار..
فطبقا للتيّار الديمقراطي.. وتصريحات قياداته الأربعة الكبرى.. محمّد عبّو وسامية عبّو ومحمّد الحامدي وغازي الشّواشي..
فإنّ التيّار الديمقراطي لا يمكن أن يتحالف مع قلب تونس.. ولا يمكن أن يتحالف مع الحزب الدستوري الحرّ.. ولا يمكن أن يتحالف مع إئتلاف الكرامة.. ولا يمكن أن يتحالف طبعا مع النّهضة لأنّها “فاسدة” كما نعتوها.. ولا يمكن أن يتحالف مع تحيا تونس باعتبار أنّه يمثّل حزب حكومة الشاهد التي قالوا عنها مرارا أنّها حكومة مافيا وفساد وفاشلة..!!!
يعني عمليّا فإنّ التيّار الديمقراطي حتّى ولو كان هو في المرتبة الأولى اليوم مكان النّهضة.. فإنّه لن يكون قادرا على تشكيل الحكومة بأيّ شكل.. لأنّه على غير إستعداد للمشاركة مع كتل تكوّن أكثر من 109 أصوات في المجلس..!!
ووفقا لمنطق التيّار الديمقراطي اليوم.. وأسلوبه في إدارة المفاوضات.. فإذا تكرّم ورضي بإدخال بعض الأحزاب التي يراها فاسدة إلى إئتلافه الحكومي المفترض.. فإنّه بالتأكيد.. ونظرا لاعتباره إيّاها فاسدة وفاشلة ومتآمرة وضدّ الثورة.. ونظرا إلى اعتبار التيّار لنفسه أنّه هو الحزب الثوري الوحيد النّظيف غير الفاسد و”العادل” و”القويّ” وصاحب الكفاءة.. فإنّه سيقرّر إحتكار جميع وزارات السيادة والوزارات المهمّة لنفسه.. باعتبار أنّه لا ثقة له بطبيعته في بقيّة الأحزاب.. وهو ما سيدفع تلك الأحزاب إلى رفض الدّخول معه في الحكم بالتأكيد..!!
يعني في الحالتين فإنّه يصعب على التيّار الديمقراطي تكوين حكومة. حتّى ولو كان هو نفسه الأوّل في المرتبة مكان النّهضة.. بما يجعله حزبا محكوما بالبقاء في المعارضة طبقا لمقاربته..!!!
فإن انتظر التيّار فقط أن يفوز يوما بالأغلبيّة المطلقة بمفرده.. ليحكم.. فإنّه قد ينتظر طويلا يوما قد لا يأتي أبدا..!!!
بل حتّى لو افترضنا تغيير القانون الإنتخابي بتعديل نظام أكبر البقايا.. فإنّ ذلك قد يضرّ أكثر بالتيّار الديمقراطي.. ناهيك أنّه حصل في الإنتخابات الأخيرة على 21 نائبا من جملة 22 نائبا فقط بفضل أكبر البقايا..!!!

ويغني كلّ ذلك عن كلّ تعليق حول مقاربة التيّار الديمقراطي للسلطة وللحكم ولممارسة السياسة..!!

فإن كان التيّار الديمقراطي يرى أنّ المعارضة هي أفضل مجلس مريح سياسيّا في منظومة الحكم الحاليّة.. فإنّه يفترض أنّه أخذ التجربة من الخمس سنوات الفائتة.. أنّه مهما كانت المعارضة قويّة وفاعلة.. فإنّ ذلك لن يمنع الحكومات من الفساد.. ومن الفشل..!!
إلاّ إذا ما كان التيّار يرى أنّ تأمين نفسه كحزب.. ولو بالمعارضة..
هو أفضل من تأمين مصالح البلاد والعباد.. ولو كشريك صغير في الحكم..!!
ولكلّ رؤيته..
ويبقى للشعب دائما الرؤية الأخيرة في الصندوق يوم الإقتراع..!!!

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock