حكومة قوية تحارب الفساد أو التأزم
إحسان علواني
نعم، الدستور ينص على أن الحزب الأول يختار رئيس الحكومة. نعم، في الديمقراطيات المستقرة هذا يعني شخصية من داخل الحزب ورئيس الحزب من باب أولى. لكن، إن كان المقصود هو الحكم كوسيلة لتحقيق المنفعة العامة، فإن العاقل يجب أن يتجاوز الحرف إلى ما ينفع الناس.
تشكيل حكومة لا تنال ثقة مجلس النواب، فقط من أجل تعزيز سردية تُخاطب الأنصار، أو تشكيل حكومة تمر بأصوات من لا يشاركون في الحكومة هي منداف وليست حكومة. الحالة الأولى هي عبث سيجعلنا نخسر وقتاً ثميناً، والحالة الثانية هي خطأ استراتيجي سيجعل انحدار شعبية النهضة أكثر حدة. فحتى إن شكلت النهضة حكومة تنال أصوات القروي وتحيا والكرامة، فستكون حكومة معزولة واقعياً، ودون حزام، وهو ما يعني تأزماً لا مناص منه وستكون السهام هذه المرة من أكثر من جهة.
الحل الأقرب للواقعية حسب رأيي هو أن يكون رئيس الحكومة شخصية مستقلة ذات تجربة سياسية وذات كفاءة، وذات إيتيقا سياسية عالية تطمئن النهضة، وتحضى بثقة أوسع طيف سياسي ممكن.
ما يحصل من تنڤيز على مستوى القواعد وبعض القيادات يجب أن لا يغطي حقيقة الفرصة التاريخية المتاحة لهذه الطبقة السياسية اليوم أكثر من أي وقت مضى من أجل تكوين “الكتلة التاريخية” بالمفهوم الغرامشي؛ كتلة قادرة على الممارسة السياسية الفعالة التي تريحنا من جدليات الضرورة والتنازل.
أعتقد أنه بإمكان النهضة التي تنازلت للنداء تنازلات مذلة من أجل تجنيب تونس ويلات الصراع الداخلي المدمر أن تتنازل عن حقها الطبيعي في ترؤس الحكومة من أجل مشروع حرب مقدسة على الفساد.
وإذا كان التيار يظن أن خيار التعجيز من أجل الفرار من المسؤولية هو مناورة ممكنة، فهو واهم، هو أيضاً معني بإثبات جديته في ممارسة السياسة، لا فقط استسهال “كنبة” المعارضة شبه الجبهوية.
يجب أن تلتقط الأحزاب هذه اللحظة التاريخية، والحقيقة أنها غير مخيرة في ذلك باعتبار طوفان الانتخابات الرئاسية. بالمفهوم السياسوي البراغماتي، المعادلة بوجه الأحزاب اليوم هي: النجاح أو الانهيار.
التهارج الحاصل في مرحلة ما بعد الانتخابات لا يزيد إلا قناعة فشل وتهافت المنظومات الحزبية. وهذه القناعة خطيرة جداً إن وصلت لأقصاها لسبب بسيط: ليس لدى الإنسانية اليوم أي تصور (design) لمنظومة سياسية لامركزية. هذا قد يفتح على المجهول والفوضى، لكن إن حصل -لا سمح الله- فإن الأحزاب هي المسؤولة عن ذلك، دون سواهم.
سعيد رئيس فتح بابين إثنين على مصراعيهما، ووضع الخيار بيد الأحزاب: إما حكومة قوية تحارب الفساد رأساً وتبني أول لبنة باتجاه الإقلاع الاقتصادي والإجتماعي بعد إجتياز تحدي السياسة. وإما التأزم المفتوح على الخيارات القصووية، وإمكانية هدم المعبد على الجميع.
مرة أخرى: إن لم تثب الأحزاب إلى رشدها فإنها تكتب نهايتها، وربما نهاية التجربة.