الفساد أصل المشكلة الاقتصادية: مقاربة من منظور قيمي
محمد النوري
ملخص موجز للمداخلة التي قدمتها في ندوة مكافحة الفساد يوم 26 أكتوبر بفندق المشتل
1. انطلقت من طرح سؤال منهجي يتمثل في المفارقة بين ترسانة القوانين والتشريعات التي وضعت لمقاومة الفساد والنتائج الهزيلة أو المعدومة التي تم التوصل إليها. إذن: أين الخلل؟
2. الإجابة تحتاج الى مقاربة شاملة ومنهجية سليمة انطلاقًا من مقولة حكيمة لرئيس حكومة سنغافورة مفادها أن “مقاومة الفساد كتنظيف المنزل يجب أن يتم من أعلى إلى تحت “اَي بدءًا من الفساد الكبير مرورا بالفساد المؤسسي والفساد المنتظم والفساد العرضي ثم الفساد الصغير.
3. تعرضت الى الإطار المفاهيمي للفساد والمشكلة الاقتصادية وهل أن الفساد هو مشكلة اقتصادية من ضمن المشاكل الاخرى كالبطالة والتضخم وغيرها أم أنه هو أصل المشكلة الاقتصادية الام الذي تتفرع عنه سائر المشكلات الاخرى. وبينت الفروق الجوهرية بين المقاربة الليبرالية التقليدية التي تربط الفساد بمسالة الندرة وتدخل الدولة وبين المقاربة الحديثة التي لا تفصل بين الاقتصاد والأخلاق ومنها المقاربة الاسلامية التي تعطي للقيم دورًا مهمًا في مقاومة الفساد وتعتبر ان الفساد هو أصل المشكلة الاقتصادية برمتها (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس).
4. استعرضت أنواع الفساد وأشكاله وممارساته بالتركيز على الفساد الاقتصادي بشقيه المالي والإداري في علاقة بالتصرف في المال العام بدءًا بتهريب الأموال الى الخارج والتهرب الضريبي عبر الغش المحاسبي والإخفاء الجبائي وغياب الشفافية والوساطة غير المشروعة والرشوة والمحسوبية والمحاباة والتزوير ونهب المال العام والتحكم في الصفقات والعقود الحكومية وعدم المحافظة على الملكية العامة والاختلاس والسرقة وغيرها.
5. ثم تناولت كلفة الفساد الاقتصادية والمالية والاجتماعية وكلفته المباشرة وغير المباشرة ودور “اقتصاديات الفساد” في الكشف عن تلك الكلفة الباهظة التي تكلف الدول النامية ومنها تونس ما لا يقل عن 3 او 4 نقاط نمو بما يكفي لسد الديون الخارجية بين يوم وليلة. وحللت الكلفة على حلقات الدورة الاقتصادية من إنتاج واستهلاك وادخار واستثمار وتوزيع وإعادة توزيع.
6. وتعرضت إلى استراتيجيات مكافحة الفساد المتعارف عليها دوليا وقصورها الملحوظ في التغلب على هذه الآفة الخطيرة التي تنهك الدول والمجتمعات التي يروج لها من خلال مفهوم الحوكمة الرشيدة وفق المنهج الليبرالي الذي ينادي بحزمة الاصلاحات التي يقدمها صندوق النقد الدولي من تقليص دور الدولة وتصفية القطاع العام عبر الخوصصة وتحرير الأسعار والعملات وإلغاء الدعم وأشكال الرقابة على التجارة ووو وكيف أن هذه الإصلاحات كافية للقضاء على الفساد بينما أثبت الواقع عكس ذلك وأن هذه الإجراءات ساهمت في تشكيل بؤر جديدة لسرطان الفساد.
7. وأخيرًا انتهيت الى تقديم مقاربة جديدة لمقاومة الفساد من منظور قيمي تقوم على 20 نقطة أهمها : الاصلاح الذي هو نقيض الفساد فإذا كانت مقاومة الفساد تكون من اعلى الى تحت فان الاصلاح يبدأ من تحت إلى أعلى، ودرء المفسدة (الفساد) مقدم على جلب المصلحة (الاصلاح) وفي مقدمة ذلك الإصلاح التربوي العميق وإصلاح المناهج التعليمية وتضمينها مادة أساسية جديدة حول مكافحة الفساد، وكذلك دعم الرقابة المجتمعية بالاضافة الى الرقابة التنفيذية، ومراقبة المعاملات المالية والأسواق ومحاربة الاحتكار والاكتناز وتشديد العقوبات على اختلاس المال العام والكشف للرأي العام عن عمليات الفساد وتطبيق العقوبات الرادعة ضد التهريب والقطاع الموازي وتبييض الأموال والإخفاء المحاسبي واعتماد أسلوب المساءلة من أين لك هذا ؟
8. واختتمت المداخلة بعرض سر نجاح بعض الدول في هذا الباب من دول أفريقية وآسيوية وغيرها وبينت أن التغلب على الفساد هو تغلب على المشكلة الاقتصادية ووضع البلاد على سكة النمو الحقيقي.
تجارب ناجحة في مقاومة الفساد:
محاربة الفساد مثل محاربة الاٍرهاب تماما تحتاج إلى :
- إرادة سياسية صادقة وحازمة ومصممة على دحره.
- مشاركة مجتمعية فاعلة وواعية بمصيرية المعركة.
- مقاربة شاملة واستراتيجية محكمة ومنهجية سليمة.
وبالتالي فهي ليست مستحيلة فقد نجحت تجارب عديدة في مقاومة الفساد وحققت نتائج باهرة ونقلة نوعية من أسفل قائمة الدول التي ينخرها الفساد إلى أعلاها التي تشكل قصة نجاح في هذا المجال.
ومن ضمن هذه التجارب الناجحة وسر النجاح فيها:
- سنغافورة انتقلت من دولة فاسدة الى دولة رائدة في مقارعة الفساد وكلمة السر في ذلك هو إلغاء الحصانة عن المسؤولين أمام المساءلة.
- ماليزيا كذلك سر النجاح فيها تفعيل قانون من اين لك هذا ؟
- جورجيا من خلال توسيع المشاركة الشعبية والمساءلة المجتمعية.
- بلغاريا من خلال الإرادة السياسية القوية.
- كينيا عبر تصميم عملة جديدة لمحاصرة الفساد المالي في سوق العملة.
- كوريا عبر تشريك المواطن في المراقبة وحماية المبلغين عن الفساد.
- تنزانيا من خلال القرار الجريء في طرد 10000 موظف مرة واحدة وفصلهم عن وظائفهم بسبب تورطهم في عمليات فساد.
باختصار هناك مقولة تلخص كل شيء:
“ان الفساد يستفحل ويطول عمره كلما انسحب الشرفاء من الميدان”