تدوينات تونسية

قبل فوات الأوان

نور الدين الغيلوفي

على الحزب الذي فاز بالانتخابات، بعد أن يستكمل ما عليه من مسؤولية مشاوراته مع شركائه في البرلمان، حتّى أولئك الذين ينكرون شراكته منهم من متنطّعي السياسة ومن الذين نزلوا لتوّهم من السماء السابعة إلى أرض البشر بعد أن خصّتهم الآلهة بتدريبهم على حلّ المشاكل وإبداع الحلول…
عليه، بعد ذلك، أن يشرع في تشكيل حكومته من طاقم وزاريّ يجمعه الالتزام بأهدافه التي تعاقد عليها مع الشعب التونسي، بدءا من الذين لم ينتخبوه.. طاقم وزاريّ يجمع بين العلم والقدرة على الإنجاز يكون قادرا بعد مائة يوم على إطلاع الناس على ما شرع في إنجازه وعلى ما لم يشرع وعلى أن يبيّن لهم الصعوبات العالقة وسبل تجاوزها…
حركة النهضة حكمت منذ 2011 ولم تنجز شيئا ذا بال بدعوى أنّ اللحظة السابقة كانت لحظة التأسيس السياسي.. أما وقد استقام بنيان السياسة فأروا الناس ماذا انتم فاعلون في البنيان الاقتصادي.. أليس الآن هو موعد الإنجاز كما تدّعون؟
يتّهمكم الأنبياء المرسَلون بأنّكم ليبراليون بل متوحّشون من سلالة الإقطاعيين اليمينيين فأرونا انتصاركم للفقراء وخدمتكم للكادحين وحرصكم على العدالة الاجتماعية وجهدكم في محاربة الفساد وصونكم لاستقلال القرار الوطنيّ…
لا تلتفتوا إلى الذين لم يخوضوا المعمعة بعدُ وجاؤوكم بصلفٍ غير مفهوم واستعلاء لا عقل معه، كأنّ الأرض قد سُوّيت لأجلهم والسماء قد نزلت عندهم…
اعرضوا تشكيلة حكومتكم على البرلمان.. لن يغامر كثير من نوّاب المجلس بتعقيد الأمور وتعطيل العمل لأجل عيون سياسيين هواة قرّروا الدفع بالبلاد إلى المجهول إرضاء لمواقف لهم لا عقل فيها…
أغلب نواب البرلمان لن يضحّوا بمقاعدهم لإرضاء زعماء فقدوا البوصلة وانخرطوا في ردح صبيانيّ لا يعلمون عواقبه…
بقي “الباندي الكبير” اتّحاد الشغل المحرز على جائزة نوبل للسلام.. لم يبق لقيادته غير الكلام بعد أن استفرغوا وسعهم طيلة السنوات السابقة حتّى غيّروا، بكثير إضراباتهم وعديد صولاتهم، صبغةَ المنظّمة من مدافعة عن العمل والإنجاز وخوض #المعا #مع والتحديات إلى منظّمة للتعطيل عن العمل وعرقلة الفعل وافتعال الخصومات وزراعة الإضرابات…
كان الاتّحاد هو العقبة الوحيدة في طريق الإنجاز لمّا راح يستقوي على السياسيين ويستولي على أدوارهم بالتهديد والوعيد ويشعل الحرائق بدعوى كونه “أقوى قوّة في البلاد”.. وبدل أن يسخّر قوّته المزعومة في خدمة البلاد وتذليل الصعوبات أمامها ومدّ يد العون لها كما تفعل الدول تهبّ لإطفاء حرائق الدول الأخرى راح يشعل أعواد الثقاب في كلّ ناحية ومرفق كما لا تفعل جيوش الغزاة… اتّحاد الشغل استفرغ وسعه وأضاع شحنته ومزّق هيبته وأهدر طاقته بفعل قيادة مراهقة لا خبرة لها حتّى في المناورة تعلم جيّدا أنّ دوران عجلة الديمقراطية والاقتصاد سيعرّضها للمساءلة والمحاسبة…
الاتّحاد لم يعد يخيف أحدا.. لأنّ ” كلّ قوة للضعف ترجع”.. وهو قد أثخنته قيادته وأفرغته من قدرات كبرى كانت له.. وهشّمت صورة ظلّ التونسيون يفاخرون بها.. وما بقى منه سوى صراخ بلا صدى… قيادة الاتّحاد لا تزال تطلق الوعيد ولكنّهم لن يفعلوا بالبلاد أكثر ممّا فعلوا.. فلا عمل ليضربوا عنه ولا إنتاج ليعطّلوه.. بل لا روح أبقوا عليها ليهدّدوا بإزهاقها…

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock