يحاربونه “هناك”… فينفجر تحت أقدامهم “هنا”
زهير إسماعيل
الربيع حقيقة، قد تُلغَى شروطه في سورية بالبراميل وبكل أصناف القتل وأبشع أنواع الغزو والاحتلال، ظنّا ممّن ساهم في محاولة الإلغاء من دول ومحاور عسكرية وميليشيات مسلحة، بأنّ الربيع “هناك” بعيدٌ “هنا”.
يحاربونه هناك في شوارع درعا ولكنّه يندلع تحت أقدامهم “هنا” في ساحة “رياض الصلح”.
الربيع عابر للمجتمعات وللأنماط الإنتاجيّة والأنظمة الطائفيّة ولأصناف الاستبداد ولأشكال الاحتلال… فكلّ من حارب الربيع سيكون يوما موضوعا للربيع.
الربيع المنطلق من تونس تمدّد إلى كلّ المجال العربي، وعبَر إلى ضفة المتوسط الشمالية. كان أثره بالغا في المشهد السياسي الإسباني فكان “حزب بوديموس” الابن الشرعي لشعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، وكان تطور أداء حزب “النجوم الخمس”، في إيطاليا، بهدي من ربيعنا.
السترات الصفراء في فرنسا انتفاضة الهامش الفرنسي مُستَلهَمة من انتفاضة هامشنا المفقّر (فرنسا كانت وما تزال من أكبر أعداء الثورة في تونس)، وشاهد إضافي على أزمة الدولة وأزمة نموذجها في الديمقراطيّة التمثيلية التي كانت مشروطة منذ نشأتها البعيدة بالاستعمار وتنكّب المفهوم الإنساني للإنسان.
وعبَر الربيع إلى وولت ستريت على ضفاف الأطلسي بمطلبه في إسقاط النظام، ولكنه عنى النظام الرمزي وبُناه المالية الإمبرياليّة المُؤسِّسَة.
وأطلّ الربيع على طهران منذ سنتين، وكان أطلّ قبل ذلك في 2009، وقد اجتهدت في محاربته في الشام بعنوان دعم المومانعة ومكافحة الإرهاب.
أُريدَ تطييفُ بعض السياقات لتكون الطائفية حاجزا في طريق الربيع، ذلك أنّ تطييف أي سياق مأزوم لا يترك مجالا إلا للحل الطائفي. ولكن الذي نشاهده أنّ مثل هذه السياقات التي تم تطييفها، مثل العراق وسورية واليمن، يقوم بعضها شاهدا على أنّ الربيع لا توقفه الحواجز الطائفية، وعلى أنّ الربيع عابر للطوائف أيضا.
الوضع اللبناني ليس بسيطا، وتجذّر النظام الطائفي في النصوص والنفوس رغم انفتاحه على الحريات والحياة السياسية التعددية، لا يشبهه إلا حاجز المؤسسة العسكرية في مصر رغم اختلاف السياقين (دولة الجيش، دولة الطوائف).
ومع ذلك فإنّ السياق اللبناني موضوع للربيع، ويأتي الربيع شاهدا على نظام طوائف منتهي الصلوحيّة… ولا حلَّ قريبٌ في الأفق..
الربيع يعود إلى مدن سورية بعناوينه الأولى في كل شبر من سورية محرَّرٍ من الشبيحة والاحتلال والإرهاب…
هي ثورة الألفية الثالثة في بعض من بروفاتها المتوالية… تشهد لانتصار تلازم المقاومة والمواطنة واندحار أطروحة المومانعة التي اختارت الاصطفاف إلى جانب أنظمة الاستبداد المتخلفة وانكسار أطروحة “الاستبداد الشرقي” الاستعمارية وقوامها أنّ للعربي تقاليدَ في مقاومة المستعمر ولكن لا تقاليدَ له في مقاومة الاستبداد.
الربيع شاهد على أن للعربي تقاليد في مقاومة المستعمر وهوية انتظامه المفروضة ونهجا مبتكرا في هدم الاستبداد وتأسيس المواطنة الكريمة وفتح آفاق رحبة لانتظام جديد يطمح إلى أن يكون أرقى من الدولة.