مقالات

مسلسل نبيل القروي: "باش نحكم فيكم وفي والديكم"..!!!

عبد اللّطيف درباله

حلقة جديدة مدبلجة باللّغة العبريّة من مسلسل الإنتخابات التركي لنبيل القروي بعنوان “باش نحكم فيكم وفي والديكم”..!!!
اكتشف التونسيّون يوم أمس حلقة إضافيّة جديدة صادمة من مسلسل نبيل القروي الذي عنوانه “باش نحكم فيكم وفي والديكم”.. لكن هذه المرّة باللّغة العبريّة.. في إخراج صهيوني..!!
فقد كُشٍفَ بأنّ نبيل القروي أبرم مع شركة اسمها “ديكنز وماديسون”.. وهي شركة علاقات عامّة سياسيّة وتعبئة رأي عام وضغط (“لوبينغ”) (“Lobbying”) كنديّة.. وتعمل على نطاق دولي.. عقدا من أجل مساعدته في الإنتخابات التي يترشّح لها في تونس.. وذلك للتأثير على حكومات الولايات المتحّدة الأمريكيّة وروسيا والإتّحاد الأوروبّي لدعمه.. ولمحاولة ترتيب لقاءات له قبل الإنتخابات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.. ومن أجل دعمه بالموارد الماديّة للفوز بالإنتخابات..!!
أعمال الضغط و”اللوبينغ” في الدول الغربيّة ليست ممنوعة.. ولا تعدّ عيبا في حدّ ذاتها.. فقوانين تلك البلدان تسمح بالإستعانة بشركات العلاقات العامّة في المجال السياسي بغرض التأثير أو الدّعم أو الإقناع أو تحسيس وتعبئة الرأي العام.. أو إقامة علاقات بجهات سياسيّة معيّنة..
ولذلك جاء الكشف عن تلك الاتفاقيّات والعقد الخاصّ بنبيل القروي من خلال وثائق وزارة العدل الأمريكية نفسها المنشورة على موقعها الإلكتروني على الإنترنت.. في إجراء روتيني معتاد.. إذ يلزم القانون الأمريكي الشركات التي تعمل في تعبئة الرأي العام والضّغط (“Lobbying”) على الحكومة الأمريكية.. نيابة عن دول أو جهات أجنبية بالكشف عن علاقتها مع الحرفاء..
ومن هنا إنكشفت فضيحة نبيل القروي وقد كان يعتقد أنّها ستبقى سريّة على ما يبدو..!!!
لكنّ استعمال شركات ضغط أجنبيّة للتأثير في انتخابات داخليّة وطنيّة هو الخطأ الذي تجرمّه حتّى تلك البلدان..!!!
وحتّى في تونس فإنّه من حيث المبدأ لا شيء يمنع أعمال شركات العلاقات العامة قانونا..
وإستعانة نبيل القروي بشركة علاقات عامّة ولوبيّات للوصول إلى السّلطة في تونس.. ليس عملا خارقا للقانون أو للأخلاق السياسيّة في حدّ ذاته.. لو كان الأمر يتعلّق بشركة وطنيّة.. وبممارسة شفّافة ولا تتعارض مع القوانين المحليّة..
لكنّ الفضيحة والخطر تكمن تحديدا في أن الشركة أجنبية.. وتكمن في ماهيّة تلك الشركة التي اختارها القروي لدعمه في الإنتخابات..
وتكمن أيضا في موضوع “الخدمة”.. وفي تفاصيل وملابسات الموضوع..!!!
تبيّن أوّلا أنّ شركة “ديكنز وماديسون” التي استعان نبيل القروي بخدماتها على المستوى الدولي خارج تونس.. يملكها شخص إسمه “آري بن ميناشي” (“Ari Ben-Menashe”).. وهو إسرائيلي الجنسيّة.. ويهودي الديانة.. ويعرّف نفسه باعتباره مؤلّف ورجل أعمال ومستشار أمنيّ..!!
المشكل ليس في الديانة اليهوديّة لمن كلفّه القروي بمساعدته في الوصول إلى السلطة بتونس.. ولكنّ المشكل الحقيقي يكمن أوّلا في أنّ الرجل إسرائيليّ وصهيوني..
وثانيا في أنّ “آري بن ميناشي” كان في الواقع موظفا في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية من سنة 1977 إلى 1987.. كما عمل بموقع حسّاس في قسم العلاقات الخارجية في وزارة الدفاع الإسرائيلية..!!
وهو معروف على المستوى العالمي بكونه تاجر أسلحة..!!
ويعيش منذ سنوات بمونريال في كندا.. أين يدير مجموعة من الشركات الفاعلة.. بعضها معروف ومعلن.. وبعضها سريّ وغير معروف.. ومنها على سبيل المثال “ديكنز وماديسون” المختصّة في العلاقات العامّة والتأثير السياسي وتعبئة الرأي العام والضغط.. والتي تعاقد معها القروي.. ومن ذلك أيضا أنّ الرجل الإسرائيلي كان قد أسّس شركة لجمع المعلومات الأمنيّة والاستخباريّة.. وتقديم خدمات الحماية الأمنيّة.. كان مقرّها في كندا.. ولها فروع في عدّة بلدان..
وهي شركة مشبوهة.. ولا يعرف على وجه الدقّة مدى ترابطها بأجهزة الإستخبارات الإسرائيليّة التي عادة ما تستغلّ عملائها وضبّاطها السابقين في إقامة شركات واجهة تظهر أنّها لا علاقة لها بها من الناحية الرسميّة.. وذلك لعمل “ساتر” لخدمة عملها الأمني والإستخباراتي والسياسي بطريقة خفيّة وغير مباشرة..!!
في نطاق نشاطه في تجارة الأسلحة.. سبق وأن تمّ القبض على “آري بن ميناشي” في نيويورك سنة 1989.. ووقع إتّهامه من الولايات المتحّدة الأمريكيّة بالإشتراك مع متهّمين آخرين بالتآمر لخرق قانون الرقابة على الأسلحة.. إلاّ أنّه حصل على حكم بالبراءة لاحقا..
وقد ارتبط إسم متعاقد الخدمات الإنتخابيّة الدوليّة لنبيل القروي بعدّة أعمال أخرى غامضة ومشبوهة على مرّ السنوات..!!
نظرا لكون “آري بن ميناشي” كان ضابطا سابقا في الإستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة وفي وزارة الدّفاع بالكيان الصهيوني.. ولخبرته السابقة في مجال تجارة الأسلحة.. ونظرا لامتلاكه شركة معلومات أمنيّة وحماية وخدمات أمنيّة.. فإنّ شركته “ديكنز وماديسون”.. اشتهرت بتقديم خدماتها خاصّة لبارونات الحرب وقادة الأجهزة العسكريّة والأمنيّة..!!
من ذلك أنّ الشركة تعاقدت قبل نبيل القروي مع الجنرال خليفة حفتر المسيطر على شرق ليبيا لتلميع صورته في العالم.. ومحاولة الحصول على إعتراف دولي واسع به كممثّل لليبيا..!!
كما تعاقدت نفس الشّركة مع الفريق محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، بصفته ممثلاً عن المجلس العسكري السوداني.. وهو قائد ما يعرف في السّودان بقوات الدعم السريع (“الجنجويد”).. التي يقودها حميدتي.. والمتّهمة منذ 14 عامًا مضت بارتكاب مذابح إبادة جماعية في دارفور راح ضحيّتها ربع مليون قتيل تقريبًا..
كما أنّ حميدتي حريف نفس الشركة التي استعان بها القروي.. متّهم أيضا هو وقوّاته بارتكاب جرائم قتل للمتظاهرين مع بداية الثّورة والإحتجاجات الشعبيّة ضدّ نظام عمر البشير.. قبل أن يجبر البشير على التنحّي بضغط عسكري نزولا عند الضغط الشعبي.. ويحلّ محلّه في السّلطة مجلس عسكري أصبح الجنرال حميدتي نفسه الرّجل الثاني فيه رسميّا.. والحاكم الفعليّ للبلاد واقعيّا..
وبخلاف هؤلاء فإنّ أغلب حرفاء الصهيوني “آري بن ميناشي” هم من “أمراء الحرب”.. ومن المتورّطين في أعمال مشبوهة تحتاج إلى حملة تجميل وعلاقات عامّة عميقة وواسعة وفاعلة بين السّاسة والإعلاميّين لإخفاء أعمالهم السيّئة وتبييضهم أمام قادة الدّول والرأي العام العالمي..!!
لعلّ إختيار نبيل القروي لتلك الشركة بالذّات.. يعكس إمّا إيمان القروي نفسه بأنّ أفعاله وتصرّفاته تضاهي تلك الأعمال السيّئة وتحتاج لخدمات شركة مختصّة في تبييض البقع شديدة السواد..!!
أو لأنّ نبيل القروي يحتاج لخدمات اللّوبي الصّهيوني تحديدا من أجل فرض وصوله إلى السّلطة في تونس..!!
أو لأنّ القروي كان في الواقع مدفوعا أصلا من قوى صهيونيّة وإسرائيليّة أوكلت أمره إلى أحد ضبّاطها السابقين.. وإلى شركة تابعة لهم.. لأجل التسويق للقروي ولحزبه “قلب تونس”.. لضمان دعمه للفوز بالإنتخابات في تونس.. علّه يكون رجلها.. إن لم يكن قد أصبح رجلها بعد..!!
وهي كلّها تساؤلات مشروعة..!!!
طبقا لما كشفت عنه وزارة العدل الأمريكيّة من وثائق.. وطبقا للإعلام الصادر بتاريخ 26 سبتمبر 2019.. فإنّ نبيل القروي تعاقد يوم 19 أوت 2019.. عبر ممثّل له اسمه “محمّد بودربالة”.. مع شركة المدعو “آري بن ميناشي”.. وكانت قيمة الصّفقة مليون دولار أمريكي.. أي ما يعادل تقريبا 3 مليون دينار تونسي (3 مليارات من المليّمات).. دفع منها نبيل القروي 250 ألف دولار (ما يعادل 750 ألف دينار تونسي تقريبا).. وتمّ الإتّفاق على دفع البقيّة وسط شهر أكتوبر الجاري..!!
المثير طبعا أنّه في الوقت الذي ينفي فيه نبيل القروي وحزبه ورجاله أن يكون متورّطا في تهم تبييض الأموال المنسوبة إليه.. أو أن يكون ممتلكا لأموال وحسابات بنكيّة خارج تونس بطريقة غير قانونيّة..
وفي الوقت الذي سبق لنبيل القروي وأن صرّح بأنّه دفع مبلغ 10 آلاف دينار اللاّزمة للترشّح للرئاسة بعد أن اقترضها من والدته.. لكون أمواله وأملاكه مجمّدة بقرار قضائيّ.. فإنّه لا أحد يعرف تحديدا كيف ومن أين تمّ دفع المبلغ المالي المذكور.. وكيف سيقع دفع بقيّة المبلغ الضخم بعد أيّام..؟؟
ولا أحد يعرف من أين جاء نبيل القروي بالمبلغ الضخم بالعملة الصّعبة خارج تونس..؟؟!!
وهل يشكّل دفعه مخالفة مصرفيّة للقانون التونسي أم لا..؟؟!!
من جهة أخرى فإنّ الملاحظ أنّ نبيل القروي كان يسعى إلى الحصول على دعم قوى أجنبيّة.. وخصوصا أوروبّا وأمريكا وروسيا.. من أجل الفوز بالإنتخابات في تونس..
أي أنّ القروي كان يطلب دعما أجنبيّا خارجيّا لربح الإنتخابات ببلاده.. عوض التعويل على كسب أصوات غالبيّة الناخبين في تونس.. وهو الأمر الذي يشكّل سقوطا أخلاقيّا سياسيّا..!!
كما أنّ تخصيص مبلغ 3 مليون دينار لدعم الحملة الإنتخابيّة لنبيل القروي عبر الإستعانة بخدمات شركة ضغط وعلاقات عامّة أجنبيّة.. لا يعرف هل يمكن تصنيفه ضمن الإنفاق الإنتخابي المحدّد سقفه أصلا في الإنتخابات الرئاسيّة بمبلغ 1.75 مليون دينار فقط.. والذي ينصّ القانون على أنّ تجاوزه بنسبة 75 بالمائة يعرّض المترشّح لإلغاء نتيجته وإخراجه من السّباق الإنتخابي..؟؟!!
نبيل القروي سعى أيضا إلى الظّفر بمقابلة دونالد ترامب وفلاديمير بوتين.. للإيحاء للرأي العام التونسي وللناخبين بأنّه محلّ رضا واهتمام من رؤساء أقوى بلدين في العالم.. أمريكا وروسيا..
وهو ما يعني أنّه المترشّح الأفضل والأكثر تفوّقا بين منافسيه باعتباره يملك علاقات بزعيمي أقوى دولتين..!!
غير أنّ أخطر ما في الموضوع هو أنّ عقد نبيل القروي تضمّن من بين الخدمات المطلوبة .. وفي ما يخصّ ما هو مطلوب خصوصا من الطّرف الرّوسي.. “الحصول على الدعم المادّي للدّفع للرئاسة”.. (“to obtain material support for the push for the presidensy”) كما جاء حرفيّا بنصّ العقد.. فهل أنّ الدعم “المادّي” المقصود من عبارة “material support” باللّغة الأنجليزيّة.. يقصد به الدّعم المالي.. أو الموارد والأدوات.. أو كليهما معا..؟؟
وفي الحالتين فإنّ حصول مترشّح للإنتخابات في تونس.. على دعم أجنبي مباشر.. سواء كان ماديّا أو ماليّا.. يعدّ مخالفة خطيرة تعرّض صاحبها قانونا للإقصاء من الإنتخابات التشريعيّة أو الرئاسيّة.. أو لإلغاء نتائجه إن فاز ووقع إكتشاف ذلك لاحقا..!!
علاوة على كونها جريمة حقّ عامّ تستوجب التتبّع والعقوبة..!!
على مستوى آخر..
من المعلوم بأنّ روسيا التي طلب نبيل القروي الحصول منها تحديدا على “الدّعم المادّي” في الإنتخابات الرئاسيّة.. متّهمة رسميّا من عدّة حكومات.. بينها الولايات لمتحّدة الأمريكيّة وألمانيا وفرنسا.. بأنّها تدخّلت بطريقة خفيّة لكن فاعلة في إنتخابات تلك البلدان بغرض التأثير عليها.. ولضمان صعود مرشّحين على حساب آخرين.. باعتبار أنّ روسيا ترى أنّ بعض المرشّحين هم أفضل من غيرهم بالنسبة لأمنها القومي.. وهم أكثر إنفتاحا اتّجاهها.. وبالتالي فإنّه يمكنها تحقيق مصالحها عبرهم.. وهو ما يستلزم دعمهم للفوز بالحكم في بلدانهم..!!
وفي أمريكا وقع إجراء بحث قضائي واسع ومعمّق انتهى إلى إقرار تدخّل روسيا في الإنتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة بعدّة وسائل وطرق خفيّة.. وذلك لدعم فوز دونالد ترامب وخسارة منافسته هيلاري كلينتون المعادية لروسيا..!!
وقد وقع إيقاف وسجن عدّة مقرّبين من ترامب ومن العاملين معه في حملته الإنتخابيّة لثبوت تورّطهم في اتّصالات غير قانونيّة مع جهات وشخصيّات روسيّة من أجل المساعدة للتأثير على الإنتخابات الأمريكيّة من قبل دولة أجنبيّة..
لكنّ التحقيق لم يمسك دليلا دامغا على علم أو تورّط الرئيس الأمريكي شخصيّا بتلك الإتّصالات المشبوهة والممنوعة..
فماذا طلب نبيل القروي تحديدا من الصهيوني “آري بن ميناشي” ومن شركته “ديكنز وماديسون”..؟؟
وماهي أعمال الدعم المادّي وطبيعة ونوع الموارد المطلوبة من تلك الدول والقوى الأجنبيّة.. والمطلوبة خصوصا من روسيا بالذّات.. بالنّظر إلى سوابقها في التدخّل في إنتخابات الدّول الأخرى؟؟!!
العقد وقع إمضائه من طرف ممثّل نبيل القروي بتاريخ يوم 19 أوت 2019.. ويبدو أنّ إيقاف وسجن القروي المفاجئ بعد أيّام فقط بتاريخ يوم 24 أوت 2019.. حال دون إستكمال مساعي مساعدته على مقابلة رؤساء أمريكا وروسيا.. إن أمكن أصلا ترتيب مثل تلك المقابلة.. وحال في كلّ الحالات دون إستكمال مخطّط الدعم الأجنبي المباشر لنبيل القروي في حملته الرئاسيّة.. وإن كان يمكن أن تكون جهود ومساعي وخدمات الشركة تواصلت بطرق أخرى مجهولة.. لا نعلم مقدارها وطبيعتها.. لدعم حظوظ نبيل القروي في الإنتخابات..!!
مرّة أخرى يظهر نبيل القروي للجميع أنّه مستعدّ لكلّ شيء من أجل الفوز بالسّلطة والحكم في تونس.. هو وحزبه “قلب تونس”.. وهو صاحب العبارة الشهيرة في التسجيل الصوتي الثّابت المسرّب له: “مالا أنا لواش عاملها التلفزة (قناة “نسمة”).. ماهو باش نحكم فيهم وفي والديهم”.. قاصدا بذلك الشعب وسائر السياسيّين الآخرين..!!!

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock